موريتانيا: طقوس ترسم قواعد السلوك الاجتماعي

ثلاثاء, 2015-07-07 13:03

تطغى العادات والتقاليد على المجتمع الموريتاني الذي لايزال محافظاً منغلقاً على نفسه، وتتحكم هذه العادات في سلوك الأفراد وتصرفاتهم بشكل يؤثر في علاقاتهم الاجتماعية وإنتاجيتهم ومساهمتهم في المجتمع، كما تصيب هذه العادات المرء بالكسل والخمول وتكرس الخجل الاجتماعي وتؤثر في تماسك الأسرة وتسبب المشاكل للأصدقاء والمعارف.
وتمنع هذه العادات الشخص من مداعبة أطفاله أمام والديه وأقاربه الأكبر سناً منه، كما تضع حدوداً في علاقة الشخص بأصهاره حيث يكتفي بزيارتهم فقط في الأعياد والمناسبات، وتقاس درجة دماثة الأخلاق وحسن السلوك بالإحسان للأصهار وإغداق الهدايا عليهم دون التورط في علاقة متينة معهم، حتى إن بعض الرجال يقضي عمره دون أن يرى والد زوجته، وتفرض هذه التقاليد على الشخص عدم إظهار مشاعره العاطفية، وتفسر التعبير عن الحب والتفاهم حتى بين الأزواج بأنه ضعف واحتياج للجنس الآخر، وترغم هذه العادات الفتاة على كتم مشاعرها وعدم التعبير عن رأيها في الزواج وترغمها على ارتداء اللباس الأسود يوم زفافها وتجلس في الكوشة وهي تغطي وجهها بملحفة سوداء وتذرف الدموع. 

ومن أغرب العادات الموريتانية وأكثرها تأثيراً في المجتمع عادة "السحوة" التي تعني الحياء والحشمة، وتفرض هذه العادة سلطتها خاصة في العلاقات بين الأزواج وبين الشباب ومن هم أكبر منهم، حيث تلتزم الزوجة بعدم المناداة على زوجها باسمه فهي تطلق عليه في الغالب اسم "بونا" (أي أب الأطفال) أو "هو"، ويلتزمه الزوج بعدم الأكل والوضوء عند أصهاره والإقلال من زيارتهم، وتفرض عادة السحوة على الأزواج أن لا يظهرا عمق علاقتهما ولا يترافقا ولا يتخاطبا أمام الناس، كما تمنع الشباب من التدخين والاستماع للموسيقى والنظر في المرآة والتطيب بالمسك والتحدث عن الجنس الآخر بحضور الأكبر سناً.

كما تمنع هذه الأعراف المصافحة باليد بين الرجال والنساء، وتفرض على الرجال في مناطق الشرق والشمال ارتداء اللثام على الوجه بشكل كامل وعدم الكشف عنه ولبس "الدراعة" (الدشداشة التقليدية) امام الأكبر سناً. 

عدم احترامها يعتبر وقاحة

ورغم التحولات التي عرفها المجتمع الموريتاني لازالت هذه العادات تفرض سلطتها وطقوسها بسبب حرص الآباء على تعليم أبنائهم هذه العادات الاجتماعية، ويقول الباحث الاجتماعي محمدو ولد التراد إن عادات "السحوة" والحياء مترسخة في المجتمع الموريتاني وتخضع لضوابط ومعايير يحترمها الكبير والصغير، كما انها تنتقل من جيل لآخر حيث ينشأ الأطفال على طقوسها حين يرون العلاقات الاجتماعية في هذا المجتمع القبلي تخضع لهذه العادات والتقاليد، ومن لم يمتثل ويلتزم بها يُتهم بالوقاحة وبالافتقار للأخلاق الحميدة ويعاقبه محيطه بنبذه وإبعاده عن مركز الاهتمام. ويضيف أن نجاح تربية الأطفال يقاس باحترامهم لأعراف "السحوة" والتزامهم بهذا السلوك الاجتماعي، وأي إخلال بهذه الطقوس يعرض الشخص للانتقادات فيصبح مادة للتندر والنكات ويوقع أهله في الحرج.

