الكلمة مسؤولية والأمم أخلاق

أربعاء, 2015-08-26 15:56

أثارت في نفسي ردودُ الأفعال المختلفة المحتجة أحيانا والساخرة أحيانا - التي جاءت إثر البيان الصادر عن مجلس السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية والذي سجل فيه ملاحظاته في إطار متابعته للمضامين الإعلامية التي تقدمها وسائل الإعلام، تلك الملاحظات المتمثلة تحديدا في استمرار عدد من هذه الوسائل في تجاهل النصوص المؤسسة لحرية الصحافة، وفي خرق الأحكام القانونية والقواعد الأخلاقية للمهنة الصحافية - جملةً من الأفكار وددت أن أبديها في هذه الخاطرة من خلال ثلاثة تنبيهات وملاحظتين.

 

وذلك باعتباري أولا مواطنا مستهلكا للمنتوج الإعلامي بمختلف أشكاله، ثم باعتباري ثانيا صحفيا متابعا لصناعة هذا المنتوج وتسويقه، ثم باعتباري ثالثا وأخيرا موظفا في السلطة العليا (هابا) مراقبا لمضمونه من حيث صدقيته وأخلاقيته.

 

التنبيه الأول:

لقد سعت "هابا" إلى وضع تصور لاستغلال الفضاء السمعي البصري يخدم الأغراض والمرامي المقصودة من السلطة الرابعة بشكل يتماشى وتعاليم الدين الإسلامي من جهة ثم توطيد عرى اللحمة الوطنية واحترام قيم الجمهورية ورموزها: "الجيش، الوحدة الترابية، ثقافات مختلف مكونات المجتمع البشرية" من جهة أخرى. وبناء على هذا فمن يرى في هذا البيان نوعا من التموقع مع السلطة أو الانحياز لها، فلعله لم يطلع على  قوانين "هابا" التي من ضمنها احترام أدبيات وأخلاقيات المهنة.

 

التنبيه الثاني:

أن مجال "هابا" هو الضبط والتنظيم وليس الرقابة رغم أن قوانين السلطة واضحة في هذا المجال، فهي تحول دون المساس من الحياة الشخصية للأفراد العاديين والاعتباريين، وتسعى إلى الرقي بمستوى السلطة الرابعة عن طريق احترام المسلكيات الناظمة للمهنة لكي لا تكون سيفا مسلطا على أعراض الناس تكيل لهم التهم جزافا وتوزع صكوك التخوين لكل من لا ترضى عنه.

 

وكل القنوات التلفزيونية والإذاعية التي تم الترخيص لها، وقعت على دفتر التزامات وشروط تقبل من خلالها بالقوانين المبينة لأدبيات المهنة والتي جاء هذا البيان للتذكير بها. هذا مع ضرورة الإشارة إلى أن السلطة كانت دائما تعمل على حل مشاكل الصحفيين وتجاوزاتهم المتكررة بشكل أخوي بعيدا عن تطبيق نص القانون، وذلك وعيا منها بضعف الإمكانات المادية للمؤسسات الإعلامية وعدم خبرة طواقمها في العمل في المجال الصحفي، وسعيا منها أيضا لربط جسور تعاون ودي وتوثيق عرى الصداقة والاحترام بين الجميع.

 

التنبيه الثالث:

أنه ينبغي التفريق بين الحياة المهنية للشخصيات ذات الطابع العمومي وبين حياتهم الخاصة التي يجب أن تكون محترمة ومصانة كما هو المسطور في الشرع والقانون والخلق السليم. فرئيس الجمهورية له حياته الخاصة التي لا تعلق لها بالشأن العام ويجب أن تحترم كحال غيره من المواطنين. فاتهامه بدون بينة أو قرينة وسبه وشتمه وكيل الشتائم لأسرته وأهله يعتبر خرقا واضحا للقانون، وخروجا مبتذلا عن المنظومة الخلقية المتواضع عليها في بلدنا، وضربا بعرض الحائط لضوابط المهنية. ومَن منا لا يتذكر كيف أعرضت الصحافة صفحا في بلد من أعرق الديمقراطيات في العالم هو فرنسا عن نشر الاتهامات التي كالتها زوجة الرئيس السابق ساركوزي له، باعتبارها اتهامات لا تستند إلى أية إثباتات أو أدلة لمواطن يحظى بكامل الحرية في صون حياته الشخصية والمهنية. كما يجب أن نفهم أن منصب الرئيس لا يعني شخص محمد ولد عبد العزيز بل هو رمز وطني قد يحله أي مواطن موريتاني صالح لذلك كما ينص عليه دستور الدولة الموريتانية. فإذن - وبصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع رموز النظام القائم - يجب أن نحترم صفتهم الدستورية.

