الجنرال عزيز على قائمة التقدمات/ اعل ولد اصنيب

اثنين, 2014-11-17 19:11

ثيرون هم الموريتانيون الذين أسدوا إلى الجنرال عزيز نصائح مفيدة في خضم الربيع العربي وباسم الضمير الوطني، والشباب المحبط والجماهير الصامتة والمغلوبة على أمرها والشعب المخدوع. وكثيرون هم أولئك الذين همسوا في أذنه وجاهة تخليه المبكر عن السلطة في ظروف سلمية قبل أن تجتاحه العواصف الثورية التي نسفت أنظمة واقتلعت طغاة أكثر تجذرا منه.
على غرار نظرائه الذي أغوتهم السلطة و أعمتهم إغراءاتها ، كانت أذنيه وقر و في عينيه غشاوة معتقدا أن قلعته حصينة . تماما كالجنرال مبارك و العقيد ألقذافي و النقيب كومباورى، ضحايا الربيع الإفريقي الذين حاولوا باستماتة مقاومة إرادة شعوبهم و المحافظة على غنائمهم رغم استيقاظ الغول. لم يقدروا للأسف حق التقدير التحول التاريخي الذي تشهده المنطقة و سوء الطالع المترتب على ذلك.
و لكن إذا ما تمادى الضابط الموريتاني الماسك بزمام الأمور في بلده سائرا عكس التيار على تجاهل صوت العقل فلن ينفك مدرجا على “قائمة التقدمات ‘’.
أجل إنه سيتقدم عاجلا لا آجلا نحو المصير المحتوم لأي طاغية متعطش للسلطة و المال و حب الحياة وملذاتها.
و إذا ما حصل هذا الحدث سينفس الموريتانيون الصعداء بصفة مبررة تماما. وعندها سيتذكرون أن نظام الجنرال عزيز كان من أكثر الأنظمة الإفريقية ظلما و أنانية. و سيتذكرون أنه لم يكن رجل دولة بل رجل أعمال، لم يكن رمز دولة بل رمز فساد. 
و سيتذكرون أن شعاره ظل ما حك جلدك مثل ظفرك و بالفعل فقد حسم الأمر مسبقا إذ شفطته الصكمرة البارعة في النهب .
و إذا ما أراد المؤرخون كتابة سيرته الذاتية سيقولون بإيجاز أن هذا الرجل كان مغرما بحب المال و خلق ثراء فاحشا من العدم و في وقت وجيز.
و لسرد قصة النجاح هذه المأساوية لشعبنا بشكل أكثر تفصيلا سيسجلون:
أنه كان من أمراء المال الحقيقيين بل من دون شك "آخر أمير مال". و شيد إمبراطورية مالية هائلة كما فعل ضباط رؤساء أفارقة آخرين منقضين على السلطة من قبله.
تعود أولى عملياته المثمرة حين كان قائدا لكتيبة أمن الرئاسة، عندها اغتنم الفرصة كاملة حيث كان يمنح إجازة لبعض الجنود لكي يستحوذ على المبالغ المخصصة لنفقاتهم و يقوم بتجويع باقي الجنود مقدما لهم وجبات زهيدة صباحا و مساء . و في السياق ذاته سجلت كتيبته أكبر نسبة فرار من الخدمة مقارنة مع باقي وحدات الجيش الوطني.
و خلال الفترة الانتقالية 2005- 2007 ولج عالم المليارديرات بفضل الشركة الموريتانية للكهرباء حيث ورد اسمه في تقرير تفتيش صادر عن المفتشية العامة للدولة.
و في عهد الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله تضاعفت فرص الإثراء غير الشرعي بالنسبة له. و بوصفه قائد الأركان الخاصة لرئيس الدولة وصلت ميزانيته إلى مليارين من الأوقية مجبرا بكل تأكيد الرئيس على ذلك .
معظم هذه المبالغ و مبالغ أخرى وضعت تحت تصرفه ذهبت دخانا قاتما شبيها بالدخان الذي ترسله في سماء انواكشوط ، "مدينة الأعمال".
