جزيرة غوري.. رحلة عبر التاريخ إلى أكبر سوق للعبيد في العالم

ثلاثاء, 2016-04-05 02:01

الشروق ميديا : غوري ـ في رحلة عبر الزمن الإفريقي، وعبر تاريخ العبيد وأصفادهم، وعبر أيام الأسياد البيض واستعلائهم، خضنا بحر الظلمات اللجٍّي في إحدى فُلكه الجارية بما تشتهيه أنفسنا من استكشافات لعجائبه اللامتناهية، صارعنا موجه العاتي، ارتغينا من زبده الأجاج مرات.

 سار بنا هذا المركب ذات اليمين وذات الشمال في وقت كانت شمس الأصيل الذهبية تطفو على الموج الأزرق، لوحة قد لا يكون قد تمتع بها الجدود الأفارقة وهم يودعون دور السنغال، استدبرنا ديار داكار كما استدبروها، و سلكنا الطريق حيث سلكوها وإن بدت الفروق بيننا وبين عبيد افريقيا تتسع أكثر مما يتسع هذا البحر فنحن سياح مستكشفون وهم عبيد مباعون، نحن قوم نتمتع بنفحات تاريخ جدود سابقين، وأولئك قوم يكتبون بأغلالهم وجروحهم لا تأبى الاندمال تاريخا من الظلم والاضطهاد سيقرأه أحفادهم اللاحقون.. هيا بنا إلى هنالك حيث جزيرة "غوري"..

 

 

 

 

 

وإذ بدا التاريخ شاحب الوجه..

هنالك على مد البصر وفي تلك الجزيرة المعزولة يقف التاريخ عابس الوجه، يفيض ما تبقى من دموعه، حزينا على أيام من التنكيل بالعبيد الأفارقة، وصلنا الجزيرة.. نعم وصلناها  صدقونا..

 وصلنا بيوت العبيد، وما تحمله من قصص محزنة.. هذه آثار عبد مريض يجلس في هذا الركن لا يجد من يلتفت إليه وأسياده يقررن رميه في الموج، وتلك آثار سيدة افريقية ماتت فألقيت في البحر وابتلعها إلى يوم الدين، وهذا بيت مخصص للأطفال المهيئين للعبودية وهم لما يبلغوا سن المراهقة..

وهنالك في الجانب الآخر بيت من الطين لنسوة صودر شبابهن إلى الأبد فهن ينتظرن الآن على ضفة الأطلسي الأخرى ثمنا بخسا يباعون به متى اتفق المشتري والسيد الأبيضان دون علمهن، وعلى بعد أمتار قليلة "بيت النهاية" هكذا سماه السنغاليون وهكذا حدثنا المرشد السياحي.

ولبيت النهاية قصة أخرى منه يركب العبيد السود في البواخر دون رحمة رحيم، في باخرة الجحيم تسير بهم عبر أمواج الأطلسي من مرض منهم يرمى في البحر غير مأسوف عليه، إذا زاد وزن السفينة تفرغ بمجموعة من العبيد السود (المشكوك في إنسانيتهم عند الأسياد البيض) إذا حاول أحدهم التمرد ـ ولن يفعل ـ داخل البحر ولو بشطر كلمة فمصيره الصراع مع أقراش البحر.

في بيت النهاية تلك الفُرجة الأخيرة المطلة على ذلك القاع الذي يعتبر أكثر رحمة من أسلاف الأوربيين المجرمين الرافضين للاعتذار عن تلك الحقبة السوداء.

حدثنا أحد السنغاليين عن تلك الجزيرة وهو يقف على شفا الهاوية الأخيرة لبيت النهاية حائرا:

 لا أدري ماذا أقول وأنا أتتبع آثار جدودي السالفين، لا أدري هل أحزن على قوم قضى معظمهم نحبه في البحر ذنبهم الوحيد أن الله خلقهم بسحنة سوداء، فمن أين أبدأ لك الحديث .. هل أتحدث عن ظلم الأوربيين لهذه القارة وهو كثير لا يستطيع المؤرخون توثيقه.. أم أتحدث عن صراع الأفارقة من أجل الوجود وإثبات الذات.. ومع ذلك أحمد الله أننا نلنا استقلالنا الكامل، وجزيرة "غوري" اليوم ملك يميننا معشر السنغاليين بعد أن كانت في العصور الغابرة محطة نهاية الإنسان...

ثم ودعنا "غوري"..

 .. أيتها الجزيرة الحلزونية أودعك في هذا الأصيل ودموعي تسيل حزنا على سكانك السابقين.. أودعك وأنت الشاهدة على بحر من دموع الأرامل والأيتام سال بين جدران بيوتك.. ولكن قبل ذلك حدثيني كم مر بك من العبيد المصفدين في سلاسلهم؟ .. حدثيني كيف كنت تسامرين معهم ليلهم الطويل كليل امرئ القيس.. لا كليل الفنانة فيروز الساكن ..

حدثيني كم فتاة في عمر الزهور عاشت في هذا البيت الضيق المظلم لا تعرف من أين أتت ولا إلى أين تذهب، لكنها بالتأكيد كانت تنتظر أياما نحسات وليال حالكة.. حدثيني أرجوك .. كم من الأجداث منسي في صخورك.. أيتها الجزيرة أسائل بيوتك الضيقة ـ إذ لا يجيبون بشطر كلمة ـ كيف صمدوا والصراخ لا يتوقف عنهم مدى ثلاثة قرون من الزمن..

أيتها الجزيرة .. أودعك وأحمل منك رسائل إلى بلادي .. لن أفتحها إلا إذا رجعت..

مختار بابتاح/ جزيرة غوري ـ السنغال

اقرأ أيضا