الحتمية هي الحل الأردوغاني! / الشيخ محمد احبيب

جمعة, 2015-08-28 00:32

مع مغيب شمس الثامن من يونيو الماضي خلف البوسفور، تشكل واقع جديد في تركيا، هكذا يرى أغلب المحللين لنتائج الانتخابات البرلمانية التركية لسنة 2015.
فمع هبوط الليرة التركية  إلى أدنى مستوياتها خلال  عشر سنوات ، ارتفعت في المقابل كل الشكوك في قدرة تركيا "الاردوغانية"

 على تجاوز أزماتها الاقتصادية المتنامية، وبات الاعتقاد يتعزز لدى الكثيرين بأن موسم السقوط و حتمية تغيير الاتجاه قد بدأ فعلا.
حتمية قابلتها حتمية أخرى تحدث عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات نشرتها صحيفة ميليت بتاريخ 14 يونيو الماضي ، هي حتمية إجراء انتخابات مبكرة إذا فشلت مساعي تشكيل حكومة ائتلافية بين الكتل البرلمانية ، التي لم يتمكن أي منها من حسم الأغلبية اللازمة لذلك.
و إذ يصر السيد أردوغان على تسمية حتميته تلك بإعادة الانتخاب بدل الانتخابات المبكرة، و يعتبرها حلا  لتفادي ترك الدولة دون حكومة، وتفادي الغموض السياسي الذي ينعكس حتما على الأوضاع الاقتصادية المتداعية أصلا، يشكك بعض المحللين في جدوائية  الانتخابات المبكرة ( أو إعادة الانتخابات )، في إحداث تغيير يجنب تركيا المزيد من الأزمات السياسية والاقتصادية.
ففي نظر بعض المحللين كانت نتائج الانتخابات رد فعل شعبي على أحلام الاستحواذ الأردوغانية، و سعيه  لتغيير النظام إلى نظام رئاسي بمزيد من الصلاحيات  لأردوغان وحزب العدالة و التنمية، ويرى الكاتب في صحيفة  ذ غارديان ( كونستانزليتش من اسطنبول )  أن تلك الانتخابات أنزلت أردوغان من عرشه، ويضيف الكاتب أن نتائج الانتخابات  تعكس رفض الناخبين  الأتراك  لفكرة تغيير الدستور ومنح أردوغان سلطات أوسع في الحكم، و أنها " أنهت حكم الحزب المنفرد الذي تواصل لمدة 12 عاما منذ فوزه في انتخابات عام2000" .
غير أن ما يعول عليه أردوغان وحزبه أثناء طرحه لحتمية حل الانتخابات المبكرة، و دعوته الآن بقرار رسمي  إلى انتخابات جديدة ، هو بحسب بعض المتابعين للشأن التركي استخدم فزاعة عدم الاستقرار السياسي المحتمل في ظل هذا التشظي السياسي الحالي، واحتمال عودة سلسلة الانقلابات العسكرية التي عرفتها تركيا في الماضي، وبالتالي العودة إلى  فترات أسوأ على المستوى الاقتصادي..
إنها سياسة " أردوغانية " لوأد أحلام القوميين و العلمانيين و الأكراد، و دفع  بعض الذين صوتوا  أساسا لحزب الحركة القومية إلى إعادة توجيه أصواتهم إلى حزب العدالة و التنمية، في ظل ندمهم المحتمل على فكرة تحالف سياسي غير مستقر قد يحكم تركيا ويعيد إنتاج أشباح الماضي المتذبذب.
هذه السياسة  من المحتمل بحسب بعض المحللين أن تواجه عقبات حقيقية قد تحجم تأثيرها، بل قد تلغيه، في ظل  التحفز الكردي عن طريق حزب الشعوب أساسا، لكتابة تاريخ جديد للحركة الكردية ، بالإصرار على ضمان أصوت مؤثرة في أي تشكيلة للبرلمان التركي القادم.
كما أن حزب الشعب الجمهوري العلماني، سيدفع باتجاه تحجيم حتمية أردوغان تلك كحل، و سيذكر الأتراك بحجم التراجع في السياسة و الحقوق والاقتصاد الذي شهده عهد حكم حزب العدالة و التنمية والرئيس أردوغان، وسيكون ماثلا للعيان عندئذ في إطار الدعاية السياسية المناهضة لمساعي أردوغان في انتشال سفينة حزبه الموشكة على الغرق، ذلك التراجع في الحريات و الذي تمادت فيه حكومة أردوغان في الفترة الأخيرة، بقمعها للمظاهرات  في ميدان تقسيم ضد حكم أردوغان، إضافة إلى تراجع الاقتصاد المؤثر و المتمثل في تراجع قدرته على اجتذاب رؤوس الأمول، و حتمية رفع أسعار معدلات الفائدة لدى البنك المركزي التركي، وهو ما سيرهق النمو الاقتصادي التركي أكثر فأكثر بحسب المحللين الاقتصاديين.
و قد يتذكر الأتراك عندئذ أن السيد أردوغان لم يجد حلا إزاء تردي الاقتصاد إلا بمطالبته غير المنطقية و العصبية لمدير  البنك المركزي التركي بخفض معدلات الفائدة، في محاولة منه لتحسين النمو و تحسين النتائج التي قد يجنيها حزبه في الانتخابات إثر ذلك، تلك المطالبة التي رفضها محافظ البنك المركزي ، و أدى ذلك بالسيد أردوغان إلى وصف ذلك الرفض بالخيانة، و أدت تلك النبرة الحادة  لدى أردوغان إلى تراجع ثقة المستثمرين في الاقتصاد التركي.
أما في عمق القضية كلها فيبدو أن ذلك الفشل الإجرائي الذي لازم حكومات الإخوان في طرق تسييرها للشأن العام في العالم العربي، قد انتقل بطريقة أكيدة إلى قلب السياسات الأردوغانية، و بات الوضع هناك أكبر من أن تنقذه مقولة حتمية الانتخابات المبكرة هي الحل، و لعل مقبل الأيام سيكشف أن ثنائية الاستحواذ السياسي المبالغ فيه، مع العجز المفاهيمي عن ابتكار حلول اقتصادية متجددة، تجعل الأمور عند أردوغان وحزبه  تتطلب أكثر من حتميتهم تلك كإجراء يقي تركيا مزيدا من التذبذب و السقوط.

اقرأ أيضا