المصطفى ولد بدر الدين في مقابلة مع الشروق ميديا يتحدث عن العبودية في موريتانيا تاريخا وممارسة

خميس, 2014-11-27 22:08

الشروق ميديا: بداية لو تحدثتم لنا عن  العبودية في موريتانيا تاريخا وممارسة؟

المصطفى بدر الدين: من الصعب جدا تحديد تاريخ معين لبداية العبودية في موريتانيا، لأن العبودية ظاهرة عالمية، بعض المنظرين يعتبر أن العبودية كانت مرحلة من مراحل تطور المجتمع، وتدخل في سياق التحول من المجتمع السائب أو البدائي الفوضوي إلى مجتمع منظم.

وهذا المجتمع مر بمرحلة النظام العبودي حيث أصبح الإنتاج قائما على أساس العبودية، عندما خرج الناس من الغابات ومهنة الصيد وفكروا في تراكم الثروات قاموا بالحروب واستعبدوا قبائل ومجتمعات بأكملها، وحولوها إلى مزارعين ومنمين، وهكذا نشأ مجتمع العبودية، وكان هناك طبقتان: طبقة المنتجين في الأرض والتنمية، وهم العبيد، وطبقة ملاك العبيد وهم الأسياد.

وهذا المجتمع تحول إلى المجتمع الإقطاعي الذي يقوم فيه الإنتاج على القنانة، بمعنى أن المشتغلين في الأرض لم يعودوا عبيدا، ولكنهم أصبحوا أقنانا، فعليهم أن يدفعوا زكوات للإقطاعيين مقابل استغلالهم للأرض التي تعود ملكيتها للإقطاعيين، وهذا المجتمع أيضا ترك مكانه للمجتمع الرأسمالي المعاصر.

أما في موريتانيا فيصعب تطبيق هذه النظرية، فالمجتمع الموريتاني اليوم هو مجتمع رأسمالي، والعالم اليوم تحكمه الرأسمالية، ففي المجتمع الموريتاني توجد الرأسمالية فعلا وهي قوية، فهناك الأموال الطائلة وهناك البنوك، وهناك أيضا عبيد وملاك عبيد، وهناك إقطاعيون وأقنان، وهناك حالات من العبودية المباشرة فالمجتمع الموريتاني خليط تتعايش فيه كل الأنظمة، ولكن النظام السائد هو النظام الرأسماي.

ويمكن القول إن العبودية في موريتانيا قديمة، لأن موريتانيا لم تنشأ كدولة وكمجتمع له كيان الدولة إلا بعد الاستقلال. وقبل ذلك كانت هناك مجموعة من القبائل ومن الإمارات المتناحرة، وفي كل هذه الإمارات كانت تمارس العبودية، وكان المجتمع منقسما إلى طبقات يوجد في أسفلها طبقة العبيد،، وفي أعلاها طبقة السادة من زوايا ومن عرب.

وقد مرت العبودية في موريتانيا بمراحل بارزة، المرحلة التي تحدثت عنها وهي مرحلة القبيلة وهذه المرحلة كانت تطبعها العبودية، والعبيد فيها هم الركيزة الأساسية للإنتاج في رعي الماشية وفي الزراعة، هناك فئات أخرى مثل "اللحمة" ومثل الصناع، مع أن الصناع كانت لهم مكانة أفضل لكنهم كانوا مستغلين أيضا.

وقبل مجيئ الاستعمار شهدت موريتانيا بمختلف مناطقها تمردات في بعض الأحيان فردية وأحيانا أخرى جماعية، ومن هذه التمردات تكون عندنا ما يسمى الآن ب"آدوابه" أحياء من العبيد السابقين تشكلت بسبب الممارسات التي لم يعد الأرقاء يطيقونها فتمردوا وكونوا مجتمعات خاصة بهم، وظلت هذه المجتمعات تتزايد كلما كان هناك عبد مظلوم أو أسرة مظلومة تلتحق بهم على حساب المجتمعات القائمة على أساس العبودية.

