جريمة في الولايات المتحدة الأمريكية وصمت في موريتانيا

ثلاثاء, 2020-06-09 19:13

 

تناقلت وسائل الإعلام  العالمية و مباشرة على الهواء جريمة القتل البشعة للمواطن الأمريكي  الأعزل جورج افلويد على يد أحد عناصر  الشرطة في مدينة مينيابوليس يوم ٢٥ مايو المنصرم. و رغم ظروف الانتشار الواسع لوباء كوفيد ١٩، خرج الشعب بشجاعة بكل أطيافه و ألوانه العرقية  في مظاهرات و احتجاجات للتنديد بهذه الجريمة متحديا قرارات سلطة نظام الرئيس اترامب  المفاجئة
 للعالم و المهينة للشعب الامريكي و التي ترمي عرض الحائط بالديمقراطية و حقوق الانسان و المتمثلة  بحظر التجول و التخويف و الترهيب و التي حاول من خلالها التغطية على بشاعة الجرم ما دام من ناحية، القاتل أبيض و الضحية أسود، و من ناحية أخرى ما دامت الخسارة في الافراد و ليس الدولار  و هذا ما يترجم طبيعة النظام العنصرية ممثلة في نهجه و سياساته و مواقفه....

 و قد استيقظ الضمير العالمي في هبة تضامن شعبية كبرى مع الضحية و كل ضحايا العنصرية و الكراهية و في احتجاجات و تظاهرات غاضبة شهدتها جل دول و مدن العالم منددة بالجريمة البشعة و المواقف الممالئة  لنظام اترامب و أذياله من أنظمة اليمين الشوفينية في العالم...

 أما في موريتانيا فإن كل القوى الرسمية و السياسية و الحقوقية قد التزمت الصمت اتجاه هذه الجريمة العنصرية النكراء  و لم تندد بها و كأن ما يجري في العالم لا يعني  الشعب الموريتاني،  في موقف متخاذل و مخيب للآمال من الهبة الشعبية العالمية ضد العنصرية و الشوفينية و فضيحة في حق إنسان قتل بوحشية تتجاوز فظاعتها عمليات قتل الحيوان، و في حق الديمقراطية و حقوق الانسان...

 من بين أسباب هذا الصمت، أن بعض الحركات الحقوقية تخشى التنديد بجرائم و انتهاكات أسيادها من الدول الرأسمالية الممولة لها ذات الانظمة اليمينية العنصرية و لا تتجرأ على نقدها حتى و إن سقط الآخرون أمواتا من هول نفس السياسات القمعية العنصرية  التى يناضلون ضدها...أما بعض القوى السياسية فلا هم لها في  الفترة هذه سوى التودد للنظام الجديد و مراودته عن نفسه سعيا للتطبيع و التصالح معه،  فحتى المطالبة بلجنة تحقيق مستقلة في عملية قتل مواطن مدني أعزل في امباي مهما  كانت الظروف تعتبرها قوى سياسية أخرى تطرفا...فأي الانسانية و أين المبادئ و أين المصداقية.؟

هنا، و للتوضيح، أستسمح القارئ في الوقوف على بعض التفاصيل... 
 إن  جريمة  سياسة التطبيع مع النظام التي تنتهجها هذه القوى السياسية تخنق الشعب الموريتاني و تكتم أنفاسه تماما كما خنقت آلة القمع لدى نظام اترامب افلويد حتى أردته قتيلا..
 لتحقيق استراتيجية المصالحة و التطبيع  مع النظام، عمدت هذه الاحزاب  إلى استخدام تكتيك واضح لكنه أيضا مثير للسخرية يرتكز على جانبين:
 الجانب الاول،  هو التسويق و الدعاية  للسلطة داخل الرأي العام و بين مناضلي أحزابهم من خلال اعتبار فيروس كورونا عدوا رئسيا للشعب الموريتاني لتبرير  خلق جبهة داخلية بقيادة النظام و احزاب الاغلبية  اصحاب ميزان القوة ، من ناحية و من ناحية أخرى  من خلال القول بأن عدم مساندة النظام الحالي تعني مباشرة  السعي لعودة نظام عزيز البائد صاحب الجرائم بلا حدود...و هذا ما يذكرنا بأسلوب مطابق له في تكتيك استخدمته العناصر الانبطاحية سنة ١٩٧٥ لتبرير سياسة التطبيع مع حزب الشعب الموريتاني. فقد ادعى هؤلاء أنذاك أن عدم الانخراط في حزب النظام الشبه استعماري يعتبر مساندة لقوى خارجية ممثلة في البوليزاريو...انكشفت الوجوه و زالت الاقنعة...  
أما الجانب الثاني في التكتيك فيتمثل  في محاولتهم جر احزاب المعارضة او بالأصح حزب المعارضة ذي الشعبية الواسعة للانسجام في خط التطبيع، بينما تعاني هذه الاحزاب من أزمات داخلية و شح القواعد الشعبية للحصول على اعتبار من سلطة تتخذ من الانفتاح شعارا للمناورة..
 واهم من يعتبر أن طبيعة هذين النظامين تختلف بمجرد زوال رأس النظام حيث أن السياسة الداخلية للنظام الحالي فاشلة بكل المقاييس و على كل الاصعدة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية بدءا بتقييد الحريات (عرقلة ملفات تشريع الاحزاب، الاعتقالات خارج القانون، رفض المهرجانات...إلخ) فوباء العطش و الجوع و البطالة يفتكون بالمواطنين أكثر مما يفتك بهم وباء فيروس كورونا و الذي تم تسيير ملفه بطريقة لا تطبعها الحكمة حيث ذهبت أولويات الخصوصية الوطنية ضحية لاحترام إجراءات المسطرة الدولية...و على الصعيد الخارجي ترتكز سياسة النظام من ناحية على التحالف مع قتلة الشعب اليمني و السوري و الليبي و السوداني و المصري و من ناحية أخرى على التآمر مع البنك و صندوق النقد الدوليين لتراكم الديون على حساب أجيال الحاضر و المستقبل..
وفي الأخير :فإن هذه الجريمة تؤكد أن الأحكام الاستبدادية و الاضطهادية كانت و مازالت العدو  الرئيسي للبشرية .

- حتى في فترة وباء النضال يستمر ضد هذه الاحكام لأنها وباء دائم و عدو رئيسي..

- سياسة التطبيع مع الوباء الدائم  و العدو الرئيسي للحصول على النصيب تجعل أصحابها وباءا و لو ثانويا...
- التناقض و الصراع الطبقي قائمين بين أغلبية الشعب المتعدد القوميات و المحروم من العدالة و من ثرواته و بين النظام الاستغلالي و حلفائه من البرجزوازية و الاقطاع و منظريه السياسيين...

يوسف عيسى

اقرأ أيضا