هوامش على هوامش معركة العلمين / حمود مصطفى

جمعة, 2017-09-29 12:20

مقال الأستاذ الدكتور البكاي ولد عبد المالك الذي هز البلد والذي بدأت تداعياته في الظهور على الساحة الوطنية يبدو أن البعض من ممتهني مهنة المصاعب انبرى للرد عليه بعد أن تقاعس عن تلك المهمة أصحاب الشأن ومن هم في مقام صاحبه علما وسلوكا سواء من الموالاة أومن المعارضة احتراما لصاحبه واعترافا منهم له بنيته الصادقة في كل ما ورد في مقاله من حقائق.

أود الإشارة أولا إلى أن المقال لم يكتب لمهاجمة النظام أو القفز من السفينة كما ادعى البعض فلا يزال الرجل جزءا من النظام ولم يصدر منه شيء حتى الآن يدل على تمرده عليه أو خروجه منه بل إن بعض الحقوقيين الحراطين يعتبرونه من ألد خصومهم الذين استعملهم النظام ضدهم وهو ما يتناقض مع ما لمّح إليه صاحب الهوامش. لكن الدكتور البكاي في المقابل لا ينوي التخلي عن واجب النصح والتوجيه الذي يمليه عليه واجبه كمثقف ملتزم لا يخشى سوى الله والذئب على غنمه.
ثم إن صاحب المقال لم يذكر من الأعمال العلمية الكثيرة للدكتور ومن كتاباته ومقابلاته التلفزيونية والإذاعية وندواته الوطنية والدولية سوى ما اعتقد أنه يصلح منها للتلفيق والمزايدة ومع ذلك لم يوفق في تلك المهمة القذرة وسنكشف للجميع عوار نيته المبيتة للإساءة إلى الدكتور الباحث البكاي ولد عبد المالك.
أود في البداية أن ألفت أنظار الجميع إلى ما تضمنه مقال مدير الصحافة الألكترونية عبد الله الراعي من مغالطات وتحامل على شخص يحتل "مكانة علمية وفكرية مرموقة" على حد تعبيره هو مع أن الجميع في موريتانيا وفي خارجها ليسوا بحاجة  إلى شهادة منه لإثبات ذلك فالكل يعرفه ويحترمه ولا أحد يشكك في شجاعته ووطنيته والتزامه بالقضايا العادلة:
وقبل أن نبين للجميع الفرق بين ما قاله الدكتور وما نسبه إليه صاحب المقال المشار إليه سابقا لإظهار حجم المغالطات التي وقع فيها لا بد من توضيح بعض الأمور المهمة:
أولا تحدث الدكتور في مقاله "معركة العلمين" عن تغير وانحراف عن المسار حدث في الفترة الأخيرة وعن انحراف عن الطريق الذي سلكه النظام في مراحله الأولى ولم يتحدث عن فترة حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز كلها.وهذا يعني أن المسار في نظره لم يكن كله خاطئا فالأمور البشرية نسبية وقد يحدث تغير في المسار وأخطاء لم تكن موجودة وقد يغير النظام السياسي سياسته فقد يضع في الواجهة أو يخضع لتأثير شخصيات تنقصها الخبرة الكافية فتوقعه في المصاعب والأزمات مما يؤدي به إلى الانحراف عن الطريق الصحيح وهذا هو ما حذر منه الوزير.
ومن الغريب  أن القول بأن الرجل غير ولاءاته وأظهر ازدواجيته ومزاجيته  في التعامل مع الأمور العامة كان أسهل على صاحب الهوامش من القول بأن أمورا كثيرة قد تغيرت في تصرفات النظام والسلطة في الفترة الأخيرة وهذا هو الخطأ الأول الذي وقع فيه صاحب الهوامش وذلك هو السبب الذي دفعه إلى أن يتساءل بطريقة مغلوطة: "ما الذي حدث حتى يتغير الرجل بهذا الشكل الدراماتيكي؟" ويعني الدكتور طبعا ملحا إلى بعض مواقفه الداعمة للنظام ومتهما إياه بالتمهيد للقفز من السفينة.
