رسالة قصيرة إلى معالي وزير الداخلية/ المختار بابتاح

سبت, 2021-06-05 02:19

أكتب إليكم ـ صاحب المعالي ـ حروفا متناثرة، وكلمات متطايرة، فسامحوني إذا خانني التعبير وطاشت سهام كلماتي عن الهدف أكتب إليكم بأنامل مرتجفة فقد عسعس الليل وغارت نجومه وخاصرتني كوابيس ولد عبد القادر (أنام قليلا وأخشى المنام..) وبدأت تخيلات طرْق النوافذ  وتسلق الجدران تسيطر، وأخذت فرائصي ترتعد، فتواضعوا أرجوكم  لنفس محبطة ومُقلٍ دامعة تتذكر أحبة غادروها صدفة بلا وداع ولا وصية فلا تجد في هذه الأرض صاحب مروءة تشكو إليه حالها..

أكتب إليكم رسالة قصيرة وقد ترددت في الكتابة، وقلت في نفسي المكلومة : وما فائدة هذه الرسالة وهل من بريد سيوصلها بأمانة إلى معاليكم في مقر إقامتكم المجهولة عندنا معاشر الأحياء البعيدة، أم أوصلها  لبواب الوزارة وربما يرميها في أول سلة مهملات.. ومع ذك سأكتب، وعزائي أن الحروف مهما ضعف تعبيرها تبقى متنفسا المحبطين .. فاسمعوا قصتي باختصار..

سيدي.. أنا  ابن هذه الأرض، عشت فيها تقلبات الزمن،  في البادية ولدت من أبوين فقيرين، وعلى ضفة النهر كانت ايام الطفولة الأولى، وكما يلاحق أ البدو السحب لاحقنا نحن الأمطار  وشددنا الرحال مرات فأنخنا مطايانا وسط ولاية لبراكنة حيث المرعى والكلأ والعشب الكثير  وهنالك عشنا سنوات  مع مواشينا قبل أن تأتي أعوام الجفاف الماحق وييبس الزرع ويجف الضرع ثم تنفق المواشي بالكلية، يومئذ قررنا الهجرة إلى مدينتكم هذه، لجأ الوالد إلى بيع الأسماك وأمي الفقيرة عاشت على حبيبات الكسكس تبيعها للجيران ليلا وأمام محلات التقسيط.

ما إن استقر بنا المقام في مدينتكم حتى كانت العصابة تتسلق الحيطان ويسرق منا  منتوج عرق جبين الوالدين ، في مدينتكم عشنا الخوف بكل أصنافه ؛ شُهِر السلاح في وجوهنا جاءنا اللصوص ليلا وهددوا الوالد والأم والبنات فأخذوا كل ما خف حمله وارتفع ثمنه،  عشنا أنواع الرعب لسنوات عدة ومع ذلك ما كنا نتوقع أن أيام توجنين ولياليه الحالكة تخبئ لنا الأسوأ...!!

معالي الوزير .. مهلا ..

كنت أتوقع كل شيء إلا أن يكون محيطي العائلي في الحي الإداري بمقاطعة توجنين عنوانا لكبريات الصحف الصفراء، نحن مسرح الجريمة في نواكشوط  فهل أتاكم حديث خديجة ؟؟ تلك الفتاة التي اعترضها لصوص بينما كانت عائدة من الثانوية ثم اختطفوها و اغتصبوها وقتلوها وأحرقوا جثتها على طريق المقاومة تلك ابنة خالي وربما فكرت بالارتباط بها لكنه حلم تبدد وإلى الأبد.. ابن عمي سيدي عالي الرجل الذي شد وثاقه في وضح النهار وسط محله بسوق ولد الحسن وجرد من ثيابه وصادروا كل أمواله، أما عمي فهو احمد الرجل المسن المتدين قوام لليل صوام للهواجر وكعادته يخرج سحرا إلى المسجد القريب منا وفي أحدى الليالي كانت عصابة الحي قد حكمت عليه بالإعدام النافذ ووحدهم اللصوص ـ كما تعلم سيدي ـ يحكمون وينفذون حكم الإعدام في هذه الأرض حسب ما تقتضيه قوانينهم  المعمول بها ليلا.. طعنات من خنجر غادر كانت كافية لانتقاله إلى عالم أكثر رحمة من هذا العالم الغادر..

معالي الوزير..

وأنا أعيش في محيط عائلي لا يخلو من قتيل ومطعون ومغتصبة يعيش أفراده حالة من الرعب تستدعي منكم التدخل العاجل لإنقاذ بقية العائلة..

معالي الوزير..

أنقذونا أرجوكم أنقذونا وإذا لم تتدخلوا لإنقاذ ما تبقى من عائلتي فسامحوني وليسامحني الأهل سأغادر أرضكم هذه التي عشقت وحاولت أن أعيش فيها بأمان، أغادر ديارا تعلقت بها مع الخوف على روحي ومالي وعرضي،  أغادر بحثا عن "حبشة" جديدة و"نجاشي" لا يظلم عنده أحد، إلى بلاد لا تسمع فيها مطصلحات مخيفة "قتل" "اغتصاب" "نهب" فما عاد في أرضكم ما يغريني لقد فقدت أحبتي ولم تحركوا ساكنا فماذا أنتظر هنا وقديما حفظت من أحد الأسلاف الراحلين غدرا بيتا للشاعر الجاهلي الشنفري :

وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى        وفيها لمن خاف القِلى مُتعزَّلُ 

 

مواطن موريتاني محبط  

اقرأ أيضا