رواية (أعشقُني) للكاتبة الأردنية سناء الشعلان (الفصل الثاني)

اثنين, 2017-03-13 14:51

الفصل الثاني

 (البُعد الثاني: الزّمن؛ ثمّة مفاهيم جديدة ونظريات          

   نسبيّة أخرى للزّمن عندما يتعلّق الأمر باحتلال جسدها، 

 وأنا محتلٌّ آثمٌ)

السّاعة الآن هي الخامسة إلاّ ثلثاً، لا هي الخامسة  إلاّ ربعاً، بالتّحديد هي الخامسة إلاّ سبع عشرة دقيقة، يجب أن أكون دقيقاً، فلا مجال للخطأ في عالمنا العصريّ القائم على الدّقة والنّظام و على أعلى درجات التّنسيق والحساب والضّبط، ثانية واحدة خارج الحساب الصّحيح كفيلة بإحداث حوادث وكوارث مدمّرة، وكفيلة كذلك بإفلاس شركات عملاقة عابرة للقارات والكواكب والمجرّات في صفقة خاسرة واحدة، هكذا تعلّمنا في مدارسنا وفي جامعاتنا، وهكذا علّمنا معلّمونا الرّجال الآليون الذين حوّلوا العالم إلى دارة كهربائيّة لا تعرف التّوقف عن العمل مادامت مغلقة، وهكذا تعلّمت أنا في عملي الخطير الحسّاس، فخطأ واحد في الحساب كفيل بتفجير مركبتي الفضائيّة أو بإخراجها عن مدارها المغناطيسيّ واللاسلكيّ لتضيع إلى الأبد في الفضاء الخارجيّ دون ُمنقذ. هذه فكرة تصافحه على عجل، ثم تصكّه، وتختفي، وتورثه الخواء واللاذاكرة.

السّاعة الآن قد أصبحت الخامسة إلاّ عشر دقائق، قُُرص السّاعة الدّائريّ الإلكترونيّ هو أوّل ما يصافح غباش عينيه، الصّورة تبهت وتوضح بين الفينة والأخرى، يتساءل في نفسه بمزاج كدر وعزيمة مقطوعة وكأنّه ركض دون توقّف مسافة ألف ميل في جبل شاهق زلق: يا ترى هل هي السّاعة الخامسة صباحاً أم مساء؟ يحاول أن يحرّك رأسه ليتحرّى الأمر، لكنّه يعجز عن ذلك، يدرك أنّ رأسه مثبّت بطريقة ما، ويقدّر أنّ من العبث أن يحاول تحريكه، يتساءل بغباء مداهم: من أنا؟ أين أنا؟ ما الذي يحدث معي؟

يغمض عينيه، ويسدر من جديد في صمتٍ وعماءٍ محيطٍ، مئات الصّور والذّكريات والألوان والرّوائح تجتاح لحظته، يحاول من جديد أن يفتح عينيه، يخفق في ذلك، ويتعالى في أذنيه صخب آلات كثيرة تهدر وتصفر وتتكتك وتتجشّأ وتتنفّس وتصكّ وتزفر، يدرك بذاكرة مضطربة أنّها أصوات الآلات الطّبيّة المشغّلة والسّابرة لأعضائه الحيويّة ولوظائفها الحسّاسة.يقول بتمتمة متلعثمة: آه... المستشفى، العمليّة، السّاعة الخامسة، لكن أين أنا؟آه آه آه.

من جديد يلفحه الصّمت، ويتعالى في الغرفة أزيز جرس متعالٍ، يتبعه آخر بضجة خرافيّة تفزع عوالمه الكامنة في صمت رخو لا صفة له غير السّرمديّة والمستحيل، يشعر بل لا يشعر بأنّ جسده ينتفض، والكثير من وظائف جسده تختـلّ باضطراب خطير، يحـاول أن يفتح عينيه، فتخذلانه،ويكتفي بسراب ظلال ينحدر في ظلام عينيه ناقلاً إليه فوضى حركة مضطربة للنّاس من حوله، ونقيق نقاشات وجدل واضطراب، بصعوبة يقول برطانة لا يفهمها إلاّ هو: من أنا؟ ثم يغرق في الصّمت العاجز.

