من سيقمع مسيرة الحكومة؟!

جمعة, 2016-12-09 11:23

يبدو الخبر المنشور اليوم كالنكتة الطريفة: مسيرة حكومية ضد الفساد والرشوة!
في الحقيقة، لا تكمن الطرافة أو الهزل في أن يتظاهر المرء ضد نفسه ويحتج عليها.
أنا مثلا توقعت أن تكون مسيرة الحكومة قصيرة جدا... بل لا تتحرك من محيط نقطة الانطلاق، التي يعرف القاصي والداني أنها القصر الرئاسي حيث تعين الحكومة وتجتمع كل أسبوع لتلقي "التعليمات"، والفساد والرشوة يتعلقان بها، وإلا فلا معنى لهما أصلا!
ولأن رئيس وأعضاء الحكومة، ومن يأمرهم، يعرفون المثل الشعبي: "يصرگ امع الصراﮔـه ويقص مع الـﮔصاصة"، فقد توقعت أيضا أن يعقدوا مؤتمرا صحفيا يعلنون فيه أن الفساد موجود وله النصيب الأوفر من النمو السنوي. والرشوة موجودة، ولكن كثيرا منها لم يعد ينفع من يلجأون إليه بسبب التضخم وانخفاض قيمة الأوقية...!
**
ورغم أنني لا أعرف هل سيحصل أعضاء الحكومة المحترمون على "ترخيص" لمسيرتهم، فإنني لا أتوقع أن تواجهها الشرطة بقمع واعتقالات مثل ما تواجه بها عادة مسيرات واحتجاجات المواطنين ضد انتشار الرشوة والفساد في نظام الدولة!
ولعل الإشكال الأكبر الذي ستطرحه هذه المسيرة الاحتجاجية السلمية للسادة الوزراء، هو ذلك الذي يواجهه الآن قادة "حزيبات" الموالاة وبقية المتملقين وأصحاب "المقاومة الوطنية من أجل المأمورية الثالثة"... وقد انفطر تفكيرهم وسُقط في أيديهم، وهم يرون "الواجب" يدعوهم إلى المشاركة في مسيرة ضد الفساد والرشوة، بينما الولاءُ والتملق يكفُّهم عن أعمال معهودة للمعارضة؛ وهم إنما يحسنون الرقص في مسيرات التأييد والمساندة...
**
والآن على المعارضة أن تلقي عصا المسيرات والاحتجاجات، وتهتم بتنمية الفساد وإشاعة الرشوة، وتشجيع صفقات التراضي وبيع الممتلكات العمومية ورفع الأسعار، وقبض فوارق انخفاض أسعار المستوردات... الخ، وإذا استطاعت الحصول على بعض قنابل مسيلات الدموع لإلقائها على مسيرة الوزراء... فسيكون ذلك حسنا، لأنه من كمال تبادل الأدوار؛ وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب!!
يقال ـ والله أعلم ـ إن هذه المسيرة هي "عقاب" لبعض الوزراء وتقريع لبعضهم ونكاية به... من فخامة الرئيس الذي سيتفرج على وزرائه ويسخر منهم وهم يؤدون أدوار زعماء المعارضة التي طالما تعوذوا من حالها وسفهوا مسيراتها.
ويسمى هذا النوع من التأديب "بالتعذيب الإيجابي"، لأنه في نفس الوقت يخدم الدعاية لفلسفة النظام المعروفة بمحاربة الفساد، ويرد على القائلين بإفلاسها ردا بديعا لا سابق له!!
والله أعلم.

من صفحة

محمد محفوظ أحمد

اقرأ أيضا