في أول لقاء له مع وسيلة إعلام موريتانية : أشهر سجين في غونتانامو يحكي مأساته بالدموع

خميس, 2017-05-18 03:00

المهندس الموريتاني محمدو ولد صلاحي ولد حبيني أو بلغة قاعدة  غونتانامو الأمريكية  يدعى "رقم 760 هو أشهر سجين وأكثره تبحرا في علوم التكنولوجيا والألكترونيات، السجين المعجزة الذي تعلم اللغة الإنجليزية وأجادها داخل القاعدة الأمركية حتى استطاع تأليف كتاب عن معاناته  "يوميات غونتانامو" واضحى ذلك الكتاب من أكثر المبيعات عالميا وترجم لأكثر من عشرين لغة عالمية، وجلب له الكتاب تعاطفا كبيرا من قبل الأمريكيين،  قضى في غونتانامو خمس عشرة سنة ذاق فيها أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وتعرض للاغتصاب عدة مرات من قبل بعض الجنديات كما يقول في مذكراته أن الجنود الأمريكيين كانوا يمارسون الجنس المثلي إلى جانبه.

بدأت معاناة السجين رقم 760 في غونتانامو يوم  28 نوفمبر 2001 عندما سلمته دولته موريتانيا للمخابرات الأمريكية عبر الأردن ثم افغانستان، ليستقر به المقام به في غونتانامو.

استقال عدة ضباط في الجيش الأمريكي تضامنا معه ووصفوه بأنه مظلوم وبرأه قاضي فيدرالي أمريكي في العام 2010 و تحولت قضيته إلى قضية رأي عام دولي وازداد التعاطف الحقوقي معه بعد صدور كتابه "يوميات اغونتانامو"، أعلن الرجل الذي برئ من طرف أمريكا عفوه عن كل من ظلموه سواء كانوا موريتانيين أو أردنيين أو أمريكيين، يزوره الأمريكيون كثيرا ويحبونه لرزانته وغزارته في المعرفة.  

عاد إلى بلاده نوفمبر 2016  وأضحى محاضرا في عدة جامعات أوربية تستفيد من تجاربه في الحياة.

استطاعت الشروق ميديا أن تنتزع معه أول مقابلة صحفية لوسيلة إعلام عربية، كما استطاعت إخراج بعض التصريحات من ذكرياته وهو لم يتحدث عنها في كتابه.

المقابلة: 

الشروق ميديا: بداية  حمدا لله على السلامة أننتم اليوم تتنفسون هواء الحرية في وطن هجرتموه قسرا أكثر من عقد ونصف من الزمن، صف لنا شعورك حين حلقت بكم الطائرة في سماء نواكشوط عائدا من السجن؟

محمدو صلاحي: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم، بداية أشكرك على هذه الفرصة التي منحتني إياها واستضافتك لي في أول مقابلة لوسيلة إعلام موريتانية.

في الحقيقة من الصعب الجواب على هذا السؤال خاصة إذا كان بالكلام الشفهي، فالإنسان عندما يكتب مستقرا تكون الصورة أبلغ خاصة إذا كان الشخص عائدا من سنوات التعذيب الأليمة إلى وطن شرد عنه قسرا.

في الحقيقة يصعب علي كثيرا أن أصف ذلك الشعور، أتذكر ذلك الذي قدمت إلي الضابطة الأمريكية التي كانت من البحرية المقاتلة وكانت برتبة نقيب، نظرت إلي من ثقب العنبر الذي أرى منه بصيص النور ويدخل إلي منه الأكل، رأيت بعض وجهها وهي تضحك، فاستبشرت بتلك الضحكة الجديدة وقلت : سبحان الله هذا أجمل وجه رأيته في حياتي، كانت تضحك وتقول : هل تعلم أنك ستذهب إلى الديار، كان ذلك قبل أيام قليلة من الإفراج، قلت : صحيح؟!! قالت : نعم صحيح.

فرحت فرحا كبيرا يصاحبه ترقب شديد وتحفظ في نفس الوقت، لأنني سمعت أكثر من مرة أن عملية الإفراج اقتربت لكنها تكون كذبا في النهاية.

