طفولة رئيس موريتاني / بقلم مختار بابتاح

أحد, 2015-05-24 19:33

ما زلت أتذكر نفسي وأنا ذلك الطفل البدوي  البريء يرعى حملان الحي ويسكن في خيمة من الصوف سوداء من الأسفل، أما أعلاها فقد حولته شموس القحط الحارقة المتعاقبة إلى دكنة تقترب من الاحمرار يتراءى من ثقوبها قرص الشمس  فتضيء وقت الزوار ويكون ضوؤهإ على شكل خيوط فوق حصير من أعواد الثمام المطرزة، أما ليالي القمر فأسترق من ثقوب الخيمة نور القمر يتخيل إلي أنه يتصارع مع مزينات الخريف البيض، وكانت الأم تحدثني عن تلك السحب فتقول هي سحب تهرب من القمر ثم تسير إلى بحر النيل وتشرب منه حتى ترتوي ثم تعود إلينا فتتصبب مطرا على أديم الأرض فتخضر وتبتسم لجمال الحياة.

تا الله ما احلى حياة الطفولة أجمل بها من أيام لا يسأل الإنسان فيها  عن غير بضعة عشر من الحملان يرعاها يوميا ومسؤول عن رعيتها ونفض غصون الطلح الموجود على الربى الشرقية المحاذية للخيام حتى تتساقط الأوراق الخضر فتروح الحملان بطانا من الورق، ثم تتجافل من بين يدي بسرعة إلى الخيام، وأحيانا تعترض الحملان أمهاتها عندما تصيح وتستقبلها بتلهف شديد، وإن أنستني أيام الرئاسة وترفها حياة البادية وأيام الطفولة، فلن أنسى ذلك الخروف الأبيض صاحب الحدس العجيب الذي يشم رائحة الغنم شما، فيصيح وكأنه يقول "الغنم قادمة إليكم من هذه الشعاب بعد قليل"، وكنت أعلم من ثغائه مسافة الغنم فكلما اقتربت تصاعدت صيحاته.

هي أيام جميلة قضيتها هناك في ملاعب صباي، وتمر الأيام بسرعة عواصف الصيف العاتية وبروق الخريف الخاطفة، وأنا في ذلك الحي المنسي بعيدا عن الاستقبالات الرسمية، بله قليلون هم من يلتفتون إلى أسرتي الفقيرة وقليل من ذلك القليل من يداعبني في طفولتي ويتصابى معي وسينعكس ذلك علي سلبا في أيامي القادمة..

يومها لم أكن أعلم أن الأيام تخبئ لي أن أقود بلاد الملثمين من شرقها إلى غربها، لم أكن أعلم وأنا أداعب خروفي الأبيض وتضربني أمي وتؤدبني على محاولات للنشل من الجيران، أن كنوز بلادبأكملها ستفتح علي، وخزائن أمة وثرواتها ستتحول لاحقا في كفي أقلبها بيدي، أعطي لهذا ما أشاء وأمسك عن آخر ما أشاء، وسأتحول من ذلك الطفل المعزول في حملانه إلى رجل تنحني له لعظماء والوجهاء، ويكتب عنه الشعراء ما لم يكتب عن عُمري الإسلام، ولا عن مانديلا جنوب افريقيا، ولكنّ ماكينة الأيام كانت تدور وتدور لتحولني لاحقا إلى إنسان آخر ينسى جل تلك الحياة الطفولية..

يومئذ كنت رئيسا لمجموعة الخراف فقط، أنا الرئيس وهي مجموعة الوزراء تأتمر بأمري ومن أطاعني داعبته ومن عصاني ضربته بعصاي، هي رئاسة بدأت برعي الحملان فكيف وصلت إلى رئاسة عظماء البشر؟

 

اقرأ أيضا