الأفارقة والعرب أيهما يحاكي الآخر؟/ شيخاني سيدي

جمعة, 2019-05-03 22:09

 

تعيش الشعوب العربية والأفريقية واقعا متشابها رغم اختلاف اللون والثقافة، يبدو ذلك جليا لكل متابع للمشهد السياسي في بلدان هذه الشعوب، تلك البلدان التي شهدت سيطرة عدة أنظمة تجاوز حكما عقودا من الزمن، أنهك فيها الحكام الشعوب واستنزفوا خيراتهم قبل أن يرحلوا في ظروف مشابهة.

وأنا أتابع المشهد في دولة السودان الشقيقة، وما تمر به الساحة السياسية هناك، تذكرت تلويح  البشير بعصاه أثناء خرجاته الإعلامية، وخطاباته الطويلة الرصينة، التي كان السودانيون يصفقون لها بحرارة.. تذكرت عصى البشير فذكرتني  بعصى يحيى جامي، الرئيس الغامبي الذي رحل عن بلاد حكمها أكثر من عشرين سنة في ظروف مشابهة لرحيل عمر البشير، وعدد كبير من رؤساء الدول العربية والأفريقية.

رحل البشير بعد أن حكم بلاده ثلاثين عاما، كما رحل جامي ذي العشرين، انقلب على الأول رفاق السلاح من أبناء بلده، بينما انقلبت على الثاني  قوة مجموعة الأكواس التي فرضت عليه مغادرة السلطة بعد تراجعه عن الاعتراف بنجاح خلفه أداما بارو في انتخابات الرئاسة.

استغرقت صياغة بيان الانقلاب  في السودان عدة ساعات، فبعد أن أعلن التلفزيون الرسمي عن البيان، ظل الجميع ينتظر دون أن تتم إذاعته، رغم إطلالة الصحفي المتكررة المبشرة بقرب نهاية البشير.

انتظار السودانيين لبيان الانقلاب ذكرني بانتظار الغامبيين لرحيل يحيى جامى، حيث أُعلن عن رحيل الرجل الذي حكم البلاد أكثر من عشرين سنة، بعد وساطة ناجحة قادها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز والرئيس الغيني ألفا كوندى.

كنت ضمن عدد من الصحفيين في مطار بانجول الدولي، وكنت الصحفي العربي الوحيد داخل المطار الذي ولجت إليه بعد عناء كبير بدأ بطرق ملتوية حيث مرر لي أحد الزملاء وهو سنغالي تصريح الصحافة من خلال لثام ناولني إياه من فوق سياج سميك يقف داخله عدد من الصحفيين المصرح لهم بالدخول، بينما تقف خارجه مجموعة من الصحفيين تنقصها بعض الأوراق الضرورية من أمثالي.

 بدأت المحاولة الأخيرة للدخول وأشهرت التصريح المسروق في وجه عسكري يقف بالباب، تأمل التصريح ثم سألني عن بطاقتي الصحفية التي نسيتها في الفندق لسوء حظي، بحثت جيدا في جيوبي ثم أشهرت جواز سفري الذي لا يوجد فيه ما يدل على أني صحفي، محاولا تفسير وضعي وكيف وصلت في نفس اليوم لتغطية رحيل جامي.

 بدأ العسكري الحديث بلغة إنكليزية فهمت منها إعراضه عن إدخالي، قاطعته صحفية فرنسية ممنوعة هي الأخرى من الدخول  في كلامها استعلاء على بلدي موريتانيا الذي كنت أردد اسمه بفخر تغززه طائرة الخطوط الموريتانية الجاثية في المطار لنقل جامي وأسرته،  قاطعتها "انتبهي هنا أفريقيا، في هذه الأرض الأفريقي أولا، حين كنتم تتابعون المشهد في غامبيا على الشاشة، وتنتظرون اشتعال بانجول كل لحظة، كانت طائراتنا تسبح في الفضاء، تتجاوز الحدود الوهمية التي رسمتموها لنحل المشكلة.

بدأ إمام مسجد يتكلم العربية تعرفت عليه خلال رحلة الانتظار الطويلة في ترجمة كلامي للحارس، يبدو أنه تأثر عاطفيا بكلامي، عند انتهاء الترجمة سُمح لي بالدخول.

  دخلت المطار عن طريق العاطفة تماما كما دخل أشخاص في السودان على خط "الثورة" بالطريقة ذاتها لأبدأ رحلة انتظار مشابهة لتلك التي عاشها الإخوة في السودان.

في ساعات الانتظار داخل مطار بانجول، كان البعض يتحدث عن تراجع جامي عن قرار الرحيل، واستعداد قوة الأكواس المرابطة على الحدود لمهاجمة بانجول، تماما كما كان المتابعون للمشهد السوداني يتحدثون عن فشل الانقلاب، وتراجع البشير عن قبول التنحية، مفسرين بذلك تأخر إذاعة بيان الانقلاب.

 جاء بيان الانقلاب على البشير متأخرا بنفس الطريقة التي وصل بها جامي للمطار، وهو الوصول الذي كان بداية نهاية الرجل.

 الشيء الوحيد الذي لم يتطابق في التجربتين الغامبية والسودانية أن رئيس الأولى رحل إلى سجنه الكبير (غينيا الاستوائية) بعد أن عُزف له النشيدُ الوطني في مطار بانجول الدولي، وسافر مع عدد من أعوانه عبر طائرتين أقلعتا من مطار بانجول في نفس الوقت، بعد أن تمايل أمام عدد من أنصاره ملوحا بالسبحة والعصى، بينما رحل البشير إلى سجنه دون توديع، وبدون نشيد وطني، ولا تلويح بعصى تعود على التلويح بها.

التجربتان السودانية الغامبيىة تعكسان حال العرب والأفارقة المتشابه، ومن خلال هاتين التجربتين يتأكد أن هذه الشعوب تحاكي بعضها ليبقى السؤال المطروح أي الشعبين يحاكي الآخر؟

 

الشيخان ولد سيدي

اقرأ أيضا