آغْوينيت.. أصابع على الزناد ومعادن رجال من الفولاذ (صور+فيديو)

أربعاء, 2014-12-10 12:02

زمان آغويينيت يختلف عن زمان غيرهم من بلدان الدنيا، فهم  كما يقولون يعيشون منذ زمن طويل في آخر ساعة من ليل مدلهم تحفّه الظلمات من كل الجوانب، فرضته عليهم المملكة المغربية فعاشوا ليلهم في بقعة محررة مستعدين لفجر جديد سيتبدد في هذه الصحراء التي ألفوها وتحدوا مصاعبها، قاوموا حرها وقارعوا عدوها، بل اعداءها الأداء  المتعددين بدءا بإسبانيا وانتهاء المغرب.

والرجال هنا في آغوينيت يختلفون حتى عن رجال الصحراء الكبرى، فهم خليط من معادن الفولاذ والرصاص الحي، يواصلون ليلهم بنهارهم انتظارا لساعة الحسم التي سيستعيدون فيها وطنهم المنشود، يستقبلونك بكرم الإنسان الصحراوي الاصيل البعيد عن تعقيدات المدينة.

 

نزلنا في صحراء آغوينيت في ساعة الأصيل، الآن تودعنا شمس يوم من أيام الله في تيرس، وتختفي بأشعتها الوردية وراء كُدى بنّية شامخة معها خريطة الصحراء وعلمها لتكون الصخور الآغوينيتة هي الأخرى مشاركة في معركة التحرر المستمرة.

خيم ليل الصحراء الهادئ وانقسم رجال آغوينيت المقاتلين المضيافين إلى حراس يؤمّنون الضيوف، وآخرون يقدمون القرى للزوار القادمين، في تلك الصحراء يتلألأ البدر فيزيد جمالا للكون الجميل أصلا، وسط روائح تفوح من طهي لحم الجزور، و تحكي روائح الطهي تاريخ قوم عاشوا كرماء في هده الربوع قرونا من الزمن ينحرون نوق تيرس الشهية لكل قادم لا يعبدون سوى الله الواحد، من هنا مرّت قوافل الإبل بين هذه الكدى جالبة أعدال الملح  إلى عدة دول غابرة.

يطل عليك فجر تيرس من ذلك الأفق الشرقي فتبصر في غبشه  رجالا اشداء أصابعهم على الزناد، بينما يقدم آخرون مع تباشير الصباح بتقديم الشاي الصحراوي الأصيل ذي النكهة الخالدة، يسابقون اليوم بأشهى الوجبات الصحراوية، هنالك حيث يجد الإنسان الصحراوي المتمرّد  ذاته مع الفجر الصادق بين المقاتلين في ارض طبيعية لا تكدرها عليك عوامل العولمة الغادرة فالاتصالات الشبكية مفق

ودة تماما لتجد نفسك بين اهليك في حضن الأصالة والتاريخ والجغرافيا في يوم جديد من أيام تيرس، ايامٌ تخلط بين بساطة الحياة بجدية التحرر والحرية.

الفن على الطريقة الصحراوية

على بعد كيلومتر واحد أعدت قاعة متواضعة جدا للحفلات الفنية والأغاني الحماسية المتحررة، فنانون يقدمون الفن بأغاني البيظان ومقاماتهم بدءا بمقام "كر" ومرورا ب"فاقو" الحماس، وانتهاء بمقام "لبتيت"، مقاتل صحراوي ينشئ في إحدى المناسبات كلمات عن صمت البندقية منذ عقود فيقول:

سكتتْ لمدافعْ للدّافعْ ===   سكته ماه من عادتنَ

ؤلا حاجلي عن شي نافعْ === مركبْ تكلامْ اسلحتنَ

فتزداد القاعة حماسا وتصفيقا لأغاني الثورة المتواصلة مدة ايام الحفل.

الجالية القادمة من أرض الصحراء التابعة لسيطرة المغرب كانت تتحدى عدوها الأول وتقول إنها ستواصل الكفاح وتردد "لا بديل لا بديل .. عن تقرير المصير".

المناورات العسكرية..

وفي اليوم الثاني من أيام آغوينيت يشعرنا رفيقنا في الصحراء يحي أن المناورات العسكرية قد اقترب وقتها وأننا سنغادر المكان إلى حيث تبدأ المعركة، تقلنا سيارة "امبيريك" تتراقص في هذه الكُدى إلى حيث يقف جنود الصحراء نتوقف قليلا لنستمع إلى شرح مشروع التكتيك الجديد وهو اقتحام الجدار الفاصل حيث ستقوم وحدة بمهاجمته وتفجيره تماما ثم تتبعه قوة أخرى من قوات الالتفاف فتقوم بتمشيط القواعد العسكرية ثم تبدأ عملية الاقتحام.

على مسافة منا وقف الجنود بآلياتهم ومدرعاتهم ودباباتهم وقفوا جميعا في صف واحد كالبنيان المرصوص أصابعهم جامدة على الزناد، أجسامهم ثابتة ثبات التمثال، أمر من بينهم فأكاد اشك هل يتنفسون أم هم مجرد تماثيل.

وتنطلق العملية العسكرية ويبدأ الهجوم على العدو الافتراضي ويلعلع الرصاص في الكون غبار معركة مستمر دخان يملا الأفق، القاعدة بدأ قصفها، المدفعية تطلق قذائفها نحو العدو، شعور رهيب عندما يرى الإنسان ذاته في معركة تحررية حتى ولو كانت افتراضية يشعر بأن الأرض غالية يدفع فيها الإنسان روحه رخيصة في سبيل معالمها، وكما يقول الولي مصطفى السيد "هذه الأرض إما أن تكون حرة أو تكون مقبرة لنا، نملكها أحياء أو أمواتا".

وتنتهي المعركة بعد أن تم تمشيط القاعدة من كل جوانبها وتم احتلالها بالكامل.

وداعا آغوينيت..

أصعب لحظات الإنسان الصحراوي تلك التي يفارق فيها أرضا وجد فيها ذاته المتمردة وقضى فيها مساءين من مساءات الصحراء لكنه يغادرها إلى حياة المدينة المعقدة، يغادرها إلى حيث يسجن في عالم العولمة الجديدة فليس حرا في أي شيء حتى النظر على مد البصر لا يملكه، خرجنا من تلك الأرض الجميلة المباركة على أمل العودة إليها في مناسبة أخرى..

وإلى لقاء آخر في تلك الصحراء المفتوحة.

 

 

مختار بابتاح

فيديو: 

اقرأ أيضا