( نواكشوط ـ انجامينا) محور يقف ضد غطرسة المحور التقليدي ( الرباط ـ داكار)

اثنين, 2018-07-23 02:20

ـ  نواكشوط وانجامينا مفعول بهما 1982 من طرف باريس والرباط.

ـ نواكشوط والرباط 2018 قوة إقليمية تتحدى الرباط وتطرح شروطها على باريس

ـ حاولت المغرب بكل الوسائل تركييع موريتانيا فاستفزتها بكل الوسائل وردت موريتانيا الصاع صاعين.

ـ مجموعة دول الساحل الخمس  تقودها نواكشوط وانجامينا وترفضان دخول دكار فيها وتفرض شروطها على باريس. 

 

الشروق ميديا ـ نواكشوط :  (خاص) ـ  حدث روبير بورجي (Robert Bourgi)  المحامي الفرنسي رجل لوبي فرنسا-افريقيا (france-Afrique)  ذات يوم فقال :  يوم 30 أغسطس 1983 حصل لقاء ثنائي في مراكش بغرفة مزركشة وعلى طاولة مستديرة بين الرئيس الفرنسي افرانسوا ميتران والعاهل المغربي الحسن الثاني. بث كل منهما الاخر شكواه حول صعوبات تنغص عليه يومياته. بدأ ميتران فقال:  العدو الذي يواجه فرنسا في منطقة غرب افريقيا هو معمر القذافي والذي يحاول جاهدا احتلال انجامينا ودعم متمردي الشمال ضد الحكومة الموالية لفرنسا.

سرح الحسن الثاني ببصره وجذب نفسا من سيجارته وقال : فخامة الرئيس الأمر في منتهى البساطة، تململ ميتران في مقعده الوثير وقال : كيف يا جلالة الملك؟ رد الحسن الثاني قائلا: في جوارنا رجل من البوليزاريو يقود موريتانيا ويهرب السلاح إلى الصحراء. حاولنا إزاحته بشتى الوسائل ولم تجد إنه المقدم محمد خونا ولد هيداله، إذا كانت لديكم القدرة على إزاحته فاعتبر أن كابوس القذافي قد انتهى. ابتسم ميتران وقال : يمكنكم التعويل على فرنسا.

طار الحسن الثاني إلى طرابلس وفي باب العزيزية حيث يضرب القذافي خيمته تسامر الرجلان حول شجون الأمة العربية وأوجاعها، وإعرب الحسن الثاني لمضيفه عن استعداد المملكة للوحدة مع الجماهيرية انتشى القذافي لتتلاحق الأحداث ويتم إيداع مليارات من الدولار في الخزينة المغربية ليجرى استفتاء سريع فإعلان الوحدة يوم 1 سبتمبر 1984 وبعد شهر من التحالف أعاد الحسن الكرة ليقنعه القذافي بضرورة إدماج الجيشين وأن الجيش الليبي لا ينبغي أن يكون بمفرده في اتشاد فالمغرب وليبيا أصبحا دولة واحدة عرض القذافي سحب الجيش  فرفض الحسن الثاني وقال : لا يمكن أن أرضى أن ينسحب الجيش الليبي إلا في إطار اتفاق مشرف مع فرنسا، فرح القذافي ووافق.

عاد الحسن الثاني أدراجه واتصل بميتران وهو يبتسم قال له : فخامة الرئيس لقد أنجز الأمر.  كان ذلك يوم 17 سبتمبر 1984 وفرنسا قد أسقطت إحدى طائراتها "جاغوار" والقوات الليبية على مشارف العاصمة اتشادية انجامينا.

على الجانب الآخر تحركت فرنسا واتصلت برجلها في نواكشوط معاوية ولد سيدي أحمد الطايع لتتشاور معه حول لانقلاب على الرئيس محمد خونا ولد هيداله اشترط ولد الطايع تغييب ثلاثة رؤوس عن نواكشوط هم محمد خونا ولد هيداله ومحمد الامين ولد الزين قائد قوات الدرك. طلب ميتران من وزير خارجيته برمجة قمة (افريقيا ـ فرنسا) في بوجمبوره واتصل برئيس موريتانيا محمد خونا ولد هيداله ليطلب منه الحضور تمنع ولد هيداله في البداية لكن تحت إلحاح فرنسا غادر إلى القمة ليتم الانقلاب عليه وهو خارج نواكشوط. (انتهى الاستشهاد).