صدقني .. عندما حلقت الطائرة في الفضاء لم أكن أعلم أننا في سماء نواكشوط، لكن لما نزلت ورأيت الوجوه تأكدت أنني وصلت نواكشوط، فلا أدري كيف أحدثك عن ذلك الشعور.

 

ـ تحدثتم في مذكراتكم "يوميات غونتانامو" عن رحلة التنكيل التي بدأت بنواكشوط ومرت بالعاصمة الأردنية عمان فقاعدة باغرام في افغانستان وأخيرا في غونتانامو، ما هي أصعب تلك المحطات؟

محمدو صلاحي: هذا السؤال تصعب الإجابة عليه، لأن فيه حكمة تقول حزن ينفي حزنا (يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرجل).

لا شك أنك مررت بتجارب عدة، ولاحظت أن أكثر الألم هو الألم النفسي، فلو ضربك إنسان وأصبت بجروح فذلك أمر مؤلم للغاية، وربما إذا كانت الجروح نازفة في مواقع خطيرة من الجسم قد لا تندمل على المدى القريب، لكنها في الغالب ستندمل وتنتهي. 

أما الجروح التي لا تندمل مدى الحياة تلك التي تحز في النفس وتجعل الإنسان  في بعض الأحيان يقدم إلى الانتحار، وسمعت عن كثير من مشاهير العالم انتحروا لا يعلم أحد ما هي أسباب انتحارهم، وبالتأكيد ليست الظروف المادية، نتحدث عن الفنانة مرلين مورو ونتحدث عن كينك أوفوار، وأخيرا ممثلة مشهورة صغيرة جدا تسمى برتني ميفي وهي في عمر الثلاثين وفي قمة الجمال انتحرت، لماذا كل هذا الانتحار؟ لأن جراح القلب كما قلت لك تجعل المرء يفكر في كل شيء.

أصعب مرحلة مرت علي في تلك الرحلة هو ذلك اليوم وتلك الساعة الأليمة التي قررت فيها أن أزوِّر اعترافا كاذبا على نفسي بأنني شاركت في عمليات إرهابية عندما هددوا الوالدة بالتعذيب.

 

  إذن أنت اعترفت والاعتراف سيد الأدلة؟

محمدو صلاحي: ليس ذلك فقط هم طلبوا مني أن أقوم باعتراف مفصل في عملية إرهابية، حتى يذهبوا إلى المحكمة وعندهم سند قانوني واضح أمام القضاء، وهنا يجب أن نكون أمينين ونقول : إن الشعب الأمريكي ليس معتادا على تعذيب الإنسان وإهانته، ليس كما هو معروف في الوطن العربي والإسلامي الذي نشأ في الغالب على الدكتاتورية، فنحن لم نعرف الديمقراطية ولا الحرية بعد الخلافة الراشدة حتى اليوم، هنا تجربة ما زالت مبكرة في تونس لكنها لم تنضج، حقيتنا المرة أننا شعب دكتاتوري خلافا للشعب الأمريكي والإنسان الأمريكي العادي لا يعرف حقيقة .

لهذه الأسباب جعلهم يؤكدون أنهم بحاجة إلى اعتراف مقنع وملموس يكون سندا أمام المحكمة، طبعا فيه مكالمة كندية أهدتها لهم الحكومة الكندية طبعا خارج القانون مثلها مثل المكالمة الأمريكية، كانوا يقولون لي أنت تقول كلام فيه تمويه كبير جدا، مالذي كنت تقصده بالسكر والشاي في تلك المكالمة (يضحك ولد صلاحي تهكما)، أؤكد لهم أنها لا تحمل أي تمويه، كلما في الأمر أنها مكالمات عائلية فيها بعض الخصوصيات.

سنوات طويلة وأنا أؤكد أنني لا أموه قبل أن أعترف اضطرارا أنني أقصد بالسكر والشاي المتفجرات، وليس ذلك فقط، لقد اعترفت على أشخاص برءاء جدا لأن مسألة الاعتراف مسالة تملى على الشخص لا يكون له فيها أي دخل.

طبعا كل هذه الاعترافات كانت بهدف شيء وحيد هو توقيف التعذيب البدني والنفسي علي، وقد ساعدت لكنه مع ذلك لم يتوقف التعذيب للأسف.

