محمود ديكو.. الإمام الذي يتحدى السلطة في مالي (بورتريه)

اثنين, 2020-07-13 09:29

 

محمود ديكو.. الإمام الذي يتحدى السلطة في مالي

تستمر حشود ضخمة في حملة احتجاجات جماهيرية في جميع أنحاء مالي متجاهلة أي مخاوف بشأن فيروس كورونا، وذلك للمطالبة باستقالة الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا الذي يعاني عزلة متزايدة.

الفساد والمحسوبية وتردي الخدمات العامة وضعف القيادة الوطنية والممارسات الانتخابية السيئة وعجز الحكومة عن إنهاء العنف الفئوي وعنف الجماعات المتشددة... كلها عوامل غذت الإحباط الشعبي.

 

صوت حاسم

وقد تكتلت أحزاب المعارضة السياسية لتنظيم المظاهرات، ولكن صوتها لم يكن هو الصوت الحاسم الذي دفع بشكل متكرر عشرات الآلاف إلى الخروج إلى الشوارع إظهارًا للغضب العام بشكل لم يسبق له مثيل منذ عقود، ومجبرين الآن كيتا ووزراءه على التفاوض. بل إن من يقف فعلاً خلف هذه التعبئة ويجذب الكتلة الجماهيرية الحرجة هو الإمام محمود ديكو.

فهو اللاعب الأساسي في التحدي أمام رئيس يبدو متراخياً وخالي الوفاض من الطاقة والأفكار في مواجهة المعضلات الضخمة التي ما فتئت تتراكم في مالي، رغم وجود ما يقرب من 15000 جندي دولي ورغم حقنات متتالية من المساعدات الخارجية.

وليس الإمام ديكو مجرد مبتدئ قادم من المجهول ليتبوأ الزعامة الروحية في هذا البلد المسلم.

لقد كان ديكو لاعبًا رئيسيًا في الحياة العامة منذ عقد من الزمن على الأقل، ولكنه اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يُظهر نفوذه. ففي أبريل 2019، نظم احتجاجات فرضت إقالة رئيس الوزراء آنذاك سومايلو بوبو مايغا.

 

توسع الاحتجاجات

واقتصر الاحتجاج الضخم هذا العام في 5 يونيو على صلاة الجمعة، على العاصمة باماكو ومدينة سيكاسو في الجنوب.

ولكن بعد أسبوعين، خرجت حشود في خاي في الغرب، وسيكو في جنوب الوسط وحتى في مدينة تمبكتو التاريخية، على تخوم الصحراء، وقد تتوسع هذه الحركة أكثر.

وقوة التعبئة التي يحظى بها الإمام ديكو هي التي منحت حلفاءه السياسيين التقليديين قوة على مائدة المفاوضات. ففي يوم الثلاثاء (23/06)، جلس قادة المعسكر الحاكم بزعامة كيتا لإجراء محادثات مع تحالف المعارضة المعروف بـ"أم 5"، ولكن قبل ذلك بيومين كانوا قد التقوا الإمام أولاً، لإدراكهم أنه يتمتع بالشعبية التي قد تكون حاسمة.

وقد حرص وسطاء دوليون أيضًا، من بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي والاتحاد الأوروبي والتكتل الاقتصادي لدول غرب إفريقيا "أيكواس"، على الاستماع إلى الإمام ديكو.

 

رجل دين محافظ

وقد برز في عام 2009 رئيسًا للمجلس الإسلامي الأعلى، حيث قاد حملة احتجاجات جماهيرية أجبرت رئيس مالي آنذاك أمادو توماني توري على تخفيف بعض أحكام قانون الأسرة الذي كان من شأنه تعزيز حقوق المرأة، وأكد ذلك الحدث دور ديكو بصفته رجل دين محافظًا بارزًا.

ولد الإمام ديكو في منتصف خمسينيات القرن الماضي في منطقة تمبكتو، وكان في الأصل مدرسًا للغة العربية. وقد درس في السعودية وتحول إلى زعيم ديني لمسجد بادالابوغو، وهي ضاحية من باماكو تقع على ضفة النهر. كما شغل منصب الأمين العام لأبرز هيئة حكومية دينية إلى أن انتهى نظام الحزب الواحد وبدأت الديمقراطية قبل ما يقرب من ثلاثة عقود.

ورغم تعليمه في السعودية، إلا أن الإمام ديكو لم يعتنق أبدًا التفسير الوهابي المتشدد للإسلام. بل هو في الحقيقة مدافع عن الإسلام التقليدي المنتشر في غرب إفريقيا، وهو محافظ في نظرته إلى قضايا الأسرة، لكنه مدافع قوي عن جذور مالي الثقافية في الحقب التي سبقت الإسلام، وعن الثقافة الدينية التعددية وعن هيبة التصوف. فتمبكتو، على سبيل المثال، تُعرف باسم "مدينة القديسين الـ333".

