صدق أو لا تصدق .. سائل عنها سهل “آفطوط” و “أدبايْ لمبيْديعْ” ووادي “لمْبَيْزيرْ” يجيبونك باسغراب: إنها فتاة صغيرة في السن لكن لياليها تعدها بسنوات طوال نتيجة للكد المتواصل من أجل البقاء في الحياة، والعيش على أمل يوم سعيد قادم، اختطفت شموس “بورات” الحارقة طفولتها، ـ وسوف تختطف شبابها إن بقيت الأحوال على ما هي عليه من فقر مدقع ـ ولعبت السوافي بمقلتيها، ولم يبق من عرقها المتصبب منذ أن سارت على قدميها سوى تجعّدات في الوجه، وتشققات في باطن القدمين، رغم أن سن الفتاة لما يتجاوز ستة عشر ربيعا تقلب طرفها ذا ت اليمين فلا ترى سوى كوخ متآكل، وتنظر ذات الشال فترى شمسا تطفو على غدير راكد تدوسه كل يوم حيوانات الحي بحوافرها وأظلافها.
شيته بنت أعمر من مواليد العام 1998 في أدباي “لمبيديع” بتجمعات “بورات” من أبوين فقيرين كما هو حال كل سكان الأحياء، حياتها شقاء في شقاء دائم وكد متواصل مع أهليها القاطنين في أحيائهم المنسية هنالك في آدوابه “بورات” حيث يعيش الإنسان بين فكي كماش الحرمان، تطحنه ماكينة الفقر طحنا حتى تحوله إلى حيوان يرِد مع الحمير مستنقعات تبعد عدة أميال.
السقاية اليومية من المستنقع
ما إن يشرق الشمس وتتراءى أشعتها من بين فجوات الطلح حتى تشمر شيته عن سواعدها وتأخذ عصاها وتشد عربتها على الحمار آخذة معها ما يقارب عشرين برميلا إلى وادي السقاية، حتى إذا ما وصلت إلى الغدير الراكد قرب سد “امبيزير” تنزل عن العربة وهي حافية القدمين تماما مع طفل شقيقها، تدلي بدلوها عدة مرات فيأتيها طين داسته أقدام الماشية لأيام عديدة، أجبرتها الحياة أن تشرب منه مرات قبل أن تصبه في البراميل.
وهكذا تقوم السيدة شيته بالإدلاء المتواصل حتى تمتلئ كل أوانيها ثم تحمل الثقال بشق النفس والجهد الجهيد إلى أعلى العربة وتعود بالحمُر إلى أهليها وأحيانا إلى أصهارها حيث تقيم معهم في كوخها المتآكل.
تقول شيته : لقد اشتد علي هذا الحال المستمر منذ أن أفقت على الحياة، أريد أن أعيش كما يعيش البشر آمل أن يأتي يوم وقد تحولت هذه المآسي إلى ذكريات وقصص من الماضي، أريد أن أرى يوم الراحة وقد أصبحت لدينا حنفيات مستقلة حتى نعود إلى شبابنا وإلى حياتنا، لم نعد إطلاقا نتحمل هذا الشقاء نريد من ينقذ حياتنا من الضياع والمرض المحتوم، شرابنا خليط بين الطين وبول المواشي وأوساخ الأرض، فمن يلتفت إلينا؟
ماء بلون الأوساخ..
آبار وادي “امبيزير” هي مجرد حفرٍ صغيرة يتجمع فيها من الوحل الذي يحبس معه قليلا من الماء، لونه بين الصفرة والبياض، لكن السكان هنالك في آدوابه يريدون الماء بأي ثمن حتى ولو اختلط مع كل أوساخ الدنيا.
هكذا يعيشون وهكذا تعيش بنت حيهم شيته بنت أعمر،
تدعي الحكومات المتعاقبة في موريتانيا أنها تهتم بمثلث “الفقر” بل وحولت اسمه إلى “مثلث الأمل” لكن واقعهم ينادي ويقول لم تمر بنا حكومة في يوم من الأيام، ينادي كل سكان “بورات” في صوت واحد عبر
مختار بابتاح ـ أدباي لمبديع ـ جنوب موريتانيا