أوسلو الصحراء الغربية/ عبد الرحمن بل

ثلاثاء, 2015-04-14 01:44

في أواسط تسعينات القرن الماضي وأنا أعيش سنوات الطفولة كغيري من أبناء الحي كنت أجلس لبعض الوقت بالقرب من مذياع (راديو) أستمع عبره لأشرطة أغان صحراوية اعتاد الأهل الاستماع إليها بالدوام عند كل جلسة شاي.

 

كانت تلك الأغاني أو "اشويرات" تحكي عن بسالة مقاتلي جيش التحرير وذكر معارك مفصلية خاضوها إبان الغزو الذي تعرض له الإقليم منتصف سبعينات القرن الماضي وهو ما غرس في قلبي تعلقا كبيرا بقضية الصحراء وإن كان ذهني لم تعلق به منها إلا جملة واحدة ترددها إحدى الفرق الفنية بصوت مليح يبعث على الحماسة وحب الكفاح "يا خوتي هاه الصحراء ما تنباع"، ومنذ ذلك الحين ظل حلم زيارة الصحراء يراودني وكنت أحسبه بعيد المنال لأتفاجأ به يتحقق بعد  ما يناهز عقدين من الزمن "ولا شيء قد تغير في الصحراء".

 

في مطلع ديسمبر الماضي حظيت بزيارة لمنطقة آغوينيت الصحراوية لتغطية مناورات عسكرية يجريها جيش التحرير الصحراوي ليحاكي عبرها مقاتلوه اختراق الجدار العازل بينهم مع المغرب، ثم حظيت بزيارة أخرى لمنطقة التفاريتي لتغطية المناورات الأخيرة وقد مكنتني هاتين الزيارتين من لقاء بعض قادة جيش التحرير وأعضاء في الأمانة العامة للجبهة وإجراء مقابلات صحفية تناولت فيها معهم موضوع عملية السلام وآفاق الحل، كما التقيت ببعض النشطاء والحقوقيين، غير أن الخلاصات التي خرجت بها من الزيارة الثانية كانت تختلف جذريا عما خرجت به في الزيارة الأولى.

 

فبعد عودتي من رحلة آغوينيت أذكر أن أحد الزملاء ممن زاروا الصحراء قبلي خاطبني ممازحا "لقد نجوت من خطإ وقعنا فيه نحن الذين سبقناك إلى زيارة الصحراء في الأعوام الماضية فكل منا كتب تقريرا عنونه بتلويح البوليساريو باللجوء إلى خيار القوة في حين أنك اخترت عنوانا –جديدا- جعلك تسلم من روتينية التلويح هذا- فكان مناورات تحاكي اختراق الجدار العازل بين المغرب والصحراء".

 

آخرون كثر سألوني عن انطباعي عن مآلات القضية لكن إجاباتي كانت روتينية ففي كل مرة كنت أجيب بأن حسم الصراع بات مسألة عامين أو ثلاثة فإما حل سلمي يضمن للصحراويين تقرير مصيرهم وإما جولة قتال جديدة ينتزعوه بها ودون منة.

 

لا أحد اقتنع بما ذهبت إليه بل إن الكل كان يجزم بأن الحرب انتهت إلى غير رجعة وأن الصحراويون ما عاد أمامهم أكثر من خياران، فإما الانصهار في موريتانيا أو الرضى بما يقدمه المغاربة حتى ولو كان القبول به خيانة عظمى لدماء من سقطوا دفاعا عن الساقية والوادي خلال سنوات الحرب المؤلمة وفي مقدمتهم الشهيد الولي رحمه الله.

 

غير أن الأغرب بالنسبة لي هو أن كثير من النشطاء الحصراويين ممن تحدثت إليهم لاحقا كانوا لا يتوقعون اندلاع جولة قتال جديدة بل يستشف من كلام أغلبهم وإن لم يصرحوا بأن حلم الدولة المستقلة بات يتآكل رغم المواقف الدولية الإيجابية المعلنة والحراك المكثف للمبعوث الدولي المكلف بمتابعة عملية السلام.

 

وقد دفعتني تلك الأمور إلى القراءة عن تاريخ الصراع منذ الحرب وتطورات السنوات اللاحقة بعد بدء عملية السلام وخلال البحث اطلعت على معلومة أتوقف عندها هنا وهي أن مبنى الأمم المتحدة توجد به لائحة معلقة بأسماء الأقاليم التي توجد فيها تصفية استعمار حيث تتم كتابة اسم الإقليم الواقع تحت الاحتلال في خانة ويكتب في الخانة الثانية اسم الجهة المحتلة له ومن ضمن الأسماء الواردة في القائمة هذه يأتي اسم الصحراء الغربية مع ميزة وحيدة ولافتة وهي أن خانة اسم الجهة المحتلة تركت فارغة (فالصحراء محتلة والجهة التي تحتلها غير معلومة بالنسبة للأمم المتحدة) وهو ما يعكس حجم النفاق الدولي لتضيف تلك المعلومة عاملا ما عاد بالإمكان معه  الدفاع عما خلصت إليه في الزيارة الأولى.