ولما جاء الاستعمار شجع هذه النزعة لأنه كان بحاجة إلى يد عاملة رخيصة، وهذه اليد العاملة تتوفر في هؤلاء العبيد المتمردين، كما أن المستعمر كان في حرب مع الإقطاع والأمراء وشيوخ القبائل الذين تمردوا عليه، وبالتالي حاربهم المستعمر عن طريق مد اليد للعبيد المتمردين وهكذا نشأ ما يسمى تجمعات "liberte" أو المجموعات المحررة في المدن، مثل "كيفه" و"الاك" و"كيهدي" إلى آخره.

هذه المجموعات تعتبر مدينة بحريتها للمستعمر، لم يشجعها فحسب ولكنه حماها ووظفها لكي تكون له قاعدة خاصة، ومع مجيء الاستقلال تراجعت حركة الحرية لأن الدولة الحديثة كانت حكومتها بحاجة إلى التحالف مع الأمراء، ولم تشجع الدولة حرية العبيد الذين لم يعودوا يجدون ملجأ عندما يتمردون.

وفي العام 1966 خصوصا بعد الأحداث العرقية قامت الحكومة ذات الأغلبية البيظانية عن طريق وزير الداخلية آنذاك محمد الأمين ولد حامني بإصدار تعميم سري ضد العبودية.

ولم يجد هذا التعميم آذانا صاغية، وبالتالي لم تتقدم قضية العبودية، مما أرغم المختار ولد داداه مرة ثانية على إصدار تعميم آخر، عن طريق وزير آخر بضرورة التأكيد على ضرورة مساعدة العبيد على التحرر وذلك لم يغير من الأمر كثيرا، وظلت العبودية كما كانت، والعبيد يتمردون كما كانوا يتمردون من قبل، لكنهم لا يجدون في الدولة نصيرا، وظل التعميمان سريين، لأن الحكومة تخشى أن تتحول العبودية إلى قضية رأي عام.

 

الشروق ميديا:  الحركات السياسية الموجودة في موريتانيا كلها تدعي محاربة الرق، هل ترون أن حركة الكادحين كانت الرائدة في التمرد التمرد على الرق؟

المصطفى: حركة الكادحين كانت رائدة، لأن الحركات التحررية التي سبقتها لم تكن لها مصلحة في ذلك، فحركة "المقاومة" كان يقودها رجال إقطاعيون، وكذلك حركة ولد حرمه لم يكن شغلها الشاغل تحرير العبيد، ولكن مقاومة الاستعمار، مع أن ولد حرمه ناضل ضد أشكال أخرى من الظلم، مثل "الغفر" و"الحرمه" وهي إتاوات كانت تدفعها الفئات المسحوقة مثل "آزناكه" للسادة الكبار، مقابل ما كان يسمى بالحماية، لكنه لم يقاوم العبودية لأن مقاومتها في ذلك التاريخ ستعزله في مجتمع البيظان. حركة "النهضة" أيضا لم تتمكن من طرح قضية العبودية.

وحدها الحركة الوطنية الديمقراطية كانت أول من رفع شعار تحرير العبيد، ومساواة العبيد بالسادة، وهذا ظهر في مطالبهم، وهو ما جسدته حركة انعتاق الفلاحين في "آفطوط"، يعني أن هذه الحركة كانت أول حركة  تصدت للرق في موريتانيا، لأنها تصدت له في عقر داره وهو الملكية العقارية، وسيطرة الإقطاع على الأرض.

الشروق ميديا: اسس مسعود ولد بلخير حركة الحر نهاية السبعينات بطرح راديكالي هل ترون أن تلك الحركة آتت أكلها؟

المصطفى: من أسباب ظهور حركة "الحر" انشقاق حركة "الكادحين"  مما خلق فراغا أمام المستضعفين الذين كانوا يلتفون حولها، وكانت حركة "الكادحين" تضم أأطر مثقفين من"لحراطين" ، وهم من مؤسسي حركة "الحر" مثل الكيحل ولد محمد العبد، وبلال ولد ورزك، ومحمد ولد السالك وغيرهم.

هذه الفترة من 75 إلى 79 شعر فيها بعض أطر الحركة الوطنية من "لحراطين" بفراغ شديد حتى لا أقول بخذلان كغيرهم، وبالتالي شعروا بضرورة إنشاء مجموعة أخرى تتكفل بالنضال ضد العبودية، وهذه المجموعة كانت النواة لقيام حركة "الحر".