الذي تغير هو القيام بحوار أحادي بدلا من أن يؤدي إلى حل المشكلات الخطيرة الداخلية والخارجية التي يعيشها البلد زاد من تفاقمها ..
الذي تغير هو القرارات الخطيرة غير المدروسة التي اتخذتها الحكومة وقد عدد الوزير جزء منها طالما أن المقال ليس موضوعه حصر أخطاء الحكومة كما يقول ..
الذي تغير هو الأزمة السياسية والعزلة التي يعيشها البلد مع بلدان شقيقة ترتبط بها مصالح الشعب الموريتاني فهل يستطيع أن يخبرني صاحب الهوامش ما ذا يحدث لو منع المغرب تصدير الخضروات إلينا لمدة أسبوع واحد ؟ هل يستطيع أن يخبرنا ما ذا سيحدث لو طرد السنغال كل التجار الموريتانيين الموجودين لديه ؟ وطرد قطعان الماشية التي ترعى على أراضيه طولا وعرضا ؟ وقفل أسواقه أمام تجار المواشي الموريتانيين؟ ومنع بحارته من مساعدة الموريتانيين من استخراج غدائهم من مياههم ؟ ومنع حرفييه من صنع الأثاث وتصليح الأقفال والسيارات ...إلخ ..
الذي تغير هو أن الدولة بما تمثله من هيبة أصبحت تدخل في خصومات مع أشخاص عاديين تحاصرهم وتفتعل الأزمات معهم مع أن الدولة وأجهزتها يجب أن تظل بمنأى عن ذلك فوق الجميع ويهابها الجميع
باختصارهناك الكثير من الأشياء التي تغيرت مما لا أستطيع حصره في هذه العجالة فإذا ما قام المثقف بما يتعين عليه من واجب النصح والتوجيه للسلطة والمعارضة انبرى له كل من هب ودب للرد عليه ونسوا أن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
أما الأخطاء الفادحة التي وقع فيها صاحب الهوامش فهي انعدام الأمانة في نقل أقوال الوزير وتصريحاته حتى تلك التي وضعها هو نفسه بين قوسين وكأنه لا يعرف أن ما يوضع بين قوسين هو دائما كلام منقول حرفيا دون أي تصرف فيه وهذا العيب لا يؤدي إليه إلا نقص ما في التكوين. لكنه في المقابل كانت لديه الشجاعة في القول إن هذه الأقوال موجودة على الأنترنت وهي فعلا كذلك وأصدقاء الدكتور وتلاميذه يحتفظون بها أيضا في أرشيفهم الخاص  لأنهم يعرفون أنها ستصبح مادة للحكم واستخلاص العبر عند الأجيال القادمة أو موضوعا للمزايدة كما يحدث مع صاحب الهوامش لذلك أطلب من الجميع العودة إليها للتأكد من التحريف الذي طال البعض منها وسوء الفهم الذي طال البعض الآخر والذي يدل بالفعل على ازدواجية أخلاقية ومزاجية لا تنطلي على أحد ونذكر من تلك المغالطات:
نسب صاحب الهوامش إلى الدكتور في مقابلة مع قناة المرابطون قوله إن الرئيس يستحق مأمورية ثالثة ورابعة وخامسة وسادسة وسابعة دون أن يربط ذلك بالسياق الذي ورد فيه الحديث ولم يكلف نفسه الإشارة إلى رأيه الشخصي الذي اختتم به حديثه حول المسألة وأدهى من ذلك أنه نسب إليه القول بأن "الديمقراطية ليست أولوية و[أنها] قد لا تناسبنا تماما كطريقة للحكم" ! ولم يفهم صاحب المقال لتواضع مستواه المعرفي ما عناه الدكتور وكان الدكتور قد تحدث في رد على سؤال الصحفي أحمدو ولد الوديعة في برنامج في الصميم  حول دور النخبة في صناعة التغيير وننقل لكم ما قاله الدكتور حرفيا وهو المعنى الذي عجز صاحبنا عن فهمهه:
