لحظة خلف قضبان غوانتنامو

سبت, 2014-08-23 23:11

أضع يداي الدافئتين على قضبان الفولاذ التي تطوقني، متحسسا برودتها القاسية ـ غصبا عني ـ والتي تحاول جاهدة نزع ذلك الدفئ التليد الذي رضعته صغيرا وتغلغل إلى جسمي مستقرا في قلبي باثا حرارة الأخلاق ورسالة الإنسانية في روحي وأنا رضيع ملتف في بطانيتي ومستلق في حجر والدتي رحمها الله.

 

كانت هذه كلماته المكبوتة والتي لم ينطق بها وهو يتأمل الزنزانة ويركل القيود والسلاسل الثقيلة والتي حزت في ساقيه، وربطت بقدميه مانعة إياه أن يخطو خطوات أخرى نحو الأمام، وهو الذي تعلم ودرس في أحسن جامعات الغرب، ها هو يتجرع مرارة تقربه منهم وبحثه عن العلم في أحضانهم.

 

ينظر إلى الشمس يراها غريبة عنه، ليست تلك التي صبغت بشعاعها جلده منذ الصغر، وليست تلك التي مشى تحتها أياما وهي ترعاه في طريقه إلى المدرسة، إنها شمس غريبة بحق .. إنها شمس تطل عليه في أقصى الغرب.. تطل عليه في معتقل غوانتنامو.

 

خلافا للمعتقلات التي لطالما رأيتها في شاشات التلفاز، وخلافا للزنازين التي سمعت عنها في قصص المجرمين والمظلومين ـ من أمثال سامي الحاج ـ عرفت سجن غوانتنامو سجنا قاتلا يسرق منك كل شعور بالإنسانية، وكل إحساس بكونك بشرا، مثلك مثل سجانيك .. الذين عرفت ـ مؤخرا ـ أنهم بأجسام بشر فقط، عرفته قلعة من الظلام تطير في سمائه غربان سود، وتعيش بأروقته خفافيش آدمية لئيمة.

 

صدري ـ الذي تجرع مرارة الإطعام بالأنابيب عنوة في السجن ـ يتذكر مرات العناق وحرارتها، لحظات اللقاء والوداع .. لكنه يفتقد ذلك الدفئ الذي استحوذت عليه وأنا كلي في حضن والدتي التي غادرت عالمي المتواطئ والذي سلبني منها سنين طويلة .. إلى أن غادرت إلى بارئها بإرادة منه.

 

أهلي ومواطنين آخرين متظاهرين مطالبين بالإفراج عني ورفيقي أحمد ولد عبد العزيز تترائى لي صورهم ـ وقد ذكرهم لي ممثل الصليب الأحمر ـ وهم يناشدون كل من له حيلة إلى التسبب في إطلاق سراحنا.. وكلي أسف في قرارة نفسي على تسببي في إتعابهم وبح حناجرهم بدون فائدة... بدون تحرك رئيس بلادي الذي يمتلك القدرة .. !

 

 هذه لحظة أقفها خلف قضبان غوانتنامو .. وهناك مليارات اللحظات والتي لكل منها حكاية لقصة مختلفة ذات مأساة واحدة هي جحيم غونتنامو

 

 

المختار ولد محمد يحي

اقرأ أيضا