هذه من أصعب المواقف لكن أصعب من ذلك أن تظلم أشخاصا تعلم أنهم لم يرتكبوا جرما في يوم من الأيام، ومع ذلك الأمريكيون كانوا أذكياء عندما حللوا هذه الاعترافات المزورة، قالوا في نهاية المطاف أنها غير صحيحة وأنها غير مقنعة بالمرة.

 

هل يمكن أن تصف لنا يوما من أيام رمضان 2001 بالعاصمة الأردنية عمان؟

محمدو ولد صلاحي: نعم وصلت إلى الأردن يوم 12 من رمضان 1421 الذي يوافق 29 فبراير 2001، وصلت عمان مذعورا جدا بعد أربعة عشر ساعة من التحليق في الجو، ودعت بلادي وقت الإفطار يوم 28 نوفمبر (يوم عيد الاستقلال الموريتاني)  وبتنا ليلنا في الطائرة الأردنية الصغيرة، لم أكن أسمع أي شيء، هي رحلة إلى المجهول، لا يدري المرء فيها إلى أين يذهب وماذا سينتظره، بت في تلك الطائرة، كنت أسترق صوت الإذاعة الأردنية وهي تهمس ببعض الأخبار البسيطة، لكنني لما ركزت سمعي علم المحقق بذلك فحولها إلى شريط من القرآن بصوت القارئ عبد الرحمن السديس، (يضحك ولد صلاحي) فقلت : الحمد لله رب ضارة نافعة القرآن ينزل السكينة على القلوب.

وصلت صباحا إلى العاصمة الأردنية عمان خائفا لا أدري ماذا ينتظرني، أعلم أني دخلت منعرجا آخر، وانتظار العذاب أشد من وقوعه، دخلت الزنزانة وأنا جائع جدا لا أستطيع الوقوف مستويا لشدة تعب الصوم، وأنا مريض جدا.

ومن صدف الحياة أنني رأيت أول ما رأيت في تلك الزنزانة كتاب "الملل والنحل" لابن حزم، فقلت مؤسف وضع أمتنا انقسمنا إلى فرق وجماعات يعذب بعضنا بعضا ويضرب بعضنا بعضا، لماذا الحديث عن الملل والنحل؟ فكرهت هذا الكتاب ورميته بطول يدي.

بعد فترة دخلت في غفوة حولتني إلى عالم من الكوابيس والأحلام والمفزعة جدا.

استيقظت على أحد الحراس وهو يحمل طعاما، لكني رفضت الطعام ورفضت كل شيء، الخوف مما هو آت جعلني لا اشتهي أي شيء، قلت : أريد أن ينتهي التحقيق وأرجع إلى والدتي.

نعم والدتي تذكرتها في تلك اللحظات المريرة، وتذكرت الآن وفرائصي ترتعد أنني كنت فعلا الطفل المدلل في حضن والدته،  

 

ـ في رحلتكم ودعتم الأم مساء يوم من أيام رمضان 2001 وأخيرا انتقلت والدتكم إلى الرفيق الأعلى كيف كان وقع وفاة الأم عليكم وأنت نزيلا في قاعدة غونتانامو؟

محمدو ولد صلاحي : خبر وفاة الوالدة كانت نقطة تحول في حياتي بمعتقل غونتانامو، لأنني في السنوات الأخيرة قبل وفاة الوالدة قضيتها وأنا في عزلة كاملة لا أكلم أحدا ولا أخاطب أحدا، حتى الحرس أحيانا بالكاد أرد عليهم التحية، حتى صاروا يسمونني the quite man (الرجل الهادئ) طبعا أنا لست منعزلا بطبيعتي أحب الكلام والحديث مع الناس.

كان ذلك قبل وفاة الوالدة، وعندما توفيت الوالدة بكيت كثيرا (سالت دموع ولد صلاحي وهو يتذكر ذلك المشهد) فرق لي الحرس وتعاطفوا معي في ذلك المشهد الحزين، بدأت أقرأ القرآن ولم أتوقف حتى ختمته كاملا، وكنت تعبانا جدا لأنني خارج من عملية جراحية عبارة عن استئصال الحويصلة الصفراء.