وقد ساهمت هذه الحركة مساهمة كبيرة في النضال ضد العبودية، وسوف تتحالف مع الحركة الوطنية الديمقراطية لاحقا لأن الأخيرة تأسست على مرحلتين مرحلة سرية لم تكن فيها قادرة أن تظهر للعلن والمرحلة العلنية ظهرت مع انقلاب 1978، وستعمل إلى جانب حركة "الحر" في الكفاح ضد العبودية، وكانت الحركتان حلفيتين ضد مظاهر الاسترقاق، وإن كانت حركة الحر هي من تزعم في ذلك التاريخ طرح العبودية في موريتانيا ومساهمتها لا يمكن أن تنكر.

وقد ساهمت الحركة الوطنية في القضاء على الرق، وكان قادة "الحر" آنذاك قد سجنوا لأنهم قد طرحوا قضية العبودية بحدة، وقد لعبت الحركة الوطنية الديمقراطية دورا كبيرا في تحضير وإصدار قانون القضاء على الرق في العام 1981 لأننا كنا أعضاء في اللجنة المكلفة بحل  قضية الرق وقضية الإصلاح العقاري إلى جانب جماعة "الحر".

ومع تأسيس حركة الحر استدعي مسعود لمهام إدارية، وكان هناك قادة آخرون من بينهم عمر ولد يالي وبوبكر ولد مسعود هم الذين يقودون الحركة، مع هؤلاء القادة كنا نتعامل ونناضل معا.

وعندما أقيل مسعود وتفرغ من الوظيفة التحق بحركة "الحر" وأحدث التحاقه بها زخما شديدا لأن مسعود كان خطيبا مفوها وكونه عمل وزيرا وواليا أعطاه ذلك شهرة كبيرة، مما شجع مستضعفي "لحراطين" على التمرد مرة أخرى، لأنهم رأوا فيه قائدا محترما.

وفي هذه المرحلة شهدت الحر نهوضا كبيرا إثر ترشحه لبلدية نواكشوط 1990، ومن هنا بدأت حركة "الحر" تلعب دورا كبيرا، بينما حلت الحركة الوطنية الديمقراطية وحل محلها اتحاد قوى التقدم الذي يعتبر امتدادا لها، وقد شهد نهوضا كبيرا في مناطق "آفطوط" حيث انتزع سنة 2001 بلديات "ميت" و"تكوبره" و"باركيول" وهي المناطق التي كانت وكرا للعبودية واكتسحتها الوطنية الديمقراطية نهاية السبعينات وبداية الثمانينات.

واستمر هذا الدور بالنسبة لحركة "الحر" إلى أن فاز المرشح سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وتمت المصادقة على قانون تجريم الرق، اعتبر مسعود في بعض تصريحاته أن مهمته انتهت، وأن العبيد أصبحوا أحرارا ومن منهم ما زال رقيقا فإنه المسؤول عن ذلك. هذا التصريح خلق خيبة أمل كبيرة عند المسترقين والمثقفين الذين ما زالو يعتقدون أن العبودية قائمة.

الشروق ميديا: الدولة الموريتانية منذ نشأتها حتى اليوم تقوم بإجراءات وسن قوانين ضد الاسترقاق هل ترون أن هذه القوانين عالجت المشكلة أم زادتها تعقيدا؟

المصطفى: هذه القوانين أشرت إليها، ومنها التعميم الذي أصدره ولد حامني سنة 1966، والتعميم الذي أصدره وزير آخر في حكومة المختار ولد داداه سنة 1969، وقانون إلغاء الرق 1981، وقانون  تحريم الاتجار بالبشر في عهد الرئيس معاوية، وقانون تجريم الرق لسنة 2007.

كل هذه القوانين جاءت في ظروف سياسية معينة كما قلت لك، ولها دوافع سياسية أكثر مما لها دوافع إنسانية وحقوقية، بمعنى آخر ليس الهدف منها هو تحرير الأرقاء بصفتهم بشرا يستحقون المساواة مع باقي البشر، وإنما جاءت عادة بعد ضغوط سياسية تخضع لها الحكومات ، تحاول من خلالها أن تلعب ورقة الأرقاء فتتظاهر بأنها تقدم لهم تنازلات. وعندما يزول الضغط يزول الاهتمام بالقضية.