اليوم وقد دار الزمان دوراته مرات وتغيرت العاصمتان نواكشوط وانجامينا من مفعول بهما إلى فاعل في المنطقة و من ساحة مصالح مشتركة بين باريس والرباط في العام 1982 م إلى قيادة معارك  إقليمية ودبلوماسية 2018 بل تتجهان نحو قيادة محور جديد متمرد على المحور الأول الذي طالما كان يعبث بغرب افريقيا.

 

نواكشوط انجامينا .. في مواجهة الرباط داكار

طفح الكيل، عقود من الزمن والمغرب يواصل صلفه وغطرسته على جيرانه جميعا بدعم سخي من باريس لولاه ما احتل أرض الصحراء وغصب أرضها عقودا من الزمن و حاول تبعية موريتانيا له.

 أخيرا قررت موريتانيا رد الصاع صاعين في معركة فرض السيادة، معركة بدأت بقصة رفع العلم على أراضي "لكويره" وادعاء المغرب أنها أرضه، فسحب السفير الموريتاني من الرباط، ثم حرب كلاميية يقودها حزب الاستقلال 24 دجمبر 2016 يستفز موريتانيا ويطالبها بالانضمام للمغرب، يرد عليه حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا ببيان شديد اللهجة يحمل لغة تحد ثم يأتي رئيس الحكومة المغربية بن كيران معتذرا ليتم  تمريغ أنفه في مدينة الهضاب الشامخة والرجال الصلاب ازويرات.

بعد ذلك غلبت موريتانيا صوت العقل فدعت إلى الجلوس على طاولة الحوار وأعادت  العلاقات الدبلوماسيية تدريجيا من خلال تبادل السفراء راعية بذلك وشائج القربى وحقوق الجوار.

غير أن المغرب سرعان ما جن جنونه بعد إعلان موريتانيا استضافة القمة الافريقية فقدم مسؤول مغربي كبير وثيق الصلة بالمخزن ودوائره الخلفية، تربطه علاقات قرابة بنفاذين في المؤسسة العسكرية، ونزل في فندق قريب من قصر المؤتمرات أمضى أياما والتقى بعدة شخصيات وخرج بتقييم يطمئن على مصالح المغرب وأن موريتانيا في طريقها إلى أن تكون حديقة خلفية للمغرب.

تسارعت الأمور وبدا أن التقييم تشوبه الكثير من الأخطاء وأن موريتانيا ما زالت عصية على التركيع، نظمت القمة  يومي 1 و2 يوليو 2018 وبدأت الوفود تتقاطر تباعا، وفكر المغرب  وقدر وأوفد الوزيرة المنتدبة في وزارة الخارجية المغربية لتمثيل بلادها في قمة وزراء الخارجية الأفارقة، وبقيت تجول تائهة في مطار أم التونسي دون أن يستقبلها مسؤول موريتاني، وخرجت من البوابة العادية تتزاحم مع الركاب الوافدين.

وخشية أن يفهم هذا التصرف على أنه غير مقصود أو خطا ابرتكولي واصلت الحكومة الموريتانية احتجاجاتها على غطرسة الجارة الشمالية؛ حيث امتنع وزير الخارجية الموريتاني اسماعيل ولد الشيخ من استقبال نظيره المغربي ناصر بوريطه ، وكلف أمينه العام باستقباله، كرد على ضعف التمثيل الدبلوماسي المغربي وعمدت السلطات المغربية هي الأخرى إلى إظهاره في قمة نواكشوط.

وواصلت نواكشوط إرسال الرسائل المغاضبة للرباط، حيث شهدت موريتانيا احتفاء منقطع النظير بتمثيل الجمهورية العربية الصحراوية، الذي كان نوعيا فلأول مرة يزور رئيس الجمهورية العربيية الصحراوية العاصمة الموريتانية بشكل رسمي، وقد لاقى احتفالا شعبيا ورسميا منقطع النظير، وحضر العديد من اللقاءات الخاصة والعامة، وأشاد الكتاب الصحراويون بنجاح القمة الافريقية وما ساهمت به من تقديم قضيتهم العادلة.