ويؤكد الباحث أن هذه العادات جزء مهم من الحياة اليومية في موريتانيا يعتز بها الموريتانيون ويحرصون عليها لأنها ضاربة في القدم ومتوارثة عن أجدادهم، ويفسر الكثيرون بأنها نابعة من الحياء الديني، ويبررونها بأنها ضمان نفسي للمجتمع من تأثير عزله عن المحيط الثقافي والتقليدي بفعل ما تبثه القنوات الفضائية والصحف والتدفق الهائل لثقافة العولمة والعيش في المدن.

واعتبر أن لهذه العادات دوراً أساسياً في الحفاظ على الهوية الثقافية للبلد، وقال "هناك الكثير من العادات التي نجهلها ويجب ان نعمل على اعادة اكتشاف الموروث بجمع الحكايات والأمثال والحكم الشعبية الموريتانية التي تكرس هذه العادات، لأن الثقافة التقليدية الأصيلة مطمورة داخل البلد والتحولات التي تشهدها بيئتنا ومجتمعنا تهدد جوانب مهمة من ثقافتنا التقليدية، والجيل الجديد يحتاج الى اكتشافها في هذا العصر السريع الذي ينشغل فيه الناس بالعمل والدراسة والماديات والتلفزيون والانترنت".

مبررات تلك العادات

لكن مريم بنت عيشة (أخصائية اجتماعية) ترى أن هذه الطقوس تعقد الحياة الاجتماعية وتزيد من الكلفة والحرج بين أفراد العائلة وتخلّف المشاكل والخلافات بسبب سوء فهم طرف وغموض الطرف الآخر كل ذلك حرصاً على تقاليد قديمة، وتقول: "هذه العادات تدخل في مظاهر الفرح والحزن فمثلاً لا تستطيع المرأة أن تعيش مع زوجها إلا بعد مرور عام كامل من زواجها حينها يسمح لها بالرحيل الى بيت زوجها، وهي ملزمة بكتم مشاعر حنينها الى زوجها وعدم إبداء السعادة بنجاح زوجها أمام المجتمع أو الحزن على فراقه، ويجب أن تتصرف بأنها غير راغبة في زوجها حفاظاً على شرف عائلتها وتفادياً ما سيقوله الناس عنها". 

وتضيف "تفرض طقوس السحوة إخفاء المرأة خبر حملها والامتناع عن مراجعة الطبيب وحتى التطرق لموضوع الحمل في جلسة تحضرها سيدة حامل، وترفض النساء الحوامل إشعار ذويهن بهذا الحدث لأن ذلك يعتبر فضيحة لا تغتفر في نظر المجتمع، كما تمنع السحوة المرء من أن يداعب أطفاله أمام الأكبر منه وحين يقترب أحد الأطفال منه في حضور أشخاص أكبر منه يبعده عنه ويمنعه من الاقتراب منه بكل الطرق". 

وتؤكد أن مثل هذه العادات تؤثر في علاقة الآباء بأطفالهم وتخلق الجفاء والبعد، فلا الأب يستطيع مداعبة أطفاله واللعب معهم ولا الأم تستطيع رعاية أبنائها وإظهار المحبة والمودة لهم، لاسيما أن أغلب الأزواج يعيشون في حضن عائلة الزوج وفي محيط تعج بالأعمام والأخوال والأصهار.

وتدعو الأخصائية الى ضرورة التخلي عن هذه العادات والتحرر من هذه الأعراف والكف عن القول إنها من الحياء الديني؛ لأنها تتناقض مع روح العصر وتؤثر في الإنتاجية وفي العلاقات الاجتماعية وفي مستوى الود والتواصل بين الناس وبين أفراد الأسرة الواحدة.
العربية نت

اقرأ أيضا