هل تستطيع موريتانيا حماية استقرارها السياسي؟ (تحليل)

سبت, 2020-09-19 13:01

هل سينجح الرئيس الموريتاني في إبقاء الانتقال السياسي في البلاد على المسار الصحيح من خلال صد محاولات سلفه للتسلل إلى السلطة؟

 

 

بقلم: انتصار فقير* وآبي أوكيف** (معهد كارنيجي للسلام)

تحقيقات مكافحة الفساد في موريتانيا ضد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز مدفوعة بجهد مشترك على نطاق واسع لإحباط رغبة الرئيس السابق الواضحة في العودة إلى السلطة. فقد أدت شعبية ولد عبد العزيز المتدنية في الأوساط العسكرية والطبقة السياسية والموريتانيين إلى توحيد النخبة وراء حملة قضائية قد تنتهي به وراء القضبان. وقد اعتُقل في 17 أغسطس بتهمة الفساد، ثم أفرج عنه بكفالة مشروطة في 24 أغسطس.

تولى ولد عبد العزيز السلطة عام 2009 بعد انقلاب شارك في التخطيط له عام 2008. وكانت درجة جشعه واندفاعه لإحراز الثراء لنفسه معروفة على نطاق واسع. وقد وصل الأمر بأحد قادة المجتمع المدني، الذي تحدث بشرط عدم ذكر اسمه في مقابلة مع كاتب المقال عبر واتساب في سبتمبر 2020، إلى حد القول إن "ولد عبد العزيز... متعطش للسلطة وعدواني ولن يستسلم إلا إذا تم إيقافه". وخلال السنوات العشر التي قضاها في المنصب، حصّن نفسه من المساءلة رغم نداءات المعارضة للتحقيق في الفساد. وقد دعم الرئيس محمد ولد الغزواني لخلافته، آملاً أن يكون ولد الغزواني دمية بين يديه، لكن منذ البداية، أظهر الرئيس الجديد الذي تولى منصبه في أغسطس 2019 إشارات إلى القطيعة مع الرئيس السابق.

 

مستويات مذهلة من الفساد والمحسوبية

أعلنت الجمعية الوطنية عن إنشاء لجنة التحقيق البرلمانية في يناير 2020 إلى للتحقيق في صفقات حكومية مشبوهة أبرمت خلال فترة ولاية ولد عبد العزيز. ويبدو أن اللجنة، المكونة من أعضاء من المعارضة والحزب الحاكم، أجرت تحقيقاتها إلى حد بعيد دون أن يواجه عملها تدخلات. وقد فحصت عددًا من المشاريع بما في ذلك مشاريع بنية تحتية بقيمة 1.14 مليار دولار، ومحطة للحاويات والمحروقات في ميناء الصداقة في نواكشوط، وبناء وإدارة مجمع للصيد في نواذيبو، من بين صفقات أخرى. نتائج عمل اللجنة أظهرت أن كبار المسؤولين في الدولة تواطؤوا مع المستفيدين من بيع الأراضي العامة، ومنحوا مئات الملايين من الدولارات في امتيازات غير قانونية، وحققوا أرباحًا مذهلة من خلال الشراكات، على سبيل المثال مع شركات الصيد الأجنبية التي شاركت في التهرب الضريبي على حساب مجتمعات الصيد المحلية.

وبعد نشر التقرير في أواخر يوليو، أُجري تعديل حكومي في 6 أغسطس  أُقيل فيه ستة مسؤولين، منهم ثلاثة وردت أسماؤهم في التقرير أو تورطوا في ذلك، رغم أن الأمين العام لرئاسة الجمهورية أعلن أن أي شخص بُرئ من ارتكاب أي مخالفة يمكنه استعادة منصبه.

ويبدو أن العديد من الصفقات التي تناولها التحقيق قد استفاد منها ولد عبد العزيز وعائلته المباشرة والعديد من المقربين منه. ومن الأمثلة على ذلك  البيع المثير للجدل لـ 80% من أسهم منجم فديرك. ويحتوي المنجم على 30 مليون طن من خام الحديد الجيد، في حين أن التعدين مثل أكثر من نصف  عائدات موريتانيا من التصدير في أواخر تسعينيات القرن المنصرم. وكشفت لجنة التحقيق أن محمد مصبوع صهر ولد عبد العزيز كان متورطًا في عملية البيع التي حصلت على ما يبدو دون موافقة مجلس إدارة الشركة الوطنية للصناعة والمناجم. وتُظهر الصفقة رغبة ولد عبد العزيز في الاستفادة من الموارد الطبيعية للبلاد لتحقيق مكاسب شخصية. حكومة الرئيس السابق  منحت أيضًا  3.5 مليون متر مربع من الممتلكات لثماني عشرة شركة وهمية، وانتهكت قانون المشتريات العامة في عدد من مشاريع البنية التحتية، وانتهكت بشكل صارخ لوائح إدارة المشاريع من خلال منح عقود البنية التحتية للشركات العامة التي نقلت أصولاً إلى أسرة ولد عبد العزيز وحلفائه السياسيين.

