منصة الفيس بوك

استطلاع حول الرئاسيات القادمة

لمن ستصوت في الرئاسيات القادمة؟
غزواني
74%
المرتجى
3%
امادي
7%
سوماري
8%
با بكاري
0%
العيد
1%
بيرام
4%
محايد
3%
مجموع الأصوات : 74

رحيل إدريس ديبي وأسئلة الأمن في الساحل؟ (ترجمة)

سبت, 2021-05-22 17:51

ترجمات "الشروق ميديا" | إذا كانت وفاة الرئيس التشادي تفتح الباب لإمكانية انطلاق مسار سياسي جديد للبلاد، بعد 30 عامًا من الحكم، فإن عملية انتقالية يطبعها التنازع تتضمن مخاطر تفاقم الاضطراب في منطقة الساحل.

في الـ 20 من أبريل 2021، ظهر اللواء عازم برماندوا المتحدث باسم الجيش الوطني التشادي على شاشة التلفزيون ليعلن عن وفاة الرئيس إدريس ديبي إيتنو. وبحسب الادعاءات الرسمية، ربما قُتل إدريس ديبي خلال اشتباك مع مقاتلين من جبهة التناوب والوفاق في تشاد (فاكت)، وهي جماعة مسلحة تأسست عام 2016 وتناهض السلطة التشادية.

ويعتبر رحيل إدريس ديبي حدثًا رئيسيًا من أكثر من وجه. أولاً، لأنه يضع حداً لـ 30 عاماً من ممارسة السلطة من رئيس دولة كان قد فاز للتو بولاية سادسة بعد نشر نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ساعات قليلة قبيل وفاته.

ثم لأن السياسة التشادية التي قادها إدريس ديبي مكّنته من اكتساب دور لا غنى عنه لأمن الساحل ووسط إفريقيا منذ عدة عقود، ولاسيما بعد الانخراط الفرنسي في مالي في عام 2013.

ومع رحيل ديبي، أصبح مستقبل الأمن جزئياً في منطقة الساحل الآن موضع تساؤل.

كان إدريس ديبي إيتنو يجمع تحت زيه المدني كل سمات أمراء الحرب في الساحل، وهي سمات بالمناسبة لم يكن يتردد في التظاهر بها. فإدريس المنتمي إلى فرع من قبيلة الزغاوة (وهي قبيلة تشادية سودانية مشهورة تاريخيًا بتقاليدها الحربية)، عرف مبكرًا حياة أولئك الذين سيتحدّون لاحقاً سلطته بانتظام محاولين الإطاحة به: فمن معارضة نظام الرئيس حسين حبري في الثمانينيات (والذي كان رغم ذلك مساعداً له قبل بضع سنوات)، انتقل ديبي إلى تأسيس الحركة الوطنية للإنقاذ (أم بي أس) عام 1990 وشن بدعم سري من فرنسا هجومًا عسكريًا من السودان المجاور مكّنه من الاستيلاء على العاصمة التشادية في ديسمبر من نفس العام.

وهكذا ارتدى المتمرد البذلة المحترمة لرئيس الدولة، وهو اللقب الذي سيحصل عليه رسميًا عام 1996 عند انتخابه لأول مرة.

وكان يمكن للمرء أن يظن أنه الرئيس التشادي الجديد، بمجرد الاستيلاء على السلطة، سيضع الزي العسكري في الخزانة، لكن الأمر سيكون بخلاف ذلك تمامًا.

لقد اعتلى إدريس ديبي هرم السلطة في تشاد خلال فترة حاسمة من التاريخ الجيوسياسي للقارة. فمع نهاية الحرب الباردة، لم يعد بوسع إفريقيا أن تكون مسرحًا للاستراتيجيات التقليدية لتأثير وتدخل القوى الأجنبية.

كان هذا هو الحال بشكل خاص بالنسبة لفرنسا، التي كانت لها علاقات وثيقة مع تشاد لفترة طويلة، والتي وجدت نفسها بحاجة خلال تسعينيات القرن المنصرم، إلى تعديل موقفها من خلال تقليص حجم تدخلاتها العسكرية وحجم ظهورها، خاصة بعد مأساة رواندا.

وأصبحت الحاجة إلى حليف عسكري أفريقي جدير بالثقة ملحة بشكل خاص لسياسة فرنسا في إفريقيا. وقد استطاع ديبي الاستجابة بسرعة كبيرة لهذا الطلب مستغلاً بانتظام قواته لنشرها خارج البلاد (جمهورية الكونغو الديمقراطية، جمهورية إفريقيا الوسطى، مالي) ضمن عمليات متعددة الأطراف أو دعماً لفرنسا، كما حدث أثناء عملية "سيرفال" في عام 2013.

وهكذا نجحت الصفات العسكرية لرئيس الدولة التشادي في ترسيخ وجوده سواء لدى القادة السياسيين الفرنسيين أو نظرائهم الأفارقة.

وبالمناسبة كان دور القوات التشادية أيضًا موضع تقدير، وبشكل خاص عندما ندرك وضعية مختلف الجيوش الوطنية في القارة والصعوبة التي تلقاها في تنفيذ عمليات واسعة النطاق بشكل فعال، لاسيما في منطقة الساحل.

 

شرعية سياسية تتجه إلى الخارج

تمكّن إدريس ديبي من حجز موقع لا غنى عنه للأمن الأفريقي في عدة مناسبات في فتراته الرئاسية المختلفة. فقد أسهم بنشاط بالجنود في العديد من البرامج والعمليات العسكرية المتعددة الأطراف: البرنامج الأمريكي لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل (الشراكة عبر الصحراء لمكافحة الإرهاب)، وقوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات، وبعثة الأمم المتحدة في مالي "المينوسما"، واكتسبت مشاركته زخمًا منذ الحرب في مالي عام 2013.