وطالما عارض الإمام ديكو فرض عقوبات جسدية قاسية باسم الإسلام، كما ناهض الأيديولوجية الجهادية العنيفة. وعندما استولى متشددون إسلاميون على شمال مالي في عام 2012، حاول التوصل إلى حل من خلال المحادثات، وحتى إنه التقى بالقائد الجهادي إياد أغ غالي.

لكن حين تخلى المسلحون عن الحوار وشنوا هجومًا جديدًا، مهددين باختراق جنوب البلاد والتقدم نحو باماكو، رحب الإمام ديكو بتدخل فرنسا العسكري في يناير 2013، بحجة أن جنودها كانوا ينقذون الماليين الذين "كانوا في محنة" بعد أن تخلت عنهم الدول الإسلامية.

 

تكوين حركته الإسلامية

لكن بالنسبة للإمام ديكو، لم يكن الترحيب بالتدخل الفرنسي الذي أنقذ باماكو من الجهاديين يعني أبدًا انخداعًا بالأجندة الواسعة للحداثة الليبرالية، فقد دافع دائمًا عن القيم الاجتماعية المحافظة، وفعل ذلك أحيانًا بلغة شديدة. لقد تمسك ديكو دائمًا باتجاهه المحافظ، واعتبر أن المسلحين المسؤولين عن هجوم عام 2015 على فندق راديسون بلو في باماكو أرسلهم الله لمعاقبة الماليين على المثلية الجنسية المستوردة من الغرب.

وتظهر مشاعره القومية عندما يتهم فرنسا بأن لها طموحات في إعادة بلاده إلى عهد الاستعمار. وهو في هذا يشبه العديد من مواطنيه، إذ إن منهم مَن هم سعداء بإنقاذهم في عام 2013، لكنهم تعبوا من عملية عسكرية فرنسية لم تتمكن حتى الآن من القضاء على الجماعات الجهادية المسلحة، وهذا الخطاب الشعبوي يبوئه اليوم مكانة لاعب مؤثر في الأزمة السياسية الراهنة.

وبالعودة إلى انتخابات عام 2013، فقد أيد فيها كيتا، الذي كان يترشح للرئاسة رافعًا شعارات كبرى بشأن استعادة الكرامة الوطنية بعد أزمة هزت البلاد طوال العامين السابقين. وفي ذلك السباق الانتخابي وفي الانتخابات الموالية عام 2018، كان كيتا يسحق أبرز منافسيه، التكنوقراطي سومايلا سيسي.

أما اليوم فالرئيس واقع تحت عزلة سياسية بينما يوجد سيسي رهينة في أيدي المقاتلين المتشددين، بعد اختطافه أثناء خوضه الحملة الانتخابية في المناطق الريفية للانتخابات البرلمانية في مارس الماضي.

أما الإمام ديكو فقد تخلى عن كيتا عام 2017 وتنحى العام الماضي عن قيادة المجلس الإسلامي الأعلى ليشكل حركته السياسية الإسلامية الخاصة به، وهي منسقية الحركات والجمعيات والمتعاطفين (CMAS).

وشارك ديكو في محاولات لإيجاد حوار جديد مع آغ غالي وغيره من القادة الجهاديين الذين ما زالوا يواصلون الكفاح المسلح، وهو الطريق الذي يحاول كيتا اتباعه أيضًا.

 

حامل لواء الوطنية

لكن الخلاف السياسي بين الإمام ديكو والرئيس كيتا ما زال عميقًا، وحلفاء ديكو المعارضون علمانيون والاحتجاجات الحالية يغذيها الغضب على كل ما حدث من أخطاء، أكثر من ما هي أي طموح شعبي واسع لتحويل مالي إلى جمهورية إسلامية.

وإلى جانب الأزمة الأمنية المستحكمة في جميع أنحاء الشمال، ظهرت سلسلة من فضائح الفساد، بينما أدى إضراب المعلمين بالفعل إلى إغلاق العديد من المدارس قبل فترة طويلة من إجراءات الإغلاق بسبب فيروس كوفيد-19.

وتبدو الفرص ضئيلة بأن يقبل كيتا التنحي ببساطة، وهو الذي أعيد انتخابه في 2018 بتفويض قوي، لكنه قد يوافق على التراجع إلى دور شرفي أكثر، بينما تنضم المعارضة إلى حكومة وحدة وطبة تبعد مقاليد السلطة الحقيقية من يديه. ومهما حدث، فإن عدد المأموريات الرئاسية المحدد يمنع الرئيس من الترشح مرة أخرى عام 2023.

فهل يمكن أن يترك ذلك المجال مفتوحًا أمام الإمام ديكو للظهور حاملاً لواء قوى وطنية تقليدية ساخطة على الصفقات والتسويات التي اعتادت إبرامها الطبقة السياسية التقليدية؟

الكاتب: بول ميلي، محلل شؤون غرب إفريقيا في البي بي سي.

ترجمة وتحرير: الشروق ميديا

يمكنم الاطلاع على المادة الأصلية هنا

 

 

اقرأ أيضا