 

سلسلة محاولات لاستعادة السلطة

ومن أسباب التحقيق أن ولد عبد العزيز أظهر بوضوح أنه كان يأمل  أن يظل جزءًا من الحالة السياسة في موريتانيا بعد مغادرة منصبه. فمبجرد خروجه من السلطة، حاول ولد عبد العزيز أن يستمر في قيادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، الذي أسسه عام 2009. وفي نوفمبر دعا ولد عبد العزيز إلى اجتماع برئاسته مع اللجنة المؤقتة لتسيير الحزب لنقاش خططه في الحفاظ على نفوذه ودوره داخل الحزب. وبعد أيام قليلة من الاجتماع، رد 22 عضوا من أصل 27 عضوا باللجنة بتوقيع بيان يعترف  بولد الغزواني مرجعية للحزب. وقد عجّل ولد الغزواني فورًا مؤتمر الحزب العام ببضعة أشهر وعزز موقفه أكثر عبر تأمين مناصب قيادية لحلفائه.

وفي غضون ذلك، كان ولد عبد العزيز يناور من جانبه لتعبئة البرلمان ضد ولد الغزواني. وفي محاولة للسيطرة على الحزب الحاكم، ادّعى أنه كان  من غير الدستوري أن يتزعم لولد الغزواني حزب الاتحاد من الأجل الجمهورية. ولد عبد العزيز   صرح أيضًا  بأن "الإخوان المسلمين" قد اخترقوا الحكومة الجديدة، وحتى إنه حاول السيطرة على حزب أصغر، الحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي، للحصول على موطئ قدم في الساحة السياسية. ووفقًا لشائعات كثر تداولها، فقد حاول أيضًا انتزاع السيطرة على الحرس الرئاسي "كتيبة الأمن الرئاسي". وبعد هذه المحاولات، أجرى ولد الغزواني تغييرًا كبيرًا  في حراسه الأمنيين وفي القادة العسكريين لإبعاد الشخصيات القريبة من الرئيس السابق أو المرتبطة به.

 

الرئيس الحالي والتوازن الدقيق

رغم أن ولد عبد العزيز قد خسر دعم القادة العسكريين البارزين (الذين شارع أنهم رفضوا في نهاية فترة ولايته الثانية أن يدعموه لولاية ثالثة وأقنعوه بتسليم السلطة سلمياً) ما يزال ولد الغزواني يواجه نوعاً من التوازن الدقيق. فمن ناحية، إذا فشل الرئيس الحالي في وضع حد نهائي لمناورات سلفه، فقد يواصل الرئيس السابق جهوده لشق طريقه للعودة إلى السلطة، وربما باستخدام الشبكات الإرهابية القديمة والميليشيات وفصائل داخل الجيش... وتعبئة من خاب أملهم في النظام الحالي. ومن ناحية أخرى، إذا سُجن ولد عبد العزيز وجُرد من ثروته، فقد يعترض أفراد عشيرته (قبيلة أولاد بالسباع) بدافع التضامن القبلي، وربما يحشدون متعاطفين لإثارة اضطرابات.

وقد كشفت هذه الحملة غير المسبوقة لمكافحة الفساد عن جشع ولد عبد العزيز الذي فاق الحدود، وعن رغبة النخبة الحالية في منع عودته إلى السلطة. وفي مقابلة عبر واتساب في سبتمبر 2020 مع كاتب المقال، عبر المتحدث باسم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية سيدي أعمر ولد شيخنا عن الأمر بهذه الطريقة: "إن الوضع يتجاوز مجرد إبعاد رئيس سابق له طموح غير ملائم ولا يحظى بالشعبية. القضية هي أن رؤيته للأمور... لا تخدم الاستقرار ولا تمثل التحول الديمقراطي ولا تناسب البلد الآن". وبينما لا تشير الحملة إلى جهود أوسع لتعزيز الرقابة على العمل الحكومي، فإنها توضح مع ذلك ما يمكن فعله عندما توجد جبهة سياسية موحدة للحفاظ على الاستقرار والالتزام بالمسار السياسي القائم.

___________
* انتصار فقير هي زميلة ورئيسة تحرير "صدى" في برنامج كارنيجي للشرق الأوسط.

** آبي أوكيف هي متدربة في برنامج كارنيجي للشرق الأوسط.

ترجمة: الشروق ميديا

يمكنكم الاطلاع على المادة الأصلية هنا.

اقرأ أيضا