 

 لو عدنا إلى الوراء عقودا : انتم سافرتم إلى افغانستان بداية التسعينات من القرن الماضي للجهاد ضد السوفييت، أليس ذلك دليلا قاطعا على ارتباطكم بتنظيم القاعدة، وزعيمها أسامة بن لادن؟

محمدو ولد صلاحي: نعم أنا ذهبت إلى افغانستان بداية التسعينات في زمن كان السفر إلى تلك البلاد موضة عند كل الشباب العرب و المسلمين وكان الجهاد هنالك مدعوما من قبل السعودية والإمارات، وأنا لا أتنكر للماضي، وقد كبرت ونشأت وترعرعت في صفوف الحركة الإسلامية في موريتانيا وخاصة جماعة الإخوان المسلمين والجمعية الثقافية برئاسة المختار كاكيه، وهذه موضات شبابية قد تخليت عنها منذ عقود، لكنها ذكريات من العمر.

 نعم عزمت على الذهاب إلى افغانستان رغم أن الحالة المادية لا تسمح لي في ذلك الوقت،  وقلت ذلك للوالدة : أريد الذهاب إلى افغانستان، قالت مستغربة: هل تريد الموت!!؟ إذا كنت تريد ذلك فاذهب إلى شارع مزدحم بالطرق وكن في مواجهة إحدى السيارات وستموت مباشرة.

كان ذلك قبل ذهابي إلى ألمانيا، وعندما ذهبت إلى الدراسة في ألمانيا بدأت حالتي المادية تتحسس وما زالت الفكرة تراودني، وأنا شاب يريد أن يصنع شيئا جديدا وأن يكسر روتين مجتمع لا يعرف سوى الوظيفة والأسرة والأولاد ثم الموت، أردت أن أبدع في الحياة،

وفي ثقافتنا العربية يترسخ مبدأ البياض والسواد بشكل كبير، لا يوجد سوى شخصان شخص شيطاني، وشخص ملائكي، والأفغان في تلك الفترة كانوا ملائكة بالنسبة لنا، وطبعا الأفغان بعيدون كل البعد عن الملائكية، سنعرف لاحقا أنهم شعب همج لا يريدون الحضارة إطلاقا وبريقها إطلاقا.

المهم ذهبت إلى افغانستان وكان "الجهاد" في تلك الفترة بطولة، طبعا في تلك الفترة لم أكن مخالفا القانون الموريتاني ولا القانون الألماني، ولم أذهب متنكرا، بل ذهبت إلى السفارة الباكستانية بجواز سفر موريتاني وأخذت الفيزا بكل شفافية دون أن أخالف أي قانون، ورجعت بنفس الطريقة إلى ألمانيا وأنا طالب فيها يومئذ وكنت أتصل بالعائلة في تلك الفترة.

في تلك الفترة كان تنظيم القاعدة هو الذي يسير حركة "المجاهدين" بدعم من السعودية وأمريكا فمن كان "مجاهدا" في تلك الفترة تدربه القاعدة تلقائيا، وإذا أقسمت لهم على الولاء يسمحون لك بالتدريب وإلا فلا.

 

  هل شاركت في عمليات قتالية في افغانستان؟

محمدو: مجتمع "الزوايا" ليسوا مقاتلين بطبعهم  (يضحك محمدو ولد صلاحي) طبعا أنا ذهبت إلى معركة "غارديز" التي لم تكن فيها مقاومة من قبل "المجاهدين" والذي رأيت بأم عيني قصف شديد بطائرات السوفييت، فلما اختفت تلك الطائرات قالت لنا القيادة أن ندخل المدينة بعد خروج الأفغان منها، ودخلناها دون خسائر تذكر في صفوفنا.

رجعت مرة ثانية إلى افغانستان وقضيت شهرين، فلما بدأ "المجاهدون" يقتتلون فيما بينهم قررت يومها أن لا أعود إلى افغانستان.

في ألمانيا قضيتم عقدا من الزمن في الدراسة، وفي نفس الفترة كان بعض منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ألا تقول من باب الإنصاف وللتاريخ أن أمريكا كانت محقة في الاشتباه بشخص مسلم ربما ربطته زمالة بأولئك الشباب؟

محمدو: صحيح، أنا أقول أكثر من ذلك أن المخابرات الأمريكية من حقها أن تشتبه في شخص أرادت الاشتباه فيه، وأن تتابعه لكن لا يجوز أن يكون ذلك مبررا للخروج على القانون، ففي القانون الألماني ليس من الممنوع أن تكون متطرفا، وأن تكون لك لحية وتذهب إلى المسجد، وضد الحكومة الألمانية، وتريد تطبيق الشريعة الإسلامية.