وكان خطاب العاهل المغربي محمد السادس إلى القادة الأفارقة هو "القشة التي قصمت ظهر البعير" حيث خلا من أي ذكر للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أو شكر للبلد الذي استضاف القمة، على عكس خطابات سابقة، وتعمد هو الآخر تجاهل الجهود الموريتانية والإشادة و التنويه بعملية الاستضافة.

وكرد سريع على هذا الخطاب وما اعتبرته موريتانيا رسائل غير ودية من جارتها الشمالية بدأت نواكشوط في إرسال إشارات تحذيرية إلى المغرب تمثلت في أن تأخذ موريتانيا حذرها من شركة تغولت في موريتانيا وهي شركة "موريتل"، وكانت تعتبر نفسها فوق القانون. فتم إلزامها بدفع الغرامات الناتجة عن ضعف خدمات التغطية كما راسلتها الجهات المعنية بضرورة الكشف عن "رواتب الموظفين"، والتحقق من استحقاق "مرتنة الوظائف" الذي ينص عليه القانون.  

وتأتي رزمة الإجراءات هذه في وقت يتظاهر فيه عمال الشركة، في خطوة اعتبرها البعض غير برئية وتشي بوجود أياد خفية حركتهم في هذه الظرفية بالذات، كما تأتي بعد فترة من حملة تشويه استهدفت الشركة من طرف بعض النشطاء والمدونين تحت عنوان: "خلوها تفلس".

ودائما في موضوع القمة عمدت نواكشوط إلى إرسال رسائل مماثلة للجارة الجنوبية داكار حيث استقبل الرئيس السنغالي ماكي صال من طرف الوزير الأول يحي ولد حد أمين بدل أن يستقبل من طرف نظيره محمد ولد عبد العزيز.

كما  قررت موريتانيا التوجه إلى الخصم التقليدي للمملكة المغربية الجزائر وتوطيد العلاقة مع الأخيرة  إمعانا في إغضاب الرباط، ففي الوقت الذي تزداد فيه الخطوات من أجل فتح المعبر بين موريتانيا والجزائر يوم 26 يوليو الجاري ويسعى الطرفان لتعزيز التعاون الاقتصادي في وقت يشهد البلدان حمى زيارات رسمية متبادلة.

 

قوة الساحل ضربة للمحور القديم

المواجهة الدبلوماسية مع الجارة الشمالية بقيادة موريتانيا كانت توازيها تحركات للجيش الموريتاني على الحدود الشرقية في معاقل التنظيمات الإرهابية حيث خاض الجيش الموريتاني معارك ضارية سنة 2010 في إقليم أزواد في معركتي حاسي سيدي وغابة وغادو واستطاع بعتاده المتزايد في السنوات الأخيرة تركيع تلك التنظيمات ووقفها عند حدودها، تلك المعارك الباسلة مضافة إلى استعراضات عسكرية  جعلت الجيش الموريتاني يصنف من أقوى دول المنطقة  بعد سنوات تشكل وتقود قوة جديدة لها وزن إقليمي هي مجموعة الدول الخمس (G5) وهي موريتانيا وتشاد ومالي والنيجر وبوركينافاسو، هذه القوة التي أشادت بها فرنسا في محاربة الإرهاب.

وقد استطاعت موريتانيا أن تمنع السنغال من الدخول فيها بعد محاولات كثيرة وضغط من فرنسا، كما أن اقوى دولتين في هذا المحور هما موريتانيا واتشاد وهما من يقود هذا المحور الجديد في مقابل حلفاء المحور الثاني. .

 

ود فرنسا.. وحرب النفوذ

هي إذن حرب النفوذ وفرض السيادة في منطقة الساحل بين نواكشوط وانجامينا من جهة وبين الرباط وداكار من جهة كما أنها سباق لكسب ود دولة فرنسا التي لم ترفع أياديها عن منطقة غرب افريقيا منذ ان منحتها الاستقلال منتصف القرن الماضي.

مهما يكن فإن فرنسا والقوى العظمى تحسب لهذا المحور الجديد المتمرد ألف حساب خاصة أنه يتمتع بقوة ضاربة في غرب افريقيا وموجود على الميدان، كما أن المحور القديم الذي يتعرض يوميا لإهانات متعمدة من طرف المحور المتمرد لن يدخر جهدا في مقارعة من يعتبرهم متمردين.

اقرأ أيضا