* * * *

هوّة سحيقة بلا لون أو أبعاد، ومفرغة من الزّمن، تطغى عليها رائحة أدوية طبيّة مجهولة، وفيها أزيز رتيب متقطّع، يقرع سكونه بوخزٍ مستمرّ، ووجود لزج زلق، بلا حركة أو فعل أو أعضاء أو ذاكرة أو زمن أو شعور، هو ما يشعر به الآن وهو ينزلق خارجه بمخاضٍ دبقٍ مفرغٍ من شعورٍ خلا ألم رهيب مداهم، وصداع عملاق وشلل صفيق تتبعه آهات طويلة متقضّبة بتقلّصات عملاقة في جسده، ضوء عميق ومستفزّ يسقط دفعة واحدة في عينيه، يفتح عين واحدة بخوف وكسل، السّاعة الإلكترونيّة الدّائريّة أوّل ما يرى، من جديد السّاعة هي الخامسة إلاّ سبع عشرة دقيقة، يبتسم  ابتسامة دائريّة عريضة ممطوطة حتى الأذنين، ومشمّرة عن أرنبة الأنف بحركة إراديّة غير مقصودة كابتسامة مهرج أفوه،ثم يسأل: هل هي السّاعة الخامسة صباحاً أم مساء؟

لا إجابة تتندّى من السّكون، يفتح عينه الثّانيـة بإصرار على فتحها، تظهـر السّاعـة بجـلاء، يحدّق في السّقـف الأجرد، دون أن يحاول أن يحـرّك رقبته، يسود صمت ألِفَ صوت الآلات الطبّية، يشعر بجهد يبلل أطرافه وجبينه ورقبته بعرق منساب، يغلق عينيه، ثم يفتحهما دفعة واحدة ليغيب السّقف، وتظلّه غمامة من الرّؤوس المتدافعة والوجوه البشريّة المبتسمة، وأخرى آليّة لا تعرف الابتسام، تداهمه أصوات آليّة بجمل محدّدة وواضحة، يحاول أن يشيح برأسه نحو بقعة ضوء، لكنّه يفشل، تأمره واحدة من الممرضات بحنان آليّ بعدم الحركة حفاظاً على صحته، ينصاع دون مبالاة لأوامرها، يربت على كتفه أقرب الموجودين من سريره وأعمقهم ابتسامة غارقة في فرح غامر ملغز، ويقول لك: حمداً على سلامتك، لقد نجوتَ، لقد نجحنا.

يغرق الجميع في صخب وتصفيق حار، تنهال عليه كلمات المباركة والتّشجيع، أمّا هو فيبحث دون جدوى عن فسحة بين الأجساد المتراصّة ليرى السّاعة من جديد.

أصبح من السّهل  عليه أن يستيقظ، وأن يفتح عينيه دفعة واحدة، وأدرك بعد عدّة محاولات لقراءة السّاعة أنّها متوقّفة  لا تعمل، ثـم سريعـاً ما استغرق في الكثيـر من الأسئلة المكرورة التي يلفظها بلعثمة تخنق معانيها، فتحوّلها إلى تهويمات صوتيّة، لا يفهمها من حوله، فيثور، ويغضب، وينفعل، ويشرع محاولاً بحركات التوائيّة مهزومـة أن يتحـرّك في فراشـه، فيخفـق في ذلك، وتشرع الأجراس  التّحذيريّة للآلات والمجسّات والسّوابر والرّواصد الإلكترونيّة تطلق نفيرها المؤشّر إلى اضطراب وخلل خطيرين، فيتدافع المزيد من الأطبّاء والممرضات إلى الغرفة منهين هذه المعركة غير المتكافئة والصّغيرة بحقنة مهدّئة تعيده إلى عالمه الدّبق المظلم الدّافئ المعرورق.

