أيام في الريف الموريتاني (الحلقة 8)

ثلاثاء, 2017-05-16 12:44

قررت أن أستريح تحت هذه الأيكة الكبيرة، أقيد البعير ثم أتوسد سفرتي الزادية ثم أخلد إلى النوم .. هيا إلى السبات العميق، هيا إلى هذه الرؤيا السارة التي حولتني إلى عالم آخر من الخيال الممتع...

"رأيت ـ فيما يرى النائم ـ أنني قد حصلت على الإبل كلها وأعدتها إلى الحي ولم يبق منها بعير واحد   بل زادت حتى وصلت إلى 14 من النوق السمان من بينها 5 من العشار وثلاثة جمال، ورأيت أن الحي كلهم احتفل بعودتي وصارت أمي تفاخر الناس بي، وقرر حينا جلب الإماء ليضربن الدفوف ويتراقصن في صعيد واحد، وقد أزفت ساعة الحفل البهيج، جماهير غفيرة جاءت من الأحياء المجاورة لتشارك في الفرحة العارمة، وتحلق الناس حول الفنانات وهن يرددن الأشوار، و"التبراع" كل فتاة تسير بفنانة تلقنها "تبريعة"  على الضيف الجديد الذي افتقد زمانا، وأصر على استعادة إبل أصهاره بعد أن يئسوا منها، وسمع الطرب وكانت الساحة المخصصة قد امتلأت من الرجال الأشداء يتضاربون فيها بعصيهم ويمارسون هوايتهم المفضلة لعبة "نيْكورْ" وسمعت الزغاريد عند كل النساء، وسط أغاني أطربت كل الحاضرين، وخرجت والدة زوجي وسط الجموع وهي ترفع عكازها في مشهد يحرجني وأنا الذي لم أرها من قبل إلا من وراء حجاب.

الجميع يشارك بفرحته لقدوم هذا البطل الجديد، كانت فنانة تغني في مقام "لبياظ" الأغنية المعروفة "والله ما نرْكدْ ما جانِ امْـبارَ" أغنية أطربت كل المشاركين في الحفل وكثر فيها الشعر المرتجل داخل المحفل حتى أن  زوجتي خرجت عن صمتها وتخطت  الصفوف متحدية ما تعارف عليه الحي من عوائد تكبت مشاعر المرأة وصمت الجميع،  لتصل الزوجة  إلى الفنانة وتهمس في أذنها شعرا على نغم "الشور" :

صيدِ هاذَ الّ                         ربُّ نَصـارَ

لو ما رجّعْلِ                         نمـْشِِ دَيـّارَ

ثم عاد إليها حياؤها وهربت منقبة، في مشهد أضحك الجميع وفاجأ والدتي التي بحت بالزغاريد، وأخيرا حانت ساعة رقص والد الزوجة المسن الذي وصل إلى وسط الحفل فرقص مرات وسقط مرات وهو مصاب بآلام في الركبة .. وخرج إمام المسجد من مصلاه وهو شيخ القرية وأنصت الناس إليه جميعا ليقول لهم بشكل قاطع : أخيرا قررنا ......"

عفوا.. فرت حمُـرٌ مستفرة من حوالي الغابة ونهقت لتزعجني وتعيدني إلى هذه الحياة التي لم أتمن العودة إليها، رحل خشن، وبعير ينتظرني، وزاد ممتلئ بالنمل، ليتني ما نزلت قرب هذه الحمير فهل سأنام مرة ثانية لأسمع ما سيقوله إمام القرية، أم أعود إلى هذه الحياة ومواصلة الأيام بحثا عن إبل أصهاري، حياة لم أتمن العودة إليها ولكنها التزام قطعته على نفسي فمتى سينتهي هذا السفر؟

 

مختار بابتاح

اقرأ أيضا