كان النشر السريع للجنود التشاديين، بناءً على طلب فرنسا، استعراضاً هائلاً للقوة ونجاحًا عسكريًا ودبلوماسيًا في آن.

ولم تنجح القوات المسلحة التشادية فقط في دعم الجيش الفرنسي بنجاح ومثابرة، ولكن بالإضافة إلى ذلك استطاع الرئيس ديبي نفسه أن يكتسب أهمية لا يمكن إنكارها، ولاسيما ليصبح البلد الرئيسي في قوة الساحل "جي 5" التي أسهم في إنشائها.

وقد مكّنه هذا الريع الجيوسياسي والأمني أيضًا من الحفاظ على شرعيته على الساحة الخارجية، بينما كان معارضوه يرفضون بشكل متزايد شرعيته الداخلية.

كان إدريس ديبي الذي يتعرض بانتظام للنقد بسبب سلطويته يبحر في المياه المضطربة للحياة السياسية التشادية التي تتخللها دورات مزمنة من الاضطراب.

ففي مرات عديدة (2006، 2008، 2019)، تعرض نظامه للتهديد المباشر من الحركات المسلحة، القادمة غالبًا من المناطق الشمالية (بوركو، إينيدي، تيبستي) أو من السودان المجاور.

وقد تطلب تأمين سلطته أيضًا استراتيجيات ماهرة في استمالة الحلفاء المؤقتين أو أعضاء عشيرته الذين قد يصبحون منافسين، وتوزيع الوظائف السياسية والعسكرية عليهم.

وفي ظل فتراته الرئاسية المختلفة، التي كانت تجدد دون أن يخلو الأمر من بعض "الترتيبات" الدستورية، اقترح ديبي إذن سياسة تشادية موجهة أساسًا نحو بيئته الخارجية. فقد اشتملت، على سبيل المثال، على استثمار عائدات استغلال بعض الموارد البترولية خلال الفترة 2000-2010، في شراء معدات عسكرية رغم الحاجة الماسة إلى كل الضروريات في بلد يعتبر، حتى اليوم، واحداً من أفقر بلدان العالم.

وكان شراء السلام بالسلاح وتقوية البلاد عسكرياً حلاً سمح للرئيس الراحل بالبقاء في السلطة في مجتمع تشادي ما يزال مستقبله شديد الغموض.

 

أي مستقبل لتشاد والأمن في منطقة الساحل؟

بعد وفاة إدريس ديبي، يتولى اليوم نجله محمد ديبي الرئاسة من خلال مجلس عسكري انتقالي أنشئ بمرسوم يعلق التطبيق العادي للدستور لمدة ثمانية عشر شهرًا، بينما يحل ميثاق انتقالي بالقوة محل الدستور.

لا تتوافق هذه العملية مع ما ينص عليه الدستور التشادي (تنص المادة 82 على أنه في حالة الشغور الاستثنائي للسلطة، يتولى رئيس مجلس الشيوخ المنصب مؤقتاً وإلا يتولاه النائب الأول للرئيس) ولكنها تسوَّغ رسميًا بحالة الطوارئ الأمنية التي تسود البلاد. وإذا كان هذا الحكم غامضًا إلى حد ما، فإنه يشكك أيضًا في استمرارية مؤسسات جمهورية تشاد.

هل سيتولى محمد ديبي زمام الأمور بعد والده على المدى الطويل أم أنه قد يواجه اضطرابات أو حتى يواجه الإطاحة به على أيدي معارضي النظام وخاصة من مقاتلي جبهة التناوب والوفاق في تشاد، الذين يحمَّلون المسؤولية عن وفاة الرئيس إدريس ديبي؟

إذا كانتً الإجابة على هذا السؤال أمراً مبكراً جداً كما هو واضح، فإن معضلة شائكة ستنشأ حتما بالنسبة للفاعلين السياسيين الأفارقة والدوليين على نطاق أوسع: هل يجب الترحيب بالانتقال في ظل الاستمرار لنظام إدريس ديبي على يد نجله أم ينبغي فتح أبواب جهنم من أجل عهد سياسي جديد في تشاد؟

إذا كانت وفاة الرئيس التشادي تفتح الباب من ناحية لإمكانية انطلاق مسار سياسي جديد بالبلاد، بعد 30 عامًا من الحكم، فإن عملية انتقالية يطبعها التنازع تتضمن مخاطر تفاقم الاضطراب في منطقة الساحل.

وثمت مع ذلك أمر واحد مؤكد، وهو أن رحيل إدريس ديبي يجب أن يكون فرصة لإعادة التفكير في هياكل السلام والأمن في منطقة الساحل في إطار أكثر توازناً واستدامة وعمقاً.

لقد تضاءلت إمكانيات اعتماد هذا الأمن على تحالفات ضيقة، وبهذا المعنى، يجب أن تدعم كل الدول الإفريقية وتشجع جهود مجموعة الخمس بالساحل. ففي النهاية، كانت فكرة أمن الساحل الذي يوفره الأفارقة أنفسهم طموحًا يشاركه الرئيس الراحل.

جوليان ديران دو سانتيس – أستاذ العلوم السياسية بمعهد "سيانس بو الرباط".

المصدر: "ميدل إيست آي".

ترجمة: الشروق ميديا

للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

اقرأ أيضا