رغم أنّفه، ونزولاً عند رغبته الجامحة في الحصول على الإجابات، وهجر عالمه الدّبق فقد روّض نفسه على الصّبر والانصياع لكلّ أمر طبيّ يوجّه إليه مبطّناً بصيغة طلب لطيفة، ولكن حازمة، وغدا بصعوبة وبمساعدة ممرضين وممرضة ملازمة له  قادراً على أن يلفظ بحشرجة مزكومة يتناوب عليها الصّمت والبحّة والحبسة أسئلته الملحّة والمكرورة:

من أنا؟
ماذا أفعل هنا؟
كم السّاعة الآن؟
لماذا لا أستطيع أن أتحرّك؟
أنا جائع.
أنا عطشان

كانت الإجابات مضطربة ومتجاهلة لفضوله الآسر، وتأمره بالرّاحـة وعـدم الحركـة فـي البدايـة، ولكنّهـا سرعـان مـا تحـوّلـت إلى إجابات مقتضبة يتناولها بشرهٍ من طبيبه ذي الأصابع الباردة، وكثيراً ما كان يكرّر الإجابات بفرح طفوليّ، وبوتيرة آليّة توحي لمن يسمعها بأنّها قد علقت في فيهِ إلى الأبد.

أنا باسل المُهريّ.
أنا مريض.
 السّاعة الآن هي الواحدة.
نحن الآن في يوم الأربعاء.
نحن في عام 3010 ميلادي.
أنا سأتحرّك في القريب.

يجب أن آخذ الدّواء.

* * * *

لم يعد في حاجة إلى تكرار الإجابات، فقد باتت بدهيّات في وعيه الذي بدأ يستيقظ من ضياع ونسيان محدق على دفعات مفرحة للجميع ، وبات يدرك الإجابات الحاضرة وبعض الغائب منها، وما عاد في حاجة إلى أن يخبره أحدٌ بأنّه باسل المُهريّ، فهو يعرف ذلك تماماً، ويراقص في أحلامه وفي صحوة ذكرياته كلّها الجميلة والبشعة والمحايدة وعديمة الملامح، ويدرك كذلك أنّه دخل التّاريخ من أوسع أبوابه، ويعلم أنّ ضجعته هذه هي خطوة عملاقة للبشريّة جمعاء، ويشبّه نفسه - بغرور يتقنه،وهو من صميم طبعه- برائد الفضاء المشهور نيل آرمسترونج الرّجل الأوّل الذي وطأ سطح القمر قبل أكثر من ألف وخمسمائة عام، ويتثاءب بلا مبالاة مصطنعة،وهو يتخيّل مقدار فخره بعمليته النّادرة التي أشرعت الطّب البشريّ على أبواب جديدة واحتمالات عملاقة وأسئلة إنسانيّة معقّدة وخطيرة، ويحتويه حبور حار وهو يمنّي النّفس بشهرة عملاقة قد تصل به إلى سدّة أحلامه التي لا تعرف حدوداً، ويتمنّى أن تتحسّن صحته إلى الحدّ الذي يمكّنه من القيام ولو بحركة واحدة في جسده، ليستطيع أن يُلّم بكلّ تفاصيل الفوضى والإعلام الذي أصبح بطله في الآونة الأخيرة كما يؤكّد له الأطبّاء والممرضون والمساعدات وفنيو الآلات الطّبية والقائمون على خدمته وتغذيته وآخرون لا يعرف لِمَ هم موجودون في غرفته ومتمترسون بلا كلل أو ملل خلـف الحواجـز الزّجاجيّـة يراقبونـه ليـل نهـار، ويعـدّون عليه أنفاسه كلّها، فيتمنّى من كلّ قلبه أن لا يكون جسده - الذي لا يستطيع أن يراه - عارياً مشرعاً على فضول كلّ ناظر إليه.

