وداعا أيتها الراحلة من ساحات الحرم..

اثنين, 2014-08-25 16:49

الإقامة في بلاد الحرمين، ومجاورة قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والسعي بين الصفا والمروة والتفرج على غار حيراء، هي أحلام أم عاشت بين ذويها متوسطة الحال لا تسأل الناس إلحافا، فكم تحدثت الركبان عن طموحها الذي غلب إرادة عظماء الرجال، كانت تقول بكل ثقة بالله كلما رأت طائرة من فجوات سحب بولنوار: تلك طائرة سوف أسافر فيها إلى مكة المكرمة في عزيمة تحسب يومئذ من ضرب الخيال..

وتمضي الأيام والليالي على خدجة بنت مقام ما بين ربوع بولنوار وأحياء الكبة  وهي ماضية مع ذلك الزمن الصعب في حلمها حتى يسر الله لها ما تريد، فهاجرت قبل أكثر من عشرين عاما إلى بلاد الحرمين مودعة أهلها وربوعها الذين ما أرادوا فراقها في يوم من الأيام، هاجرت وهي مودعة لبلاد بها نيطت العمائم، إلى أحب البلاد إلى الله حيث الأثار النبوية وحيث السنة المطهرة وحيث ينبع عبق طيبة الطاهر،  وحيث طلع البدر من ثنيات الوداع بإشعاعه الذي تبدد في كل أرجاء الأرض.

نعم "خدجة بنت مقام مقيمة بين مكة والمدينة" جملة كانت الفقيدة تتمناها منذ عقود، ولكنها تحولت بعد سني "العقل" العجاف، وأعوام الكبة الماحقة إلى حقيقة، هكذا شاءت إرادة الله الذي علم صدقها وصدق نيتها، فكانت تحج كل عام تقريبا وتعتمر وتزور قبر الحبيب وديار البقيع، أقبلت على شأنها وقضت بقية حياتها تتنفس السيرة النبوية تتنفس النسائم القادمة من جبل أحد وما تحمل من قصص الشمائل النبوية.

اليوم تغادر دنيانا خدجة بنت مقام من الحرمين بعد سنوات من العبادة والاعتكاف والتبتل مخلفة وراءها مجموعة أبناء كلهم مقبل على تعلم القرآن وعلومه وتفسيره وتجويده، وعلوم الشريعة واللغة والعربية بجميع تفريعاتها، هذه تركتها التي ستقسم بين الورثة فلم يكن للفقيدة حب في المال أصلا كما لم تورّث سوى حب الناس والصدقة إليهم ومعاملتهم الحسنة.

وفاء لوالدي رحمه الله الذي كان يحب مجالستها ومجالسة أخواتها وإخوتها، ووفاء لأستاذي الكبير وصديقي العزيز أحمدو السالم ولد حامد، ولأستاذتي في القرآن امباركه بنت حامد التي تستحق علي الكثير، ولكل أسرة أهل حامد أرفع التعازي لهم جميعا وأقول لهم صبرا جميلا فإن البقاء لله وحده، وإن مثل هذه الفقيدة لا يمكن أن نحزن عليه فهي العابدة التقية المغادرة إلى رب رحيم هو أعلم بعبادتها وركعاتها في جوف الليل، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها.

 

مختار بابتاح

اقرأ أيضا