مهرجان الفلاحين .. حين تحتفي الجغرفيا بمقدم التاريخ

اثنين, 2014-10-13 23:22

في منطقة نائية تبعد مسيرة يوم كامل عن العاصمة الموريتانية انواكشوط وتختفي قرى "بورات" وراء ما تبقى من  سدود نسفتها الرياح وجرفتها السيول لكن أهلها ما زالوا صامدين متعلقين بأرض نشأوا فيها وحرروها من ملاكها الأصليين بعد تحريرهم لأنفسهم.

"بورات" تجمعات من أحياء البؤس تمتد في سهل أجرد هو سهل "آفطوط" مساكينها الكادحون  يتحدثون عن مساكن من الطوب وأكواخ تعود إلى سنين عجاف كسني يوسف أو أشد كما يقول سكان المنطقة، يستقبلونك بحفاوة بدوية معروفة وأصيلة عندما ترافق وفدا إلى تلك الربوع، وخاصة إذا كان هذا الوفد يجمعهم معه تاريخ طويل من المناصرة والمؤازرة مثل حزب اتحاد قوى التقدم الذي حط رحله يوما وليلة في قرية "بوره" فكان العناق والزغاريد بين مناضلين عرفتهم هذه الحقول وبين فلاحين تمردوا على الإقطاع حسب مصطلحات التقدميين.

"الكادحون" يستقبلون القيادة..

زغاريد عفوية من نسوة الحي اللائي تجمعن من مختلف الأحياء،  أجاويد خيل تجري على وقع سير السيارات لحظات طلوع ذلك "البدر" من ثنيّات "مال" في مساء جمعة اعتبرها "البوراويون" نصرا  سياراة ولد مولود تتقدم الركب تستقبلها أغاني فلوكلورية وموسيقى المزارعين حاضرة في أرض الحقول المحررة منذ ثلاثين عاما.

وتحلقت قيادة اتحاد قوى التقدم في سمر نضالي يتوسطهم الرئيس والأمين العام نصت الجميع لأغاني من التاريخ تمجد النضال الأول للكادحين وثورة الفلاحين والتمرد على الظلم والاستبداد، وواقع التلميذ في أحياء "آدوابه" المنسية.

عائلة الرئيس الراحل المختار ولد داداه كانت حاضرة في مهرجان الفلاحين فالقوم متمردون على الاستبداد حتى بعد وفاة الرجل وسياساته القمعية وإقصائه للعمال، وحياته مع عائلته البرجوازية، كنا في سمر بنكهة نضال الستينات والسبعينات من القرن الماضي وأنصت الجميع يسجل التاريخ بقلمه أو عدسته.

إنها لحظات استراحة مزارعين أعيتهم سنو القحط وأثخنتهم حروب فرض الذات واستعادة الأرض من ملاكها الِأصليين، فجاء مهرجان اتحاد قوى التقدم ـ كما يقول قادة الحزب ـ للفت النظر عن أوضاع بؤس السكان وما يعانون من مشاكل معيشية واقتصادية.

يقول محمد ولد مولود في خطاب  استهل به النسخة الثانية من مهرجان الفلاحين ب"بورات" :

إنني من هذا المنبر أعلن أمامكم أن هذه السلطة مقصرة في حقكم ولم تقدم لكم ما تستحقون من تضحيات جسام استعدتم بها أرضكم وكونتم بها تلاحما وطنيا قل نظيره في مناطق من الوطن.

ويتابع ولد مولو: نحن نعارض السلطة الموريتانية لأنها لا تسعف المواطن الضعيف ولا توفر لأحياء كبيرة مثل تجمعات "بورات" أبسط مقومات الحياة المتمثلة في المياه الصالحة للشرب وتوفير نقطة صحية تسعف ساكنة المنطقة.

أما الأمين العام للحزب المصطفى ولد بدر الدين فقال في محاضرة ألقاها أمام العشرات ممن جمعتهم وإياه سنوات نضال الكادحين: إن السلطات الموريتانية إذا كانت جادة فعلا في دعم "بورات" فعليها أن تنقذ السدود المنهارة منذ سنوات، وأن تدعم القطاع الزراعي في منطقة "آفطوط" الذي هو شريان الحياة، أما أن تقوم ببناء مسجد ومستوصف ومدرسة فإن هذا مجرد عبث بالسكان وذر الرماد في عيونهم.

وتساءل ولد بدر الدين: من سيصلي في هذا المسجد؟ ومن سيدخل فصول المدرسة؟ ومن سيدخل المستوصف؟ إذا لم توفر لهذه الأرض منطقة زراعية تعيد إليها النشاط الاقتصادي المزدهر خلال عقود من الزمن.

وتحدث ولد بدر الدين بإسهاب عن حركة "الفلاحين" وتاريخها النضالي والإصلاحات الاجتماعية التي قامت بها الحركة، قائلا في نهاية سرده التاريخي عن بطولاتها المسطرة بعروق الفلاحين على أديم هذه الأرض المعطاء:

أنصح الشباب الموجودين هنا أن لا يتركوا هذا التاريخ مجرد قصص عابرة للتسلية بل أن يواصلوا نضالهم، وينفضوا الغبار مرة أخرى ويدخلوا حقولهم ومزارعهم، فبالزراعة وحدها يقضى على البطالة، وبالزراعة يتصالح سكان هذه المنطقة مع ذواتهم خاصة أنه لا بديل عن الزراعة، ففي انواكشوط توجد أسماك تم نهبها بشكل كامل من قبل الأوربيين وكذلك المعادن في ازويرات.

 

الوداع والدموع

انتهى المهرجان المشحون مساء اليوم الثاني وذرفت دموع القوم وهم يتذكرون قيادة تزورهم، غادرت القيادة بكل أسف رفاقهم التاريخيون البعيدون، كان محمد ولد مولود يستمع إلى مناضلة اسمها عيشة بنت الداه وقد ذرفت عيناه عندما تحدثت عن تلاعب السلطات بهذه الطبقات المسحوقة، وكانت كادياتا مالك جالو تتأثر للحظات الأخيرة من المهرجان، وذهب سكان "باسي انكدي" وعيونهم تفيض من الدمع، كانوا يتمنون أن لا ينتهى المهرجان إطلاقا، وعاد سكان "بورات" إلى أكواخهم المتطايرة بعد توديعهم لتاريخ طويل مع عشاق للحرية مروا من هنا ذات مساء إقطاعي..

اقرأ أيضا