أمريكا سألت ألمانيا عن محمدو ولد صلاحي وردّت عليها انني لست الشخص الذي يظنون قالت ذلك أكثر من مرة وكندا نفس الشيء قالت : لا يمكن أن يوقف محمدو ولد صلاحي لأنه لم يخالف القانون، ولكن أمريكا أصرّت أنني متّهم دون أي سند قانوني، فاتفقوا على استدراجي إلى بلادي موريتانيا، كانوا يعتبرونها للأسف غابة وليست دولة.

أنا أنصف أمريكا وصراحة لا ألومها رغم سنوات التعذيب الطويلة التي برئت بعدها لا ألومها إطلاقا بقدر ما ألوم دولتي موريتانيا، موريتانيا التي سلمتني رغم أن دستورها يجرّم صراحة تسليم المواطنين حتى ولو كانوا مجرمين فما بالك بشخص تعلم موريتانيا أنه بريء من كل ما كانت تنسب ِإليه دولة أجنبية.

 

 تقول في مذكراتك "بلادي باعتني كما لو كنت قطعة حلوى" ألا تنصف النظام السابق ومدير أمنه عندما تم الضغط عليهم من قبل أكبر قوة في العالم؟ وهل كان بالإمكان أن لا يتم تسليمكم إلى أمريكا؟

 محمدو: دعني أقول لك إنه لا يوجد أي عذر لتسليمي إلى أمريكا أبدا، لأنه ببساطة يخالف الدستور الموريتاني، يمكن مثلا أن أقدم للمحاكمة في موريتانيا، أو يقوم استفتاء صوري سريع يغير فيه الدستور حتى يكون هنالك مبرر لتسليمي إلى بلاد أجنبية.

للأسف وقع خرق للدستور في تسليمي من قبل رئيس الجمهورية، (وإذا كان رب البيت للدف ضاربا ... فلا تلمِ الصبيان فيه على الرقص).

 

 هل السلطات الموريتانية هي من أعادكم إلى الديار؟

محمدو : في الأشهر الأخيرة السلطات الموريتانية سعت إلى إرجاعي إلى موريتانيا بعد سنوات طويلة من التجاهل، وهي مناسبة أشكرها فيها على الاهتمام بي وإرجاعي إلى البلاد.

 

 الآن وبعد عودتكم إلى الديار ما زالت السلطات الموريتانية تمنعكم من حقوقكم المدنية، ما هي المبررات التي قدمتها لكم في هذا الشأن؟

محمدو: للأسف ما زالت أمريكا تنظر إلى موريتانيا على أنها ليست دولة إطلاقا، وإلا فلماذا تطلب منها أشياء لا يمكن أن تطبق في دولة على الأرض، المواطن الأمريكي لا يمكن الأمريكي دونالد ترامب الذي هو أعلى سلطة في البلد أن يمنعه من الحصول على أوراقه الثبوتية.

يمكن لترامب أن يقول لمواطن سأمنعك من الجواز لكنه سيسخر منه ويقول: من أنت حتى تمنعني من الأوراق، بل أكثر من ذلك منع بعض المسلمين من دخول أمريكا فذهبوا به إلى المحكمة ودمروا قراره مشكورين على ذلك.

أما أنا فمواطن موريتاني لم تتم إدانتي لا في ألمانيا ولا في أمريكا ولا في موريتانيا ومع ذلك تريد أمريكا منعي من حقوقي المدنية، وهو شيء مخجل ومضحك وواثق أن الحكومة الموريتانية لن تقبل بذلك إطلاقا، والسيد الرئيس قال في أكثر من مناسبة إنه لا يخضع للضغوط الخارجية، ويقصد بذلك ضغوط تتعلق بحقوق الإنسان دول تقول لموريتانيا أن تحترم حقوق الإنسان لا تخضع موريتانيا إليها فكيف تخضع لضغوط فيه إهانة للإنسان.

