نواكشوط ليست مدينة/ اسماعيل ولد الشيخ سيديا

اثنين, 2018-09-24 11:31

في مدينة انواكشوط من موجعات القلب ما إن الكتابة عنه لَغيرُ دقيقة دائما، مدينة مترامية الأطراف ليس بها نقل عمومي ولا إضاءة عمومية ولا منتزهات عمومية ولا عنونة للمنازل عمومية.
إن أردت أن تدل شخصا على بيتك في انواكشوط فستؤلف قصيدة ثقيلة من الشعر الحر بها من المسميات والأوامر بشيء أقرب إلى الرقص ما ينفر.
"إذا كنت قادما من المكان الفلاني انتظر حتى يسد عليك الطريق ثم اسلك يمينك وتمعن في واجهات المباني سترى البقالة الفلانية وقد كتب عليها كذا وكذا، إن لم تكن تحولت إلى مغسلة وما إن تقابل المخبزة التي تليها توقف لآتيك أو ستجدني أمامك" وهكذا لكل استدلال مكالمة ولكل دال ومدلول رحلة معاناة مع الهاتف والشوارع والعلامات.
وحين تتوقف ليلا على قارعة الطريق في حي شعبي وبعد طول انتظار ترصف أمامك سيارة عتيقة فرنسية الصنع في الغالب بها من الندبات والكدمات ما يمكن أن يشكل موضوعا أحفوريا أغنى من أهرامات الجيزة، وقد ملئت ناسا حزانى غير مرتاحين. وبكل وقاحة يسألك سائقها أين المسير؟ وكأن الخدمة جيدة وجاهزة . في حين أن لامكان لك أصلا في المركبة المهترئة إلا بعد أن تتحول إلى قطعة مطاط صبورة. 
سيناريوهات من فرط تكرارها تحولت إلى شيء عادي جدا ومظهر قهري من مظاهر مدينة لها رئيس دولة وألف وزير و ثلاث ولاة وتسع عمد وتسع حكام ورئيس مجلس كان حضريا وصار جهويا، وبها من الجند والقوة العمومية ما يكفي لتغيير واقع وعنونة دولة وتنظيم مرور في دلهي أحرى سبخة مأهولة مثل انواكشوط.
سكان انواكشوط الذين جالوا في مدن العالم يعون أننا في طاحونة للفشل والأمر الواقع ولسنا في مدينة.
أحيانا أتساءل هل نحن فعلا جادون حين شكلنا سلطة تنظيم النقل ؟ وهل فعلا نحن جادون في تسمية وزارة ووزير للنقل؟ وهل نحن راضون بمدينة يتم التعرف فيها على الأحياء بمسجد فلان وعمارة فلان ومنعرج الحيوان الفلاني ؟ 
هل نحن موفقون في اختيار مكان انواكشوط أصلا ؟ ومن يفعل ماذا في مدينة انواكشوط ؟ وعلى من الملام ؟
وتبقى تسمية الأحياء على قرى أفغانية وأخرى عراقية ومدن فلسطينية وأخرى سعودية أم المعضلات التثاقفية والتعالقية وتحتاج ألف ضمير ونفير.
نحن في عالم رئيس وزراء المملكة المتحدة باب مكتبه فيه يقع تحت الرقم 10 في شارع داونينغ ستريت.
والتاكسي قطاع استراتيجي وأمني يدر الدخل ويحارب البطالة ويعز الدول ويذلها، إذ لا أحد في عالم اليوم يستخدم سيارته الشخصية في أوقات الدوام.
لا أعتقد كبراءنا نزلوا من السماء فمعظمهم كان ومايزال من رواد هذا الفلتان وزبنائه وقد يعود إليه.
النقل العمومي وترقيم البيوت والشوارع ملحمة انواكشوط القادمة، إن صلحت صلح وإن تفشى فشلها ستظل مجرد قرية سمينة مهترئة الجوانح والجوارح مهجورة ومقيتة ويتندر المتندرون بمجرد المبيت فيها.
فحتى المواطنون الموريتانيون الذين وقفوا على الفاجعة انواكشوطية وجدوا الحل في الاستغناء عن النقل العمومي والاعتماد على الطريقة العمياء في عنونة البيوت، وفضلوا السكوت.

 

.....................

من صفحة الكاتب على الفيس بوك

اقرأ أيضا