ثَرْثَرَةُ مُسَافِرٍ ...! (ح 1)

جمعة, 2014-11-14 22:41

ثَرْثَرَةُ مُسَافِرٍ ...! (ح 1)

الوجود ينسلخ من وضاءة النهار، ويلبس عتمة الليل، ونحن نركض خلف وميض لا ندري ما يُخفي وراء بريقه اللًماع.
هُنيهة صمتٍ ويَهِلُ على النفوس عارضٌ رهيب، انقشعت غيمته عن شعور امرئ أحسَ نفسه بالمنطقة الفاصلة بين الأمل والألم، وبين فُسحة الرجاء وضيق اليأس، وهي لعمري لحظات تهتز لها قناة الأبطال، ويتفرق فيها كيان الجبناء ـ مثلي ـ أشلاء متناثرة.
تمتمنا ما حضر من تعاويذ السفر، ثم انكب السائق على مِقوده مُيَمِماً شطر طريق نواذيبو، وخلال المسافة الفاصلة بين وسط العاصمة وأعتابها الغربية تعالت نقاشات بين السائقـيْن، أنكرت الأسماعُ لهجتها بادئ الأمر، لكنها سرعان ما تعاطت معها بإيجاب بعد ساعات.
فتحت المَجَابةُ الرًءُومُ أحضانها،فبدأنا نذرع مجاهلها مُخلِفين كل ما يَمُتٌ للمنبِت بصلة، سوى بقايا ذكريات تياسرتها الأيام، في وطن لا يُعين على النوائب، ولا يواسي الجراح.
لكن من لًك بأبٍ لا يُعَنٍفُ أبناءه أحيانا ويضربهم، ثم بعد لحظات يرتمون في حضنه الدافئ فيُقبِلهم ويُغدق عليهم عطفا وشذى أُبُـوًةٍ عطرٍ ؟.
تبددت الشكوك قليلا، وبدا محمد وهو يطوي الأرض ويسابق الإصباح، وخلال الثواني الأخيرة من الثانية فجرا حبسنا المطي وتكدسنا في بيت مجازي أشبه بجُحر ضب، كائن عند آخر نقطة يتعالى فوقها الهلال الأخضر على مزاعم الطامعين، وما إن هَممنا بالنوم حتى سمعنا نَمْنَمَاتٍ خفيفةً تداعب الباب، فإذا هو رجل بلكنة إفريقية طوًحت به همته ـ فيما يبدو ـ حتى أذاقته برد نواذيبو الذي لا يرحم الغرباء.
بِتْنَا نغالب السُهاد لكنه غلبنا، فاخترنا عوضا عنه "نوم الأرنب"، وبات جارنا الإفريقي حذِراً يتململ في فراشه، دون أن يعيَ أن الشعور الذي يُخامره هو ذاته الذي يختلج في أفئدتنا، فربما التقت خواطر الغرباء وهم لا يشعرون!. 
أشرق صباح تلك الليلة على برد يرغم الأسنان على الاصطكاك تسبيحا بحمده، فهُرعنا للقهوة وتناولنا فُـنْجَانَيْنِ سيئين على عجل، ثم دخلنا مكتب ختم الجوازات فطبعوا جوازيْنا وبقينا في انتظار المركبة على الجانب الآخر حيناً من الزمن، وبينما نحن كذلك إذ طلعت علينا وسائقُها يتأفف وتُظهر ملامحه قليلا مما يضمره قلبه، ثم لم يلبثْ أن قال بلهجته المغربية "الشرطة أديالكم كلاب"، فآوينا إلى ركن شديد متجاهلين حِدًةَ خطابه.
خطوات قليلة تفصلنا عن الحدود المغربية قطعناها ونحن نسير ببطء، وفور وصولنا بدأنا في إجراءات الدخول ولم نتمكن من العبور إلا مساءً، وكنت كلما جئت السائق استفسره عن سبب التأخر تذرع بحجج واهية، ثم يدور في ذهني أن أسأله عن حال الشرطة "أديالهم" لكنني أَعَضٌ على ذلك بالنواجذ.

 

محمد سالم ولد أبوبكر

اقرأ أيضا