 

أنت تحمل المسؤولية لأمريكا وليس لموريتانيا؟

محمدو: لا لا أبدا أنا أحمل المسؤولية هنا لموريتانيا فقط وليس لأمريكا، أنا مواطن موريتاني أطالب بأوراق موريتانية من دولة موريتانيا التي تملك أوراقي.

 

 هل من منظمات حقوقية تستحق الشكر والإشادة؟

محمدو: كل المنظمات الدولية والوطنية تستحق الشكر فكانت قضيتي محل إجماع موريتاني، ومحل إجماع حقوقي عالمي، فممتن لها جميعا وأشكرها على ما قدمته حتى عدت إلى البلاد، الكثير من المنظمات لم أسمع عنها وأنا في السجن حتى منظمة "إنصاف" التي كانت رائدة في هذا المجال لم أسمع عنها هنالك.

 

في مذكراتكم "يوميات غونتانامو" تم الشطب على الكثير من المعلومات من قبل المخابرات الأمريكية، الآن وبعد خروجكم ما هي أهم المعلومات التي تم الشطب عليها، ومن هي الشخصيات المهمة التي تم حذف أسمائها؟

محمدو: المشطوب عليه ينقسم إلى نوعين: أسماء أشخاص متورطين في التعذيب، ومعلومات أخرى لا يراد لها أن تخرج، وهناك معلومات أخرى كانت لصالحي وهي أن جهاز كشف الكذب كان إلى جانبي ولم يشهد علي في يوم من الأيام، فكان ذلك محرجا للأمريكان وشطبوا صفحات عدة تتعلق بذلك الجهاز الذي قال في أكثر من تقرير إنني بريء.

هناك شخص مهم جدا وهو ريتشرد زول هذا الرجل كان مفوض شرطة شيكاغو لسنوات طويلة، وكان معروفا بتعذيب السود، أنا لم أكن أعرف هذا الشخص لكن الصحافة الأمريكية الأذكياء قرأت الكتاب وربطت الخيوط واستطاعت أن تكتشف أنه نفس الشخص، وخرج أناس كثيرون والحمد لله بسبب كتابي.

بالإمكان أن تسأل كيف عرفت اسم هذا الشخص، حيث وقعت حادثة غريبة يوما من الأيام كنت في التحقيق فجاء المحقق وقرأ اسمه، والغريب قوة ذاكرة السجين أي سجين  لا ينسى ابدا، فبعد أشهر وعندما أردت التوقيع على الاعتراف الخاطئ، اكتشفت أن اسمه في تلك الفترة كان "كابتن كارث" وأنا أعرف أنه خاطئ، فقلت للحرسي: أنا أريد أن أرى "كابتن كارث" فذهب مسافة مني وقال لصديقه، أريد "ريتشرد زول" فاسترقت السمع من المحققين وكانت هدية كبيرة لي، كنت أستمع لهم وأتمتع بالحديث معهم وأدرس جميع حركات المحققين. 

 

 أخيرا ما ذا تعني لك هذه الشخصيات : الرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، مدير الأمن السابق اعلي ولد محمد فال، مدير المخابرات السابق دداهي ولد عبد الله، الوالدة مريم بنت الوديعه.

محمدو ولد صلاحي:

ـ معاوية ولد الطايع رئيس سابق أذكر له أنه أول من وضع لبنة الديمقراطية، لكنه للأسف لم نكن نعرف في فترته دولة القانون.

ـ اعلي ولد محمد فال: (سكت ولد صلاحي طويلا) أول رئيس موريتاني سلم السلطة، عفا الله عنه وغفر له وتغمهد برحمته الواسعة.

ـ دداهي ولد عبد الله : كان بإمكانه أن يكون بطلا قوميا لو رفض تسليمي، وأعطاني فرصة الهروب مساء ذلك اليوم المشؤوم الذي سلمني فيها إلى الطائرة الأردنية.

ـ مريم بنت الوديعه: والدتي التي عشت في حضنها وهي أحب إنسان عرفته في حياتي وعرفت حنانه وحبها عندما دخلت السجن.

 صورة من  "يوميات غونتانامو"

 

حوار مختار بابتاح

حوار مختار بابتاح

اقرأ أيضا