أكد الدكتور أن دور النخبة منذ بداية المسار الديمقراطي حتى الآن كان سلبيا وأن حضورها كان حضورا سلبيا وقال إن النظام الديمقراطي في موريتانيا هو نظام حديث النشأة لكن المشكلة هي أن النخبة في موريتانيا تطلب الكثير من نظام لا يزال في طور المراهقة لم ينضج بعد فعندما نقارنه بعمر الإنسان نجد أنه لايزال في طور المراهقة وبالتالي فإن جميع الظواهر التي يعرفها المراهق في هذه المرحلة العمرية يعرفها النظام السياسي الموريتاني الآن: من التقلبات السريعة والانقلابات المفاجأة والتوترات وبعض النواقص العديدة .وقال إن النخبة المثقفة في بداية الانفتاح الديمقراطي خدعت الشعب وخدعت النخب العسكرية الحاكمة وقدمت لها تصورا وشكلا للحياة السياسية لا علاقة له بالواقع الاقتصادي والاجتماعي ولا بالوعي السياسي السائد : فقد قدمت شكلا للنظام السياسي من أكثر الأنظمة تطورا في العالم وحاولت زرعه واستنباته في بيئة من أكثر بيئات العالم تخلفا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية . فكان رد الصحافي أحمدو ولد الوديعه عليه بالقول : هل معنى ذلك أن شعبنا لا يستحق ذلك النظام" فرد عليه الدكتور قائلا لا لم أقل ذلك إن كلامي موزون إنما أعني بذلك بأن ذلك الشكل السياسي المقترح لا يتوافق مع مستوى الوعي عندنا لأن الديمقراطية وأي شكل آخر من أشكال الحكم هو إفراز للواقع الاقتصادي والاجتماعي ولنمط معين من العلاقات بين الأفراد فلا تصح الديمقراطية في بلد تسوده علاقات عمودية وولاءات قبلية وتنظيمات ما قبل الدولة لذلك عندما طلب من فقهاء القانون وخبراء القانون الدستوري في بداية التجربة الديمقراطية اقتراح مسودة دستور للبلاد اختاروا طريقة القص واللصق قاموا باقتراح دستور جاهز وجيد للبلاد لكن المشكلة هي أن له علاقة بكل شيء سوى بواقعنا الاجتماعي والاقتصادي المثقل بالتفاوت الطبقي والاختلال البين في توزيع الثروة ولهذا السبب وصف الدكتور الزعماء السياسيين الآن في هذه المرحلة بأنهم غير واقعيين لأنهم من يريدون من ذلك النظام الذي استنبتوه في بيئة غير صالحة أن يثمر فأصبحوا مثل الدب في أساطير البيظان المحلية: يصنع وهما ويكون أول المنخدعين به.
هذه باختصار هي خلاصة ما قاله الدكتور في تلك المقابلة ويظهر بوضوح لمن يتمتع بقدرة على الفهم أنه لا علاقة له بمعاداة الديمقراطية أو بالدعوة إلى الاستبداد وإنما هي دعوة إلى تطوير المجتمع من خلال غرس ثقافة المواطنة والقضاء على الممارسات الاجتماعية السلبية ومحاربة آثار العقلية القبلية وضعف الوعي التي هي في الحقيقة عوامل تمنع من قيام ممارسة ديمقراطية حقيقية.
2- واستشهد عبد الله ولد الراعي أيضا بما ذكره الوزير في رد على سؤال في قناة الوطنية بخصوص خطاب رئيس الجمهورية في النعمة لكنه كالعادة لم يفهم للأسف مضمون النص الذي أورده الدكتور والذي أدعوه للتمعن فيه مرة أخرى لعله يفهم منه ما لم يفهم للوهلة الأولى وقد أعمته النية المبيتة للتحامل على الوزير وإرادة تشويه الحقائق عن تبين معانيه ودلالاته.
ومما فات عبد الله الراعي أن الدكتور ذكر في بعض الأحاديث الإذاعية والتلفزية أن إلغاء مجلس الشيوخ أمر وجيه لأسباب عددها لكنه لم يدع إلى حله بهذه الطريقة بشكل غير توافقي وبعيد عن الإجماع الوطني علاوة على أنه خلق الفوضي في معسكر الأغلبية ذاته وهذه بعض الأخطاء التي أشار إليها الأستاذ الدكتور.