 

وخلال مقابلة أجريتها مع الوزير الأول خالد الطالب عمار سألته ما الذي  ينتظره الصحراويون من التقرير الأممي المرتقب؟ فكانت إجابته غير مباشرة قائلا إن الصحراويون (يأملون) –ولم يقل يتوقعون-  أن يصب التقرير في اتجاه الدفع بعملية السلام نحو الأمام والتعجيل بتقرير المصير وبعد إلحاحي بالسؤال عبر تكريره جاءت الإجابة الصادمة وهي أن الجبهة تدرك أن عملية السلام صعبة وطويلة ولكن الأهم بالنسبة لها هو أن يبقى الملف حيا..

(خابت آمالي في التقرير)

 

وهنا أتساءل لماذا ظل الصحراويون يلهثون خلف مسار هم الخاسر الأكبر فيه خصوصا وأن الحرب وضعت أوزارها بطلب من الملك المغربي الراحل حين كان جيشه يتلقى ضربات موجعة على أيادي مقالتي جيش التحرير الصحراوي وأدت إلى سقوط أكثر من ثلاثة آلاف جندي مغربي أسير، وقد نكص عن كل التزاماته وتعهداته بشأن تنظيم الاستفتاء بعد أن ربح استعادته لأسراه واستقر له الأمر في أكثر من 70% من الأرض الصحراوية وعطل التنمية في ما تبقى منها، (ما ذا ربح الصحراويون غير البقاء في مخيمات اللجوء).

 

لقد كاد ضيفي وهو رجل هادئ وسياسي محنك أن يخرج عن هدوئه حين استعرضت معه أمثلة من تطور الموقف المغربي بشأن النزاع من دعوة لوقف الحرب وقبول بالاستفتاء ثم ترسيم الحسانية كلغة وطنية ثم عرض حكم ذاتي وتراجع عن الاستفتاء من خلال القول إن الحكم الذاتية هو أقصى ما يمكن أن يقدمه، في ظل رتابة ملحوظة في الموقف الصحراوي الذي اقتصر على التلويح بالقوة متسائلا عما إذا كان هناك ترابط بين الأمر وعدم مغادرة معظم القيادات السياسية لمواقعها منذ السبعينات.

 

اكتفى الضيف بالقول إن القيادات لم تأتي عبر انقلابات عسكرية وإن الصحراويون هم من اختاروها بكل حرية، أما الرتابة في الموقف الصحراوي فلم يكن يراها كذلك بل اعتبر أن الجبهة الآن في موقف مريح ما دام  الذي يوجد في صراع مع الأمم المتحدة هو المغرب وليس الصحراويون وهو ما يجعل من قيامهم بأي أمر آخر يكسر هذه الرتابة من شأنه أن يعطي فرصة للمغرب كي يتملص من التزاماته السابقة وليس من الوارد أن تقدم له البوليسارو هذه الهدية؟ هنا تساءلت أيضا "ألا يعني هذا أنكم ترون أن الحل في غير الكفاح خصوصا وأنكم لوحتم به أكثر من مرة؟!

خلاصة القول هي أنني لست في وارد أن أشير على الصحراويين بما عليهم فعله وقد أحتفظ بالكثير من آرائي وتساؤلاتي في هذا الصدد حتى أبتعد قدر المستطاع عن الوقوع في الدعاية المغربية لكني آمل وأرجوا أن يقرر الصحراويون مواجهة أنفسهم بالحقيقة خلال المرحلة المقبلة واعتماد قدر من المصارحة والمكاشفة مع الذات وأعتقد حد الإيمان أن ذلك لن يكون مالم تقدم أوسمة عرفان بالجميل لأغلب جليل الشهيد الولي بما قدمه للقضية خلال العقود الماضية ويفتح المجال دون تأخير أمام أغلب القيادات الشبابية والإعداد لجولة قتال جديدة لن تستمر طويلا بالتأكيد لكنها ستحرك المياه الراكدة في الملف وتدفع المغرب للنزول من علياء كبريائه ليقبل مرغما بحتمية تقرير المصير دون لف أو دوران.

اقرأ أيضا