* * * *               

ستة أشهر أمضاها سادراً في عالمه الدّبق الرّتيب، وشهر أمضاه في صحوة مباغتة مثقلة بسيل جارف من الأسئلة والإجابات والاكتشافات والأدوية والفحوصات والتّمرينات والعلاجات والتّوصيفات والأوامر، لكنّه الآن فقط أدرك معنى الغياب  في المجهول لمدة ستة أشهر، إذ هذه فترة زمنيّة تكفي لتغيّر أحوال المجرة ولاختراع قنبلة هيدروجينيّة جديدة وأكثر تطوّراً من سابقاتها، وكافية للانتهاء من حرب كونيّة سابعة جديدة، ولإعادة تدمير الأرض من جديد، ولإعادة إعمارها مرة أخرى،هذه الفترة كافية  كذلك لزيارة أبعد كواكب المجرّة في جولات سياحيّة لمئات المرات، وكفيلة بإحداث نقلات خرافيّة في التّقنيّة والاتّصالات، وهذا ما باتَ يدركه عندما يرى كثيراً من وسائل الاتّصال التي يتواصل عبرها الأطبّاء والممرضون، وهو لم يكن يعرفها من قبل مرضه، أو سبق أن رآها، وهو المتابع لأحدث صرعات التّكنولوجيا وثورات الاتصالات بحكم فضوله الشّخصيّ، ومقتضيات عمله العسكريّ.

أوّل حركة ليديه سرحت دون وعي منه إلى قضيبه المجيد؛ فقد اعتاد  في الماضي على أن يداعبه في كلّ ليله مستغلاً عراءه في سريره الدّافئ لاسيما إن كانت زوجته غائبة في مناوباتها اللّيليّة الكثيرة في عملها في المعهد الاستراتيجيّ للأوبئة الكونيّة والكوارث الطّبيعيّة، لا يعرف لماذا تسعده هذه المداعبة التي ألفها منذ أن كان صغيراً، قرأ مرة في الماضي أنّ هذا العضو كان فعالاً في آليّات تواصل جسديّة كانت سائدة لقرون وحقب طويلة في الماضي بين الرجل والمرأة، لكنّ التقّدم الحضاريّ عمل على انقراض هذا التّواصل الذي لا يعرف بالضّبط كيفية تفاصيله أو آليّة عمله، بعدما استحدثت مراكز التّنميّة الأخلاقيّة الإلكترونيّة وسائل تواصل جسديّة إلكترونيّة، وأدوات تناكح مخبريّة لا تعرف التّواصل الجسديّ المحض، وتكفل توفير الأجنّة عبر بنوك الأجنّة المخلّقة وفق قوائم محدّدة ومتنوّعة من الأسعار والمواصفات، ثم تضمن تنمية تلك الأجنّة في حاضنات آلية رسميّة ومراقبة حكوميّاً إلى حين خروج الأطفال من شرانقهم الهلاميّة بعد الحصول على أذونات الزّوجيّة وأذونات شراء أجنّة وأذونات الحضانة وأذونات صلاحية الحضانة وأذونات إثبات النّسب وإذونات الحصول على مربّيات آليات، وحجز أماكن لتربية الأطفال، وتوزيعهم  منذ الصّغـر على مدارس تتناسب مـع وظائفهم التي تنتظرهم وفـق صفاتهم الجينيّة المخلّقين عليها بناء على رغبة الآباء والأمهات وقدراتهم الشّرائيّة.

وفق ما قرأه في بعض المصادر القديمة شبه الممنوعة فقد كان من المفترض أن يكون هذا العضو أكبر حجماً وأكثر صلابة، ولكنّه لسبب يجهله جنح إلى الانكماش والاسترسال المرن المتجعّد، ولكنّه على الرّغم من ذلك لا يزال يجد متعة سريّة في نفسه في مداعبته في العماء، ولذلك ما كادتْ يداه تتحرّران من أسرهما الطّويل ومن عيّهما المؤلم ومن شللهما الطّارئ حتى انسرحتا في رحلة سـريعـة لذيـذة نحـو عضـوه لمداعبتـه، لكنّ مفاجـأة رهيبـة كـانـت في انتظاره، لقد اختفى العضو، تحسّس مكانه برعب وتوتّر، فتأكّد من فقدانه مخلفاً وراءه تجويفاً ناعماً غريباً له أطراف وأشفار تذكّره بالشّكل المنفّر للجزء السّفلي من جسد زوجته الذي اقترن بذهنه بالتبوّل والتّغوّط ورائحة التّعرّق الكريهة.

