الغرب لن يذرف نصف دمعة إذا وقعت الحرب في الصحراء

خميس, 2017-01-05 13:21

تعيش منطقة المغرب العربي حالة من التوتر منذ الصيف الماضي على خلفية نزاع الصحراء ولعبة المحاور الجديدة بين المغرب والجزائر وموريتانيا، وبدأ إيقاع التوتر يرتفع تدريجيا إلى مستويات مقلقة لشعوب المنطقة، أما باقي الدول ومنها الغربية، فلن تذرف نصف دمعة واحدة، إذا نشبت الحرب في المنطقة.
وتختلف منطقة المغرب العربي عن الشرق الأوسط، بحكم أنها لا تشهد صراعات طائفية دينيا، ولا مواجهات عرقيا، فهناك نضال سلمي للأمازيغ للحصول على حقوقهم. وهو نضال لن يتطور الى ما يهدد استقرار المنطقة، بحكم تفهم السلطات الحاكمة للمطالب وتسعى لتلبية جزء منها تدريجيا، رغم حدوث تشنجات في بعض الأحيان. ولكن هذا لا يمنع من تراكم المشاكل في هذه المنطقة، فهي تعيش حربا باردة منذ عقود من الزمن بين المغرب والجزائر، ويخوض البلدان سباقا ليس نحو التنمية، بل سباق تسلح. وكانت موريتانيا تعمل من أجل نوع من الاستقلالية عن البلدين، ولكنها مؤخرا تجد نفسها وسط هذه الحرب الباردة نتيجة توتر علاقاتها مع المغرب. ومن أبرز عناوين هذا التوتر، قرار نواكشوط تقليص العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، فهي لم تعين سفيرا لها في الرباط منذ سنة 2011. كما تعمل على تقليص الاستثمارات والتبادل التجاري مع المغرب مراهنة على إسبانيا ومؤخرا على الجزائر، حيث جرى التوقيع بين البلدين على فتح معبر بري سيكون الأول من نوعه منذ استقلالهما. ويبقى نزاع السيادة حول الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو، المدعومة بقوة من طرف الجزائر، هو المحرك لهذا التوتر وهو الذي يرسم المحاور في المغرب العربي ، حيث تورطت في بعض الأحيان دولتي تونس وليبيا. ويوجد النزاع بين أيدي الأمم المتحدة ويتراوح بين مقترح المغرب بالحكم الذاتي، وبين استفتاء تقرير المصير الذي تؤكد عليه البوليساريو. ولم يعد هذا النزاع مقتصرا على الأمم المتحدة، بل ينتقل وبقوة إلى الهيئات الدولية الإقليمية. وتابعنا مؤخرا كيف تحول الاتحاد الأوروبي إلى ساحة للمواجهة بين المغرب وجبهة البوليساريو، ومن مظاهره الدعاوى لدى المحكمة الأوروبية حول الاتفاقيات التي يوقعها المغرب والاتحاد الأوروبي، ويعتقد أنها تشمل منطقة الصحراء. وقد أصدر القضاء الأوروبي منذ أسبوعين حكما في طعن تقدمت به البوليساريو ضد المغرب حول اتفاقية التبادل الزراعي والمنتوجات البحرية.
في الوقت ذاته، تابعنا ما جرى في القمة الأفريقية – العربية في مالابو الشهر الماضي، فقد انسحب المغرب مؤازرا بمجموعة من الدول العربية، وأغلبها أنظمة ملكية، من القمة احتجاجا على حضور علم ولافتة تحمل اسم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التي أعلنتها الجبهة. والمنطقة مقبلة على حرب دبلوماسية حقيقية، بعد قرار المغرب الانضمام الى الاتحاد الأفريقي، وقرار الجزائر وجبهة البوليساريو منع هذه العودة، وتبني موريتانيا موقفا غير واضح وقد يميل الى وضع شروط بعدما تغذت الأزمة بين الرباط ونواكشوط بتصريحات زعيم الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط، منذ عشرة أيام بأن موريتانيا