إلى أم ريان المكلومة / مختار بابتاح

أحد, 2022-02-06 12:58

صدقيني .. ماذا أكتب إليكِ بعد هذا الأرق الطويل المتواصل؟ .. وماذا سيسطر قلم ذي  وجه شاحب، وعيون شاخصة، دامعة، محمرة، أعياها السهر لياليَ خمسا طوالا شدادا، وعاش مع  ثُلة من رحماء العالم أياما طويلة زاحفة كما تزحف الجرّافات بحذر داخل الأتربة، عاش بين  الخوف والرجاء، بين الترقب والحذر، بين الدعاء بالنجاة لطفل حاول جاهدا أن يتمسك بالحياة صارخا مستغيثا في قعر الجُب وحاولتْ الإسعافات أن تنقذه فما أراد القدر ذلك..  فاعذريني سيدتي المكلومة على ركة التعبير وننافر كلمات هذه الرسالة القصيرة..

أكتب إليك وأنا الأب الذي لا يرى في الدنيا سعادة أكثر من التصابي واللعب مع فلذات الأكباد، ولكنه انشغل لياليه الخوالي عن صغاره بِعدِّ حصى الأرض عدا، يقلب طرفه ذات اليمين وذات الشمال بين شاشات العالم عساه يسمع خبرا سارا، مفاده أن لذلك النفق الطويل المدلَهِمِ  بصيصا يوصل إلى نفسات ريان البريئ..

ايتها الأم المكلومة .. أمسكي دموعك فما عاد ريان ذلك الطفل المنسي في سلسلة جبال صماء شمال المغرب، بل أضحى  ريان ولدي وولد جاري وولد العرب والأفارقة والمسلمين؛ بله ولد العالم الوحيد الذي حبست قارات الدنيا أنفاسها أياما في انتظار جثمانه..

أمَّ ريان.. كفكفي الدموع ارجوك .. فما أتحمل دموع الأم وكم تمنيت في سنوات عمري السالفة التمسك بالحياة حتى لا تسيل دموع والدتي الحبيبة رحمها الله، فكان لي ذلك الرجاء .. دموع الأم ـ سيدتي ـ تتجاوز سخونتها درجة الغليان فتحرق القلوب الأخرى حرقا.. فرفقا بنا معاشر الآباء رفقا بالرجال ورفقا بالقوارير وهن ينظرن إلى الشاشات توزع دموك الساكبة.. 

 أيتها الأم الصابرة الصامدة يا خنساء العصر لست وحدك، فهذا العالم بأطرافه يحزن على تلك العيون البريئة وهؤلاء المتبتِلون في محاربهم يدعون الله أن يرحم الولد ريان فلا تحزني على ما فات..

تجلدي أم ريان .. ارجوك.. تجلدي فإنك أصبحت أم كل الأطفال الذين يراقبونك وأنت تسيرين خطوات إلى فُوهة النفق في مشهد درامي حزين يعجز الكتاب الأدباء عن تسطيره. ..

أم ريان .. أبا ريان..  هل أتاكما حديث أطفال العرب والمسلمين تتوالى مكالماتهم على القنوات الدولية يصبِّرون ويدعون الله لاخيهم ريان.. وحدك ـ ام ريان ـ  كنت عنوانا ليقظة عالّم همجي متغطرس يقتل الأطفال بالصواريخ والأسلحة الفتاكة. . وحدك من أيقظ أمما وشعوبا كانت تغط في سبات عميق منذ قرون.. فايقظها صراخ طفل في قعر بئر ..

أم ريان .. حق لك اليوم أن تمسكي الدمع وتفتخري  ببلادك كلها (الملك والحكومة والحرس الملكي والشعب المغربي العظيم) وطن  وقف صفا واحدا من أجل إنقاذ طفلك البريء، في مشهد لم يتكرر سابقا في العالم العربي وقليل جدا في كل العالم، حق لك أن تشكري دولة أعلنت حالة استنفار كامل وسخرت كل الطاقات من أجل إنقاذ بريئ من غيابات الجب..

أم ريان.. و أبا ريان .. إن العيون لتدمع، وحق لها أن تدمع وإن القلوب لتحزن وحق لها ذلك، ولكن المصائب تصنع الرجال وتصنع النساء فلتتجلدوا ولتأخذوا معنا المناديل وتمسحوا بها تلك الدموع التي سيكون لها ما بعدها ليس في المغرب الحبيب وإنما في أمم عدة نائمة وبدأت تستيقظ منذ أيام قليلة..

أيها الأبوان .. لا تزال هذه الدنيا بخير، فيها رياضٌ خضرٌ، وبها شواطئ هادئة وطيور سائحة بيض، فيها ليال مقمرة، فيها ابتسامات عريضة.. فلتصبروا ولتثقوا أن للدنيا وجها آخر غير هذا الوجه المكفهر وسترون صدقوني..

عزائي لكما ولكل العائلة وللمغرب قمة وقاعدة ولكل أطفال  العالم الحزينين .. إنا لله وإنا إليه راجعون

اقرأ أيضا