لم لا يتحاور الإسلاميون مع تنظيم الدولة ؟

اثنين, 2015-11-30 18:03

1-2

منتصف نوفمبر من عام 2014 كتب الدبلوماسي البريطاني المخضرم، مبعوث بريطانيا إلى ليبيا جوناثان باول تحليلا مطولا نشرته وكالة رويترز للأنباء بعنوان: باب البابا سيظل مفتوحا أم تنظيم الدولة فلم لا يكون باب أمريكا كذلك؟

 

كان مقال باول، الذي أعاد أهم أفكاره في مقابلات صحفية في الأيام التالية، جزءً من النقاش الذي دار في النخبة الغربية بشأن تصريحات الباب فرانسيس التي قال فيها إنه لن يتردد في الجلوس مع قيادات التنظيم لإحلال السلام في العالم. أيامها كان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يعد لإطلاق عمليته العسكرية ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق.

 

باول استعرض في مقاله تجربة خمس وعشرين سنة من العمل الدبلوماسي بوزارة الخارجية البريطانية، قائلا إن كل التجارب مع الجماعات المسلحة، سواء كانت تستخدم غطاء دينيا، أو قوميا، انتهت بالجلوس إلى حاملي السلاح، وانتهت أيضا إلى نتيجة تقول إن لكل مجموعة مطالب منطقية، تختفي وراء المطالب الخيالية التي ترفعها.

 

ضرب باول المثل بالحزب الجمهوري الأيرلندي، وانفصاليي الباسك، وطالبان.

 

ما قاله البلوماسي البريطاني، وإن بدا نشازا كتصريحات البابا، إلا أنه لا يخرج عن حدود المعقول، بل الممكن، بل المطلوب.

 

أين الواقع؟

واقعيا، قد يُرى مثل هذا الحديث تجاهلا، أو جهلا بواقع التنظيم المحير، الذي يبدو أقرب إلى "شركة مساهمة" تتداخل فيها أذرع محلية، وإقليمية ودولية، بهدف تحقيق مصالح متضاربة، ومتناقضة، لا يجمع بينها إلا أن الأداة شباب ينتمون لأمة الإسلام، بمعناها الواسع، دينيا، غالبيتهم من المنتمين إلى المنطقة العربية، جغرافيا.

 

كما قد يعتقد أنه جهل، أو تغاض عن واقع الحركات والأحزاب الإسلامية التي تجهد لتبرئة نفسها من المسؤولية المعنوية، والفعلية عن وجود تنظيم الدولة وأضرابه.

 

إن مثل هذا الطرح لا يتجاهل واقع التنظيم، ولا واقع الحركات الإسلامية. يحتاج هذا إلى قليل من البسط.

 

لا تبدو المعطيات المتوفرة عن تنظيم الدولة مشجعة كثيرا على التحدث إليه؛ فهو يفتقر إلى العنوان المركزي، ذي الكلمة المانعة، ويبدو وضعه أقرب إلى "كونفدرالية حرة"،  لا تنشأ فروعها بقرار مركزي، وإنما تلتحق الفروع بالمركز بناء على قرار منها، يمكن أن تغيره غدا، وتدعي الشرعية لنفسها. وهو ما يؤشر إلى أن الحوار سيكون مع مجموعات مختلفة، بمطالب متباينة. والأخطر أن بعضها قد لا يملك قرارا، بحكم وقوعه في دائرة تأثير قوى لا يعنيها في شيء هذا الحوار، ولمَّا تستنفدْ مهمتها، مما استثمرته في التنظيم.

 

ومطالب الأفرع، عالية السقف، هي الأخرى تترك انطباعا بأن الجلوس إلى طاولة المفاوضات معها محسوم النتيجة مسبقا.

 

كما أن إستراتيجية "الركل في جميع الاتجاهات" التي يتبناها التنظيم تسد الطريق أمام محاولات الملاينة التي تسبق أي حوار، لبناء ثقة ما.

 

بالنسبة للحركات الإسلامية، ذات الاحتكاك المباشر مع ملف التنظيم، فإن أغلبها مثخن بجراح الأزمات المحلية التي أعقبت الربيع العربي، وبعضها أقرب إلى التلاشي؛ فحركة الإخوان المسلمين في مصر، التي لا يبدو أن فرع التنظيم فيها لا يقل شأنا عن المركز في الشام وسوريا، سجينة صراع صفري مع السلطة الحاكمة في مصر، وخلاف على القرار فيها، وصراع ثالث مع قوى تحاول حشرها مع التنظيم في نفس ممر الإرهاب.

 

باختصار، حمل الإخوان السياسي والتنظيمي والأمني يجعل مطالبتهم بإدارة حوار مع تنظيم الدولة مطلبا "غير شرعي".

 

وبجوارهم إسلاميو ليبيا الذين يقاتل جزء منهم التنظيم، وهم مشغولون بوضع داخلي في بلادهم لا يقل صعوبة عن الوضع المصري، وإن اختلفت صور الصعوبة.

 

ويعاني إسلاميو العراق صعوبات لا تقل خطورة ، ووضعا أعقد كثيرا فيما يخص العلاقة بتنظيم الدولة الذي يرى فيه جزء من سنة العراق مخلصا، أو  "ثائرا" (آخذا بالثأر).

 

أما إسلاميو سوريا فأمرهم مع تنظيم الدولة هو الأسوأ تقريبا، لأن فرع التنظيم عندهم متهم بالتعاون، تخطيطا أو صدفة، مع النظام الذي ينخرط في حرب مفتوحة على قوى معارضته.

 

بقيت اليمن التي تأخذ الحرب فيها على الحوثيين أولوية على كل حوار، لأسباب شتى ليس أقلها توجس القوى الإقليمية التي تتولى فعليا إدارة الأمور فيها، من أي تواصل بين إسلامييها، والحركات التي تصنفها إرهابية ومتشددة.

 

وفي تونس حساسية مفرطة تجاه كل شيء يتعلق بالتواصل بين حركة النهضة، والتنظيمات الجهادية؛ بحكم المناخ السائد في النخبة التونسية والشارع  التونسي، وبفعل  حالة الثأر السائدة بين الدولة التونسية وتنظيم الدولة.

 

تشترك الحركات الإسلامية فيما يمكن تسميته "عقدة المسؤولية المعنوية" تجاه تنظيم الدولة، والحركات الجهادية، إضافة إلى المصاعب الداخلية في كل بلد.

 

هذه العوائق، التي تشتبك مع نفسها، تصعب المنافذ باتجاه محاولة فتح الباب أمام الحوار مع تنظيم الدولة، لكنها لا تغلقه. لأنه يجب أن يبقى مفتوحا، كباب البابا.

 

محمد عبد الله لحبيب - كاتب وإعلامي

اقرأ أيضا