ومع ذلك فقد طرأ تحسن في قضية الاسترقاق في العقود الأخيرة من نهاية الستينات إلى الآن نتيجة للنضالات التي شنتها الحركات المذكورة، لكنها لم تمكن من القضاء على الرق، لأن التعميمات التي صدرت في عهد المختار ولد داداه كانت تعليمات سرية.

أما قانون 1981 فقد جاء بعد ضغوط قامت بها الحركات السياسية حركة "الحر" والحركة الوطنية الديمقراطية، ولكنها لم تؤت أكلها، لأن هناك من يدافع عن الرق مثل العلماء الذين رفضوا أن يصدروا فتوى ضد الرق، ولذلك كان على الرئيس ولد هيداله أن يخضع لرغبتهم، وأن يقر ـ في نفس الوقت الذي يقر فيه إلغاء الرق ـ التعويض لملاك العبيد، وبالتالي يعترف لملاك العبيد بحقهم في الاسترقاق، إذن هذا القانون لم يحل المشكلة.

قانون تجريم الرق الذي صدر سنة 2007 كان أكثر صرامة لأنه من الناحية القانونية حسم مسألة الاستعباد وجعله محرما، وقرر عقوبات تجاه المسترقين لكن الأمر لم يصل إلى إلغاء الرق من الناحية العملية لأن المسترقين ما زالوا يمارسون الرق، وإذا تم اكتشافهم كما تم في عدة مناسبات وتقدم الأرقاء بشكاوى لا يتم الالتفات إليهم لا على مستوى القضاء ولا على مستوى الإدارة ولا على مستوى الحكومة.

ليست هناك إرادة حقيقية ولا تعاطف تجاه الضحايا الذين يقدمون شكاوى، بل في الغالب ملاك العبيد هم من يجدون تعاطفا وبالتالي يفلتون من العقاب.

فيمكن أن نقول أنه من الناحية القانونية تم إلغاء الرق، والإجراءات العملية الكفيلة بتطبيق هذا القانون لم تتخذ بعد، والناس الذين سينفذون هذا القانون لم يخلقوا بعد. والحاكمون الآن في موريتانيا هم من أصول مسترقة (بكسر الراء) وبالتالي ليست لهم رغبة في تنفيذ هذه القوانين.

الشروق ميديا: قبل خمس سنوات ظهرت حركة راديكالية أخرى تسمى  "إيرا" تثور على المجتمع ومنظومته الفقهية، هل تشاطرون الحركة ورئيسها بيرام ولد اعبيدي أن مشكلة العبودية هي الفهم المالكي للرق؟

المصطفى: حركة "إيرا" ظهرت في سياق التجاذبات التي ذكرت لك، عند ما أرسل مسعود تصريحاته وخف نشاطه حصل استياء عام في بعض الأوساط المسترقة، هذا المناخ كان وراء إنشاء حركة "إيرا"، وجاءت بخطاب أكثر راديكالية من خطاب مسعود وخطاب نجدة العبيد، ومن خطاب الحركة الوطنية الديمقراطية من حيث الشكل، لأنها وإن كانت تطرح نفس القضية التي طرحتها الحركات السابقة إلا أن خطاب "ايرا" يعين عدوا محددا وهو ما يسميه "البيظان" وينعتهم بكل الأوصاف، وهذا ما صادف هوى في نفوس الشباب الطامح إلى الحرية والراغب في وجود هدف محدد يصب عليه جام غضبه، كما أن بيرام اقترح أشكالا من النضال تختلف عن الأشكال السائدة، وهي أشكال صدامية، وانتزاع المسترقين من بيوتهم، والتظاهر أمام السلطات والصدام معها، هذه الأشكال أيضا استهوت الشباب المحبطين.