و في نفس الفترة جاءت "فضيحة أكرا" فانقلب السحر على الساحر و فوق كل غالب غالب كما يقال : استطاع نصاب عراقي أن يحتال على أكبر الضباط رتبة في الجيش الموريتاني و يسلب منه نصف مليون دولار .
و عندما أصبح رئيسا للدولة تشابهت عليه الأملاك العامة و ملكيته الخاصة و لم يعد المال العام عموميا بل أصبح مجرد غنيمة استأثر بها لنفسه.
و فضلا عن هذه الصورة المقتضبة فمن الجدير بالذكر الإشارة إلى قضيتين اثنتين الأولى 50 مليون دولار منحها المملكة العربية السعودية الشقيقة لتجهيز جنودنا و أنفقت في ظروف غامضة و خارج المسطرة المعهودة و الثانية هي الكنوز التي أراد ألقذافي تأمينها في البلد حيث لم يعرف لها إلى حد الآن أي مصير.
و يضيف المؤرخون أن هذا الضابط الرئيس قد خلف لبلده إرثا ثقيلا على كاهل شعبه و على جميع الأصعدة:
وحدة وطنية ملغومة: لقد عمق جميع اختلافاتنا و أيقظ و ساند و مول المتطرفين من جميع الأطراف.
مشهد سياسي متشرذم : لقد كانت الأحزاب السياسيين لا تتجاوز الخمسين حزبا فتضاعف العدد بإملاءاته جاعلا اللعبة السياسية مثارا للسخرية .
ديمقراطية مصادرة: تم نسف المسار الديمقراطي برمته و أصبح مبدأ فصل السلطات في خبر كان
مخزون اقتصادي مستنزف: تم إبرام عقود تقسيم بهدف استغلال الثروات الطبيعية في أسرع وقت و أكبر كمية.
قدرة شرائية ضعيفة و عملة هابطة و غلاء فاحش منهك .
سيادة منقوصة : في إطار مكافحة الإرهاب يتم تناول القضايا الإستراتيجية الوطنية الكبرى في أروقة الخارجية الفرنسية زيادة على تمركز وحدات عسكرية فرنسية على الأراضي الموريتانية
أمن وطني مهدد : الحرب بالوكالة ضد الحركات الجهادية ذات العواقب الوخيمة
نظام تربوي مدمر: أجيال رديئة التكوين و لا مستقبل لها
شباب مخذولون: تم استخدامهم من طرف دعاية النظام في إطار التجديد المزعوم للطبقة السياسية من دون أي إشراك لهم في تسيير القضايا الوطنية
محاباة غير مسبوقة: تمتع مقربون من بني عمومته بميزات كبيرة صنعت منهم رجال أعمال من أثرى رجالات البلد حتى الأقارب بالمصاهرة استفادوا هم أيضا 
جيل وطني قديم موضعا لسخريته: و ذلك نتيجة لضعفهم البدني. سخرية القدر، كادت الرصاصة الصديقة التي أصابته أن تتسبب في عجزه البدني
عقد اجتماعي مبتور معرضا اللحمة الاجتماعية للخطر
نظام قيم فاسد : فقدان حاد في المرجعية الأخلاقية نجم عنه مناخ عام من غياب الأمن 
شعب مجوع و رديء التغطية الصحية و متخلف
و أخيرا يروي لنا المؤرخون أن هذا الصنف من القادة انقرض في إفريقيا شمال و جنوب الصحراء و أن أحكامهم انهارت مثل لعبة الدومينو الواحد تلو الآخر تاركين المجال أخيرا لشعوبهم في إمكانية التمتع بجميع حقوقهم الدستورية و تقرير مصيرهم دون تدخل الجيش في اللعبة السياسية و تسيير شؤون الوطن .
و عليه ، لم يعد المستقبل كما توقعه الكاتب الإنكليزي جورج أوريل في قصته المشهورة «1984» :" إذا أردت أن تتخيل المستقبل تصور حذاء عسكريا يدوس وجها بشريا ... باستمرار " .

 

اقرأ أيضا