تاريخيا كانت أراضي مغربية، ورد الفعل العنيف للطبقة السياسية الموريتانية على هذه التصريحات، مطالبة باعتذار مغربي، وهو ما حصل. ووسط كل هذه التطورات، توجد قوات المغرب والبوليساريو على بعد مئة متر، في منطقة الكركرات الفاصلة بين موريتانيا والمغرب، كما يوجد تمركز للقوات العسكرية والجزائرية في الحدود المشتركة. وكان الكثير من الخبراء يستبعدون وقوع حرب أو مناوشات حربية بين المغرب وجبهة البوليساريو قد تجر المنطقة الى حرب حقيقية، ويدعون أن الغرب لن يسمح بوقوع حرب.
لكن هذا الاحتمال بدأ يتلاشى بحكم عاملين الأول، وهو عندما تتواجد قوات معادية لبعضها بعضا على مسافات قصيرة قد تقع مناوشات تجر إلى الحرب، والمسافة بين قوات المغرب والبوليساريو هي مئة متر فقط، وبينهما قوات الأمم المتحدة. ويتجلى العامل الثاني في أن الحرب ليست غريبة عن المنطقة وحول الملف، فقد شهدت حربا بين الطرفين ما بين سنتي 1975 إلى 1991 خلفت آلاف القتلى والأسرى، وجرت في بعض الأحيان الى مواجهات مغربية – جزائرية كما جرى سنة 1976. وفي الوقت ذاته، خلال دردشة مع بعض المسؤولين الأوروبيين خلال شهر أبريل الماضي، حول احتمال حرب في المغرب العربي – الأمازيغي وبالضبط في منطقة الصحراء، كان جوابه، ونشرناه وقتها على صفحات هذه الجريدة (أبريل 2016) أن «اندلاع الحرب سوف لن يكون بالأمر الجديد، فقد اندلعت الحرب ما بين 1975 إلى 1991، وإذا وقعت الآن ستفاقم من غياب الاستقرار في العالم العربي، خاصة في شمال أفريقيا، حيث ستصبح المنطقة الممتدة ما بين المحيط الى الخليج كلها بؤر توتر واستقطاب إثني وسياسي وإقليمي». وكان يتساءل: هل المنطقة تعتبر مصدر مهما للطاقة الى الاتحاد الأوروبي بطبيعة الحال لا (باستثناء أنبوب الغاز الجزائري الذي لن يتأثر بالحرب). ويبرز «ولن يترتب عن استئناف الحرب موجات لاجئين نحو أوروبا، لأن اللاجئين يقلقون الغرب في ظل ارتفاعهم، بسبب ملفات سوريا واليمن والعراق وليبيا. وفي حالة حدوث موجات نزوح بسبب الصحراء، فستكون ضعيفة للغاية لأن الأمر سيتعلق بمغادرة الصحراويين الرحل الذين لن يتجاوز عددهم الألفين، مناطق المواجهات نحو مناطق آمنة نحو العمق المغربي أو الموريتاني أو الجزائر». وستبقى إسبانيا هي الدولة الغربية الوحيدة التي قد تتضرر نسبيا من اندلاع الحرب بسبب التأثيرات المحتملة، ولكنها ضعيفة على جزر الكناري القريبة قبالة الشاطئ الأطلسي للصحراء فيما يتعلق بالسياحة.
وعسكريا، ستكون هذه الحرب في حالة اندلاعها استهلاكا للذخيرة الحية، وكأنها مناورات مع سقوط بعض القتلى واحتمال وقوع أسرى، بينما يبقى تقدم عسكري لطرف نحو منطقة الآخر أمرا مستحيلا. ولا تتوفر البوليساريو على القوة النارية الكافية لإحداث ثغرات في صفوف الدفاع المغربية، وسيتجنب المغرب ملاحقة قوات البوليساريو جوا، إذا عادت الى مخيمات تندوف تفاديا لمواجهة مع الجزائر.
وهكذا، سترتفع مديونية الدول المتورطة على حساب التنمية وسيزداد التوتر والحقد بين شعوب المنطقة، ويبقى الأساسي أن «الغرب لن يذرف نصف دمعة على الاستقرار في المغرب العربي » بل سيدرك أن الحرب ستجعل دول المغربي العربي تدق أبوابه لكسب وده.

حسين المجذوبي

اقرأ أيضا