تعنت السلطات التي لا رغبة لها في إلغاء الرق، بالرغم من الخطاب الديماغوجي الذي تتلفظ به أيضا أعطى لحركة "إيرا" المصداقية، لأنها استطاعت من خلال إظهار نفاق السلطات وتلكئها أمام العدالة والمسترقين وخذلانها لهم، كلها أمور أعطت لبيرام المصداقية أكثر من الحركات السابقة، وكذلك استخدامه للمنابر الدولية ومنظمات عالمية بما فيها الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، أعطاه أيضا زخما لم تصل إليه الحركات التي سبقته وبالتالي أصبح هو المتكلم الرئيسي باسم المستعبدين لأنه فرض نفسه.

ومع ذلك فإن خطاب بيرام الذي يستهدف شريحة معينة من مكونات المجتمع قد يجر لا قدر الله إلى ما لا تحمد عقباه للجميع بما فيهم بيرام، فاستهداف "البيظان" مثلا كشريحة لا يجوز، صحيح أن معظم المسترقين من البيظان لكن فيهم أيضا من لا يملك عبيدا ولم يملك عبيدا قط، وهناك من ملكوا عبيدا ولكنهم لم يعودوا يملكون عبيدا، فموجة الجفاف التي ضربت موريتانيا في السبعينات حطمت الاقتصاد القائم على الاسترقاق، فالاقتصاد قام على الاقتصاد الزراعي وتنمية الحيوانات التي تحطمت خلال السبعينات والثمانينات، وجاء الناس إلى المدن، وتحولت موريتانيا من بلاد ريفية بنسبة 80% إلى بلاد متمدنة بنسبة 80% بل أكثر لأن سكان أرياف موريتانيا لم يعودوا يمثلون أكثر من 12%.

من يقطن المدن من السكان لا يمكن أن يكونوا أرقاء، صحيح هناك جيوب وبعض العائلات الميسورة احتفظت ببعض الأرقاء لكنها حالات نادرة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هناك بعض المسترقين في القوميات الأخرى، في "السونوكي" مثلا، وبدأ بيرام يكتتب الأرقاء في "السونيكي" دون أن يعترف بأن الرق في جميع القوميات، في "الوولف" و"البولار"، واستهداف البيظان وحدهم لا يعتبر سليما، وبالتالي هو من هذه الناحية يحشد ضد فئة.

إذن أعتقد أن هذا الخطاب الذي يروج له بيرام ليس صحيحا، وقد يجر إلى حرب أهلية، وتجربتنا في موريتانيا أن الحركات التي تتخذ من الصدام بين مكونات المجتمع هدفا مصيرها الفشل. وسوف يعود عليه ذلك بالضرر الفادح إذا لم يصحح خطأه، وأنا أدعوه بصفته داعية حقوق مدنية إلى أن يغير من خطابه ويغير من طرحه. وأن يكف عن استهداف شريحة معينة، وأن يتخذ من الحكومة التي تعطل تطبيق القوانين ـ أن يتخذ هدفه الرئيس، ويترك المواطنين الموريتانيين بسلام.

الشروق ميديا: هل تشاطرونه الرأي في الثورة على المنظومة الفقهية؟

المصطفى: لا شك أن رأي بعض الفقهاء غير سليم، لكن لا أعتقد أن الرق من صنيعة الفقهاء، ومن صناعة خليل، لأن الرق كنظام وممارسة قديم موجود في التوراة موجود في الإنجيل، وفي القرآن والحديث الشريف، والفقهاء لم يزيدوا على أن فسروه وطوروه، ومارسوه في أوضاع مختلفة، وأعتقد أن هذه المقاربة التي تجعل من حرق الكتب الفقهية عصى لمكافحة الرق لا تقوم على أساس صحيح.

أرى أن الخطاب الديني سواء كان قرآنا أو حديثا فيه شذرات تقر بالرق، لكن في ظروف معينة، ولأسباب معينة، وللفقهاء آراء تختلف، فبعضهم يقول إن الإسلام جاء لمحو الرق، لكنه بالتدريج شجع إلغاء الرق لمن عليه كفارة، أو ارتكب معصية، وأن هذا كان تدرجا لإلغاء الرق.