 

أما في ما يتعلق بالملاحظتين فإنهما تختصان ببيان غائية الإعلام باعتباره وسيلة وضعها المجتمع لهدفين هما: النفع والدفع.

 

الملاحظة الأولى:

لابد من التذكير بأن للصحافة وظائف معروفة حددها منظرو التواصل والإعلام منذ أربعينيات القرن الماضي وأصبحت من الشروط الضمنية التي لا تحتاج إلى فضل بيان وإيضاح. ويمكن إجمالها في السعي إلى إسعاد الإنسان أمنا ومعاشا ومعرفة وتسلية عن طريق إتاحة المعلومة وتوضيح الخبر لتحقيق المنافع وتبادُل المصالِح، وبلوغ درجات أكبر من التطور.

 

لذا فكل عمل صحفي يذهب في اتجاه معاكس لهذه الغاية فهو يفقد مبرره ويخرق الشرط الأخلاقي اللازم في ممارسته وبالتالي يكون ضررا وإضرارا يعم خطرهما الفرد والأمة والدولة.

 

الملاحظة الثانية:

أن تعاليم ديننا الإسلامي وتوجيهات ثقافتنا الوطنية بمختلف روافدها تدعو إلى الابتعاد عن الثلب والقدح وإشاعة الفاحشة والجهر بالقول السيئ. فالغيبة والسباب والبهتان وإثارة الفتنة من المسائل التي حرمها الإسلام واعتبرها من كبائر الذنوب. فالله لا يحب الجهر بالسوء، والأعراض مصانة كالدماء والأموال، وحفظ العرض كلية من كليات المقاصد الشرعية التي تواترت علبها الديانات السماوية جمعاء.

 

لهذا فمن واجب المؤسسات الإعلامية أن تسعى في خلق جو من الوئام النفسي، والتقارب الفكري والاجتماعي من خلال ما تقدمه من ثقافة ومعلومات وأخبار، وأن تلتزم بالموضوعية في النقل والطرح والتحليل، وأن توجه اهتمامها نحو المسائل المحققة للمصلحة العامة، فتنأى عن السباب الساقط، وتحذر من مسببات نشر الكراهية والحقد، وتمتنع عن أسباب التحريض والحقد، وأن تمارس دورها كاملا، في تأدية وظائفها التربوية والتعليمية والتثقيفية التي من شأنها أن تقلل من حدة الفوارق الاقتصادية والثقافية بين فئات المجتمع المختلفة، وأن تحدث تجانساً فكريا بين مكوناته من خلال ما تقدمه من مواد إخبارية، وغير إخبارية.

 

أخيرا أود أن ألفت أنتباهكم إلى أن هذا البيان ليس هو البيان "رقم واحد" للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية" فبإلقاء نظرة سريعة على موقع السلطة تجدون عشرات البيانات التي دأبت "هابا" على إصدارها حول مختلف القضايا التي تتعلق بالقضايا الوطنية والتي تدخل ضمن دائرة اختصاصها، فهي ليست غائبة ولا مغيبة و تعرف جيدا متى تتكلم، والكل يعرف الأيام التشاورية والملتقيات التي نظمتها وحضرها كافة الفاعلين والمهتمين بالمشهد الإعلامي في بلادنا، هذا النشاط جعل السلطة تترأس عن جدارة أكبر تجمع لسلط التنظيم "الشبكة الأورو متوسطية" وهي تقودها بنجاح ومهنية عالية، بشهادة الدول التي توجد فيها مثل هذا السلطة.

 

محمدن ولد البراء

اقرأ أيضا