ليلتان مع الفاتنة سَمراويت !!

خميس, 2014-12-04 12:47

ليلتان وأنا أخوض عُباب البحر الأحمر ذلك اليمُّ الحليف السرمدي للمستضعفين، والمبتلع دهرا لكل الظالمين المتجبرين في الأرض.. أناطح موجه، أسامر لُجَجَه، أستمع إليه وهو يحكي لي قصة شعب أراد الحياة وأبى الانكسار ..

ليلتان وأنا أهرب حيث يهرب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظلم ذوي القربى إلى أرض "مصوع" الوادعة مصوع التاريخ الطويل العريض فأحط رحلي هنالك حيث يحط الصحابة رحالهم عند ذلك الملك العظيم الذي لا يظلم عنده أحد..

ليلتان والتاريخ يتنفس ملء جوانحي ونسائم البحر تهب عبقا من الزمن الجميل زمن الثورات والمقاومة، وللبحر علاقة غامضة مع التحرر والحرية..

الآن اتنفس هواء بحر "قلزم" مع تلك الفتاة السمراء الفاتنة "سمراويت" وعشيقها الأريتيري المفتون "عمر" أجول معهم في مدائن الحي، أقلب طرفي ذات اليمين وذات الشمال بين بيوتات الطين العتيقة، أستمع إلى قصص "سعيد" وهو يذكرّنا بمعارك بطولية سطّرها المناضلون على تلك الجزيرة وأرغمت العدو الأثيوبي أن يولي الأدبار مهزوما، يقول سعيد:

"..كانت لحظة قائمة على أهالي مصوع، شعر الجميع باقتراب النهاية، خاصة حين تزامن القصف جوا وبحرا بدت مصوع كفريسة بين وحش جائع، تضاءلت لدى الناس الرغبة في الفرار، أيقظوا أنهم أمام اللحظة الأخيرة، بدأت كل عائلة تجتمع في مكان واحد يقترب أفرادها من بعضهم حد الالتصاق وحده القرب ممن نحب قد يجعل الموت أخف وطأة ينزع عن الخائفين خوفهم قبيل لقاء مصيرهم...."

وبعد هذه المقدمة المرعبة التي كادت أن تطير قلبي بين أضلعي، وتفزع سمراويت وعمر، كنت أتوقع وأنا أقرأ هذه الجمل الباكية أن تكون خاتماتها مثلا "تم القضاء على شعب بأكمله، أبيد كما يبيد صاحب المنزل المهجور جميع الحشرات، أجهز عليه جماعيا فتحول من شعب قائم إلى حكاية في سجلات التاريخ على غرار الهنود الحمر في أمريكا، احمرّ البحر الأحمر مرة أخرى بدمائهم الزكية تماما كما تحولت دجلة والفرات في عهد هولاكو إلى مياه حمراء، استسلم ذلك الشعب لعدوه المتغطرس.." هكذا كنت أظن أن الرواية ستخلص إلى هذه الفقرة ولكن هيهات .. !!

 يأتي سعيد بخاتمة أخرى موسيقاها على لعلعة الرصاص المقاوم،  تحكي صمود شعب يرى أن الموت هي السبيل الوحيد للحياة يرى أن طريقة البقاء في الدنيا هي الموت الشريف:

"..على النقيض من ذلك انتصرت الثورة، وضع العدو سلاحه، وابتلع البحر من بقي يتربص بها، أدرك الثوار أن النصر يلي أحلك اللحظات وأصعبها، مرت أرواحنا باستنزال طويل، كانت كل لحظة منه كفيلة بأن تكتب نهاية لثورتنا تلك.."

ليلتان بين دفتي "سمروات" وأنا أعيش في كنف شعب صلّبته مآسي الهروب من الديار وصهرته آلام نكبات الاستعمار ودكتاتوريات المستبدين، فكان شعب من الفولاذ لا يستطيع الجبابرة لي ذراعه..

ليلتان يعدّان زمنا غابرا طويلا.. بل إن إحداهما تعد الساعة الواحدة قرونا غابرة، وتترك التاريخ يتحدث بنفسه من سجلاته العظيمة ويسرد لنا بأسلوبه الشيق البليغ كم أنت عظيم أيها الإنسان الإريتيري عندما تعشق الحياة وترفض الموت الجبان، الموت الذليل..

تحكي "سمراويت" كم هي الأرض مخلصة لأبنائها البررة حتى أولئك الذين نزحوا من ديارهم وما نقم منهم العدو إلا أنهم قالوا: نريد الحياة.. كانت الدور العتيقة محتفظة بأشكالها بطرازها الأول، بعمرانها الوادع حتى يعود الإنسان بكبريائه وذكرياته إلى دياره..

الآن والآن فقط يجعلني ذلك الكاتب الساحر بيراعه أعيش بين أهلي هنالك، أتألم كما يتألمون أرجو ما يرجون أنتظر موعد اكتمال ثورة بدا غبش فجرها و تباشير صباحيها في الأفق الشرقي البعيد..

الآن يحولني حجي جابر بأسلوبه الشيق من شواطئ أطلسي انواكشوط إلى شاطئ مصوع على ضفة البحر الأحمر فأنزل هنالك في قوم أجدني بينهم وأعثر على ذاتي المتمردة على الطغيان والاستبداد هنالك.. هنالك أعثر فيهم على ضالتي التي ترفض الاستسلام وهي أنا... وإلى موعد هنالك على مشارف "أسمرا"..

مختار بابتاح/ صحفي موريتاني

 

 

 

 

اقرأ أيضا