فقهاء آخرون لا يقبلون هذا التفسير ويقولون إن القرآن هو القرآن ولا يجوز تأويله ما دام هناك نص يقر بوجود العبودية، وأعتقد أن المسألة تتعلق بالخطاب الديني، وربما يكون  الفقهاء قصروا في تطوير الخطاب الديني، وتحويله إلى خطاب يتماشى مع العصر وتلك مسألة أخرى..

الشروق ميديا: هل ترون أن اعتقال بيرام ولد اعبيدي كان اعتقالا سياسيا أم إنه يستحق التوقيف والمحاكمة؟

المصطفى ولد بدر الدين: أعتقد أن النظام ليس على حق فيما فعل ببيرام وجماعته في روصو، لأن الأمر لا يعدو كون منظمة يقودها جيبي صو طالبت الترخيص بمسيرة من بوكى إلى روصو ابتداء من يوم 10 نوفمبر إلى يوم اعتقال بيرام، وهو يوم 12 من نوفمبر 2014

وهذه المنظمة طرحت طلبها قبل انطلاقة المسيرة بخمسة عشر يوما، وفي اليوم المحدد انطلقت المسيرة من بوكى، وجابت المسافة الواقعة بين بوكى وروصو إلى أن وصلت مشارف مدينة روصو، تلقت تحذيرا من والي روصو لكن جيبي صو وجماعته لم يقبلوا بذلك.

بيرام إذن لم يكن رئيسا للمنظمة التي طلبت المسيرة، بل لم يكن عضوا فيها، وإنما جاء للمشاركة في استقبالها بروصو، فإذا كانت المسيرة مرخصة فبيرام لم يرتكب خطأ بمشاركته فيها، وإذا كانت غير مرخصة فبيرام غير معني بذلك، لأنه لم يطلب مسيرة ولم ينظم مسيرة، وبالتالي فإذا كان هناك عقاب ينبغي أن يكون على منظمي المسيرة، والذي وقع أن بيرام الذي لم ينظم مسيرة ولم يطلبها ولم يسر حتى، اعتقل واعتقلت جماعته من "إيرا" والجماعة التي طلبت المسيرة ونفذت المسيرة لم تعتقل، مما يحول الأمر إلى مغالطة كبيرة، فالحكومة إذن كانت تبحث عن مبرر لاعتقال بيرام لكنها لم تعثر على مبرر مبقول، لأنها اعتقلته ظلما وعدوانا، اتهمته بمسيرة غير مرخصة، وهم لم يقم بمسيرة أصلا.

وبالتالي بيرام على حق والحكومة على باطل في هذه القضية، وهذا ما جعلنا في اتحاد قوى التقدم نرفض اعتقاله وندينه ونطالب بإطلاق سراحه.

الشروق ميديا: هل تريد أن تقول أن اعتقاله كان المراد منه تلميعا لرجل سياسي جديد على حساب منسقية المعارضة الديمقراطية؟

المصطفى: لست من أصحاب نظرية المؤامرة، أعتقد أن النظام أخطأ في اعتقاله، أما لماذا اعتقله فتلك أمور أخرى، وقد يكون من بينها ما قلت لكنني لست من قائليه، لا شك أن النظام تضايق بالقدر الكافي من بيرام مما جعله يعتقله.

الشروق ميديا: أخيرا إلى أين تسير موريتانيا في ظل تصاعد الخطاب العنصري في كل الفئات المشكلة للوطن؟

المصطفى ولد بدر الدين: كما قلنا عدة مرات البلاد مهددة بعدة أخطار، الخطر الأول هو الصراع العرقي، فالممارسات التي تقوم بها الحكومة ضد الفئات المضطهدة مثل "العبيد" و"لمعلمين" وسكان المناطق الشرقية مثلا الذين يعتبرون أنهم مهمشون ومظلومون من طرف السلطات.

هذه الفئات قد يدفعها وضعها الذي لا يمكن تحمله إلى الانفجار، خاصة مع وجود خطاب تحريض هنا وهناك، فهناك من يدعون أنهم يدافعون عن البيظان ويتطاولون على الأعراق الأخرى، وهناك من يدعون أنهم يدافعون عن "لحراطين" ويحرضون ضد الفئات الأخرى، وهناك من يدعون أنهم يدافعون عن الزنوج ويهاجمون الفئات الأخرى.

