رجب طيب أردوغان، السياسي الذي فاجأ المنتقدين

أربعاء, 2015-11-04 13:52

نظرة على الصفحات الأولى للصحف التركية تعطي المرء فكرة عن ردود الفعل المختلفة التي تساور الأتراك جراء أكثر نتائج الانتخابات مفاجأة في السنوات العشر الأخيرة.

فبينما أثنت صحيفة يني شفق الموالية للحكومة على "النصر المؤزر" الذي حققه حزب العدالة والتنمية، وصفته صحيفة جمهوريت المؤيدة للمعارضة بأنه "انتصار للخوف." ويسلط هذا الضوء على الاستقطاب الحاد في قلب المجتمع التركي، وهو استقطاب يعزيه كثيرون لرجل واحد: رجب طيب أردوغان.

قامر اردوغان باجراء انتخابات مبكرة، وفاز. ولكن فوزه لم يكن كاملا، فقد كان أردوغان يأمل بالفوز "باغلبية ماحقة" من النواب من أجل تمرير خططه لتعديل الدستور من أجل تعزيز سلطاته.

وكان يحتاج من أجل ذلك الى الفوز بـ 330 مقعد اذا كان له ان يمرر التغييرات التي يريدها عن طريق استفتاء شعبي، أو الفوز بـ 367 مقعد لأجل تمريرها دون استفتاء. ولكنه في نهاية المطاف لم يفز الا بـ 316 مقعد في البرلمان الجديد.

ما زال هذا العدد يمثل أغلبية محترمة، ولكن ما لم يفلح أردوغان في إقناع عدد كبير من نواب حزب الحركة القومية اليميني - الذي مني بخسارة كبيرة في الانتخابات - بالانضمام الى صفوف حزبه حزب العدالة والتنمية، سيبقى حلمه باستحداث نظام رئاسي مؤجلا.

إذعان

ما الذي يتبقى اذن لاردوغان، أكثر السياسيين الأتراك قدرة على البقاء والاستمرار؟ ما زال أردوغان الرئيس التركي الأول المنتخب ديمقراطيا، وهو يحظى بحب واعجاب مؤيديه المحافظين للمكتسبات التي حققها لهم من تمثيل سياسي وتمكين اقتصادي.

وعندما أخلى أردوغان موقع رئيس الحكومة في عام 2014، اختير لخلافته أحمد داود أوغلو لشخصيته المذعنة والمطيعة، رغم أن الاثنين لا يتفقان على كافة القضايا.

ولكن داود أوغلو مدين بموقعه لأردوغان، وما زال الرئيس يمارس سيطرته من قصره الفاخر ذي الألف غرفة والذي يبلغ حجمه 4 أضعاف حجم قصر فرساي.

سيزيد النصر الانتخابي أردوغان شجاعة وجرأة، مما يخيف معارضيه من زيادة نزعاته التسلطية. ويخشى هؤلاء من ان أردوغان سيمضي قدما في حملته الهادفة الى تكميم افواه الاعلام المعارض واسكات المنتقدين. فقد وجهت لعشرات من هؤلاء تهمة "اهانة الرئيس" منذ انتخابه.

وكانت السلطات اعتقلت رئيسي تحرير مجلة "نقطة" المعارضة لاردوغان يوم الاثنين، فيما داهمت الشرطة شركة اعلامية قبيل الانتخابات بقليل.

تحديات فورية

أما الاتحاد الأوروبي، فيواجه "معظلة اردوغان". فالاوروبيون يشعر بالقلق ازاء تدهور سلطة القانون في تركيا والقمع الذي تتعرض له حرية التعبير.

ولكن الأوروبيين يعون جيدا أيضا أهمية تحالفهم مع أنقره، فالاتحاد الاوروبي معتمد على تركيا كونها دعامة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المتوترة.

اضافة لذلك، فتركيا هي الممر الأهم للمهاجرين واللاجئين المتوجهين الى أوروبا. ولذا فإن أي أمل بحل الأزمات في منطقتي الشرق الأوسط وأوروبا يعتمد على تركيا. فالقادة الغربيون قد لا يحبون أردوغان، ولكنهم يحتاجونه.

التحدي الفوري الأهم الذي يواجه الرئيس أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية الجديدة يتلخص في تحقيق وعد اردوغان الانتخابي بتوطيد الأمن بعد تصاعد الصدامات مع مسلحي حزب العمال الكردستاني.

ويصر أردوغان على ان لا عودة لمفاوضات السلام مع حزب العمال ما لم يلق مسلحو الحزب اسلحتهم.

ولكن الكثيرين من الاكراد في تركيا يشعرون بالغضب ازاء اعادة الانتخابات والاساليب التي استخدمها حزب العدالة والتنمية بوصم حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للاكراد بالارهاب مما اخاف العديد من انصار الحزب ودفعهم للتخلي عنه.

واذا تحول هذا الغضب الى عنف، فإن الرسالة التي وجهها اردوغان للناخبين، وملخصها "انتخبونا أو احصلوا على الفوضى"، ستفقد مصداقيتها.

الا انه لا يمكن نكران حقيقة أن رجب طيب اردوغان يتمتع بحنكة سياسية كبيرة.

فعقب انتخابات حزيران / يونيو الماضي كان العديدون مستعدين للتخلي عنه وبدأوا فعلا بالحديث عن حقبة "ما بعد أردوغان"، وعن تأييد الجناح الاصلاحي في حزب العدالة والتنمية لتمكينه من تحدي هيمنته.

وهذا الجناح موجود فعلا، وهناك تململ في صفوف اعضاء الحزب، وخصوصا من جانب الرئيس السابق عبدالله غل الذي كان كثيرون يتوقعون عودته الى الواجهة في حال اخفاق الحزب في الفوز باغلبية.

ولكن رجب طيب اردوغان عاد بقوة، ولا يبدو أنه سيختفي في المستقبل المنظور.

اقرأ أيضا