أسامر الليل علّه يحذثني عن فلذة كبدي إسحاق

أربعاء, 2014-12-17 01:10

أسائل الليل المدلهم إذ يرخي سدوله قبل ساعات على عاصمة الملثمين.. وإذ يسكن ويهدأ مع صمت المدينة..  وإذ تنام  الأعين ويسمع نخير وشخير في كثير من الدور المجاورة.. وإذ يغرق حكام وملوك في سبات عميق لا يرحمون تأملاتي .. وإذ تخشع الأصوات جميعا إلا أزيزا بالكاد يسمع.

أسائل الليل وقد عجزت عن المنام في جوفه مند ودّعت ولدي قبل عام ونيف.. أسائله أسامر ليلة طويلة طويلة مظلمة من ليالي افتقاد الولد وابتعاده عن الحضن وإخراجه عنوة من الديار والمرابع..

با أيها الليل الطويل الممتد من بحر الظلمات إلى وديان الشام .. هل عرفتني؟ وهل سمعت صوتي الخافت؟ وهل قرأت قصتي في صفحاتك الماضية؟

أنا مسكينة من بلاد منسية، أنا والدة فارس شجاع ودّعني قبل عام ممتطيا صهوة جواده في بحثه عن الحقيقة التي كان مقتنعا بها منذ نعومة أظافره.. ودّعني الفارس وهو يقول : يا والدتي لا تحزني أنا عائد إليكم.. لكن رحلته ستقوده إلى جزيرة العرب ومنها إلى الشام..

أيها الليل لا تقاطعني انتظر قصة ولدي لم تنته بعد..

ثم ذهب نجلي إلى الشام يراسلني مرات بعيونه التي لا أحب مرافقتها وصوته الذي يذكرني بأيام صباه.. كنت أراه على شاشات الدنيا ثم يبتسم لي وكأنه يقول  : أمي أنا معك حتى في داخل البيت..

 وقضى الولد أشهرا وهو يراسلني بل يراسل العالم بأخباره وأخبار منطقة من العالم أكثر سخونة، كنت أفتخر أن لي ولدا ينقل صوت المظلومين المهمشين، كنت أفاخر آخرين أن سليلي إسحاق نصيرا وحيدا للمعوزين البؤساء في منطقة قليلون هم أولائك الذين يستطيعون ولوجها لكنه دخلها بإراداته..

ايها الليل .. وبينا نحن في عيد الاضحى المبارك وحيث يتحلق الأطفال معي ننتظر صوته الذي لا أستطيع أن أستريح بدونه إدا بالقوم يكتبون في خبر عاجل و محزن وعريض بخط أزرق "فقد الاتصال مع الزميل إسحاق مختار..." خبر لم استطع إكماله ولم أستطع قراءته لا اريد أن أراه...

يا ليل .. هذه أنا  أتأمل في نجومك المنسابة وأعيد البصر كرتين فأتخيل أن ولدي يراقبها معي ويبتسم ليوم العودة، ويقول في نفسه : يا أسفي على تلك الوالدة الحنون..

أتنفس نسيما خفيفا قادما من الشرق البعيد أحاول جاهدة أن أشم فيها رائحته التي ما تزال في أنفاسي.. ويا سبحان الله في نسائمك علاقة غامضة بالحرية.. أرجو أن تكون رائحتها تهب الآن...

أيها الليل أسامرك ... أسائلك. . مالك صامتا لا تجيبني؟ مالي أسألك عن مصير فلذة كبدي وأنت أخرس لا تتحدث.. أرحمني حيث لا قلوب رحيمة تلفت إلي.. خذلني رجال العرب من المحيط إلى الخليج.. ارحمني أيها الليل فلم يعد لدي أمل بعد الله إلا مسامرتك.. أرجوك لا تخذلني كما خذلوني..

 

 

مختار بابتاح

اقرأ أيضا