هذا الخطاب يخفي وراءه تناقضات حقيقية، تناقضات في صفوف الشعب لا تمكن معالجتها بالأساليب العدائية، لأن الموريتانيين لا يمكن أن يعيشوا إلا في موريتانيا، ولا يمكن لفئة أو عرق أن يستفرد بموريتانيا وحدها، فانعدام مقاربة وحدوية عادلة تمكن الموريتانيين من تقسيم الثروة ، وتقسيم السلطة بعدالة بينهم، انعدام هذه المقاربة سيجر إلى انفجارات وحرب أهلية لا قدر الله، ونحن نشعر بهذا الخطر قبل اليوم، وندعو جميع الفرقاء السياسيين وعلى رأسهم الحكومة الموريتانية التي يبدو أنها لا تستشعر الخطر، ندعو الجميع أن يجنحوا للنقاش حتى نتجنب هذه الحرب الأهلية، وليس الفرقاء السياسيون هم المعنيين حدهم، وإنما جميع الفرقاء  الاجتماعيين والاقتصاديين حتى تتخطى موريتانيا هذه الأزمة التي يبدو أنها قد تفاقمت كثيرا.

فالحكومة هي أول من يتحمل المسؤولية لأنها المسؤولة عن عدم تطبيق القوانين، وهي المسؤولة عن الخطاب العنصري ضد الزنوج، وهي المسؤولة عن إبقاء الفقراء على فقرهم، وزيادتهم فقرا، وهي المسؤولة على إبقاء الأغنياء على غناهم وزيادتهم غنى، بل هي المسؤولة عن إفقار بعض الأغنياء على حساب ثلة قليلة من المحيطين بالحكم ومن المقربين منه، وهذا هو مصدر كل القلاقل.

فما دام الزنوج لا يجدون أن لهم نصيبهم من الثروة في موريتانيا، ولا يرى "لحراطين" أن لهم نصيبهم من الثروة في موريتانيا فسيعتقدون دائما أن موريتانيا للبيظان كما يقول بعضهم، وما دام المقربون من السلطة يزدادون غنى، والذين خارج السلطة يزدادون فقرا، فالتناقضات ستنفجر.

هناك إذن ضرورة ملحة لمقاربة أخرى، وأن تكف الحكومة وأنصارها عن الجشع، وجمع الأموال وظلم الناس وتجويعهم، يجب أن يكفوا عن ذلك كله، وإلا فسيفقدون كل شيء.

أعتقد أن المسألة بهذه الخطورة وعلى الجميع أن يعي هذا الخطر وأن يتنادوا إلى كلمة سواء الهدف منها هو توزيع الثروة بعدالة وتوزيع السلطة بعدالة.

الخطر الثاني الذي يهدد العالم كله هو هذا الإرهاب وهذا التشدد وهذه الحملات التكفيرية التي اجتاحت العالم كله واجتاحت موريتانيا، هناك خشية لدى أوساط كثيرة من أن تدخل موريتانيا ـ نتيجة هذه الأوضاع غير المستقرة ـ الدوامة التي دخلتها ليبيا وتونس ومالي في جوارنا، هذا خطر قادم أيضا ويجب أن نتصدى له جميعا بتقوية جبهتنا الداخلية.

هناك خطر ثالث وهو أحد الأخطار التي تهدد موريتانيا دائما وهو الانقلابات العسكرية، فكلما كانت هناك مشاكل في موريتانيا واستياء عام وكلما اشتد الاحتقان، تقوم مجموعة من الضباط وضباط الصف بالانقلاب على الحكم، وبالتالي فنحن في خطر قائم، كيف نتفاداه إذن ؟ طبعا بحل مشاكلنا الداخلية وتسوية المشاكل القائمة بين فئات المجتمع وبين الحكومة والمعارضة.

يجب أن تجلس الحكومة والمعارضة ومختلف الفاعلين على طاولة واحدة، فالحل في مسألة واحدة هي الحوار والتشاور من أجل التوافق على نظام سياسي جديد يوفر لجميع المواطنين الحق في العيش الكريم وفي المساواة وفي الديمقراطية الحقة.

 

اقرأ أيضا