بصعوبة قفز من سريره مستعرضاً عريه الغريب على ذاكرته، لم يعرف نفسه، وتذكّر دفعة واحدة وبمرارة طاغية كلّ ما حدث معه، كيف نسي تماماً قصة الجسد الأنثويّ، أنّى له أن ينسى ابتسامتها القرمزيّة الحارة المتحديّة للموت والعدم؟! الآن فهم معنى ابتسامتها، لقد هزمته وهزمتْ دولته كاملة، وبقيتْ على قيد الحياة على الرّغم مـن أنوف الجميـع، فهـي لم تُخلـق للعـدم، شعر بسخط على القدَر الذي تحالف بخسّة مع تلك المرأة الصّغيرة المتحدّية، وامتلأت نفسه دفعة واحدة بجحود لفضل القوة الجبّارة المجهولة التي أنقذته، وما عاد معنياً بأيّ قوة محبّة له في السّماء أو في الأرض، فكلّ المشاعر الجّميلة والانتصارات الماجدة عاجزة عن أن تعوّضه في هذه اللّحظة عن عضوه الجّميل،أوعن جسده المديد الغضّ كأطواق اللّدائن المعالجة بالحرارة والهيدروجين.

استعرض جسده بنظرات فضوليّة مستنكرة، لم يأبه بانتصابه عارياً أمام عيون عشرات من الأطبّاء الحاضرين والممرضات وشاشات المراقبة والرّصد والتّصوير، ولا أبِه باكتشافه باللّمس العميق لأعضائه، ولا خجل من تحسّسه بدهشـة مفجوعة لفجـوات جسده وانحناءاته ونتوءاته وبروزاته؛فهو يعرض جسداً ليس جسده، ويزدري أعضاء ليست أعضاءه، ويعرّي ذاتاً لا تنطوي على ذاته بأيّ شكل من الأشكال.

هذا الجسد الأنثويّ اللّعين يتذكّره تماماً، وهذه النّدوب المحفورة فيه تعيده إلى تفاصيل موت صاحبته، وهو حتى هذه اللّحظة غير مهتم بمعرفة اسمها الكريه، ويعجز عن أن يمسّد على جسده بحنو وألفة، فهو لا يعرفه، هو حبيس ذليل داخل هذا الجسد، الذي لا يحمل أيّ شيء من ذاكرته، ويتقزّز من آثار حروقه وندوبه، ولا يعجبـه ضمـوره ونحولـه ولا سمرتـه الذّهبيّة الفاتحة، ثم ما هذا التكوّر العملاق في منطقة البطن؟تبّاً ماذا يعني هذا التضخّم المفاجئ في البطن؟ لم يكن هناك تضخمٌ مشابه في جسدها الملعون ليلة كانت مسجّاة إلى جانبه! لا بدّ من أنّ هذا التغيير هو مرض نادر أُصيب به، أو سرطان خبيث يتحصّن خلف خلاياه المعلولة وأليافه المريضة في جوف جسدها أو جسده، أيّ جسدهما.

شرع يضرب بطنه بجُمع قبضتيه على أمل أن يحرّك بروزه البغيض من مكانه أو يقلّص من حجمه الكبير النّاتئ بشدة من جسده النّحيل، لم يتحرّك التكوّر، فازداد غيظاً وقرعاً، وضرباً، وانقضّ عليه ممرضان، فأوثقاه بجمع يديهما القويتين، وثبّتاه بصعوبة في سريره،في حيـن شـرع كبيـر الأطبّاء المشـرف على حالته يهيـئ له حقنة مهدّئة، وهو يصرخ دون توقّف: ما هذا؟ هل هو مرض؟ أنا أكره هذا الجسد، أريد أن أخرج منه، أريد جسدي، لا أريد غير جسدي.أعيدوا لي جسدي، اخرجوني من هذا الجّسد اللّعين، اخرجوني منه،أنا أكرهه، وأكرهها، وأكرهكم، أخرجوني منه....ـه...ـه...

اقرأ أيضا