3- الاستشهاد الأخير الذي أورده صاحب الهوامش يتعلق بمقابلة تلفزيونية للوزير مع الصحفية ليلي منير الشايب بقناة الجزيرة - وهي القناة التي حولتها السياسات الخاطئة التي ينتهجها النظام في الوقت الحالي إلى عدو للبلد ولحكومته- حول حصول بيرام ولد اعبيد على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وفي هذا الجانب أيضا تبدو مزايدات صاحب الهوامش واضحة :
-أولا أن الوزير لم يقل بأن بيرام لا يستحق الجائزة بل قال بالحرف الواحد دون زيادة أو نقصان ردا على سؤال الصحفية عما إذا كانت الجائزة غير مستحقة وأن وراءها نوايا مبيتة ضد البلد:
"أنا في الحقيقة إذا أردت أن أكون صريحا معك أقول ليس هو الوحيد الذي يستحق هذه الجائزة على الأقل لأن هناك حقوقيين دافعوا عن هذه القضية ودافعوا عنها بشكل معتدل لأن التطرف وإثارة النعرات ومحاولة بث الفرقة بين مكونات الشعب الموريتاني هذا في الحقيقة منهج سيكون مدمرا وخاصة في الظرفية الحالية كل المواطنين الموريتانيين ومعظم الحقوقيين في موريتانيا دافعوا عن هذه القضية وهو ما يعني على الأقل توزيع هذه الجائزة مناصفة مع النظام الذي ضمّن تجريم العبودية في الدستور"
هذا هو ما قاله الدكتور حرفيا ولم يقل "إن من يستحق الجائزة هو النظام الذي حارب فعليا آثار ومخلفات الرق" كما قال صاحب المقال.
وكان الوزير قد أشار في مقابلة أخرى في قناة الوطنية إلى أن هناك شخصيات أخرى تستحقها ربما أكثر من بيرام وذكر من بينهم الزعيم التاريخي مسعود ولد بلخير مثال الاعتدال والوطنية.
وإذا كان الوزير قد ذكر في مقابلة الجزيرة المشار إليها آنفا أن هناك أطرافا ثلاثة تستحق الجائزة : بيرام والحقوقيين المعتدلين مثل مسعود والدولة فقط في النواحي القانونية وذلك باتخاذها لخطوات وقرارات حينها لكن ما الذي طبق منها الآن على أرض الواقع بعد مضي أربع سنوات ونيف ؟ يمكن لأي طرف أن يعلن عن برنامج سياسي ويتخذ قرارات شجاعة غير مسبوقة ويعمل بعكس ذلك على أرض الواقع وهذا هو ما أشار إليه الدكتور في مقاله الأخير وفي المقالات التي سبقته. فمنذ تلك القرارات التي ظلت حبرا على ورق لم تتخذ الحكومة أية خطوة إيجابية في اتجاه تسوية ما سماه الدكتور بالإرث الإنساني للعبودية : وحتى خارطة الطريق التي أعدتها الحكومة بالتعاون مع الشركاء أصبحت نسيا منسيا ووكالة التضامن "لمحاربة آثار الاسترقاق" تقوم بكل شيء سوى محاربة آثار الاسترقاق والحكومة منهمكة في حرب ضد الأشخاص والمنظمات  أفقدت الدولة مكانتها وهيبتها في عيون الجميع .
في هذه الأمثلة الثلاثة التي يمكن العودة تباعا إليها من خلال البحث بإضافة اسم الدكتور  في محرك غوغل يظهر التلفيق والمزايدة الذي أصبح للأسف يطال القامات العلمية الوطنية دون مبرر واضح.
إلى أخي عبد الله الراعي عد إلى ما يهمك لقد ارتقيت مركبا وعرا  ما هكذا يتم التعامل مع أصحاب "المكانة العلمية والفكرية المرموقة" لكن صدق المثل إذا لم تستح فاصنع ما شئت.

اقرأ أيضا