دعم أمريكا العسكري في الساحل.. الحلفاء يباشرون العمل (تقرير)

اثنين, 2020-07-06 00:15

قبل بضعة أشهر أعلن وزير الدفاع الأمريكي مارك أسبر عن مراجعة واسعة بهدف إعادة تقييم الوجود العسكري الأمريكي بشكل عام في الخارج، ومواءمة الإنفاق بأفضل طريقة ممكنة مع أولويات استراتيجية الدفاع الوطني في التنافس مع روسيا والصين.

ومن المفترض أن تنتهي هذه المراجعة في سبتمبر بعد أن يكتمل تقييم كل القيادات، بدءًا بأفريكوم وبالقيادة الأمريكية الجنوبية.

وبينما تجري هذه المراجعة، فإن عودة إلى الوراء للوقوف على القيمة الاستراتيجية للمشاركة التكتيكية الأمريكية إلى جانب الحلفاء في واحدة من أهم مناطق أفريكوم، وهي منطقة الساحل، تكشف عن قصة نجاح لا يعرفها كثيرون.

ويقول مسؤول بارز في وزارة الدفاع الأمريكية معني بعمليات الحلفاء هناك إنه "مع تعبئة عدد قليل جدًا من الوسائل، فإن الولايات المتحدة توفر ميزة لا نظير لها. وليس ذلك من منظور تكتيكي فحسب، بل أيضًا من حيث تأثيرها الاستراتيجي".

عند النظر إلى مسرح عمليات يمتد على حوالي 4 ملايين كيلومتر مربع، فغالبًا ما ينصرف الانتباه عن التناسب بين حضور عسكري محدود جدًا وبين هدف ذي قيمة مضافة كبيرة. ويبلغ عدد القوات الأمريكية التي تنتشر أساسًا في النيجر أقل من 1000 رجل (800 جندي وفقًا لمعظم المصادر)، في حين أن نوع الدعم المقدم لعملية "بارخان" التي تقودها فرنسا في المنطقة لا يتطلب وجودًا أمريكيًا واسع النطاق في القارة الأفريقية.

وتشمل عملية "بارخان" خمسة بلدان تم فيها التعامل مع الاضطراب الناتج عن التهريب والجماعات الإرهابية لعدة سنوات وهي موريتانيا وتشاد ومالي والنيجر وبوركينا فاسو. ومنذ البداية، كانت القوات الفرنسية تعتمد على الولايات المتحدة في ثلاث قدرات هي: الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، والتزود بالوقود جوًا، والنقل الاستراتيجي. ويجري تنفيذ هذه المهام بشكل أساسي من قواعد خارج إفريقيا، مثل قاعدة مورون في إسبانيا بالنسبة للنقل الاستراتيجي والتزود بالوقود، بل وحتى من الأراضي الأمريكية من قاعدة كاليفورنيا لعمليات الطائرات المسيرة.

وبحسب عميد سلاح الجو الفرنسي الجنرال سيريل كارسي، الذي يقيم حاليًا في نجامينا ويعمل نائبًا لقائد عملية "بارخان" ـ فقد خفضت الولايات المتحدة مساعدتها في هذه المجالات الثلاثة بمقدار النصف تقريبًا مع تعبئة حلفاء أوروبيين آخرين لمعدات جديدة، وبالتالي إدخال تكتيكات جديدة قيد الاستخدام.

ويمثل وصول طائرة "إيرباص 400-إم" مثالاً جيدًا، حيث تستخدمها كل من القوات الجوية الفرنسية والإسبانية بشكل منتظم. وفي الآونة الأخيرة، تمكنت الطائرة "400-إم" للمرة الأولى من الانطلاق من فرنسا إلى مسرح العمليات لإسقاط الإمدادات مباشرة للقوات التي تنفذ عملية مشتركة، وكانت عامل تمكين لوجستي رئيسيًا.

وعلى غرار ذلك، فإن خطط تسليم دفعة من طائرات "إم كيو 9 ريبر" في الأشهر القادمة ستمنح القوات المسلحة الفرنسية استقلالية تامة في استخدام الطائرات المسيرة التي تصنعها شركة جنرال أتوميكس والتي تمركزت فعلاً في نيامي.

لكن المساعدة الأمريكية تظل عاملاً رئيسيًا. "فرغم أن اعتمادنا على الولايات المتحدة قد تضاءل، إلا أننا بحاجة بالفعل إلى مساعدتهم، لأن كل شيء سيستغرق منا وقتًا أطول. سنكون قادرين على إنجازه لكن بشكل أبطأ، وكما تعلم فإن قتال الجهاديين هو قبل كل شيء حرب سرعة، ولا بد أن يكون الفارق الزمني قصيراً جدًا بين وصول المعلومات وبين الضربات. وما يأخذ منا شهرًا الآن سيستغرق منا شهرًا ونصفاً بدون مساعدة الولايات المتحدة".

ووفقًا للجنرال الفرنسي، فإن القوات المسلحة الفرنسية تقدر عالياً استجابة الصناعات الدفاعية الأمريكية لدعم المعدات الفرنسية (جنرال أتوميكس بالنسبة للطائرات المسيرة، ولوكهيد مارتن بالنسبة لطائرة النقل العسكري "سي 130 جي")، مضيفًا أن الأمريكيون "مرنون للغاية وينصتون ويجدون دائمًا الحلول ولا يقولون أبدًا: هذا لا يدخل ضمن الصفقة!".

 

قيمة استراتيجية عالية

رغم كونه بعيداً جداً عن الأنظار ولا يكلف إلا 60 مليون دولار وهي مبلغ صغير نسبيًا، إلا أن القيادة والجيش الفرنسيين، وفقا لمصادر مختلفة، يعتبران الدعم الأمريكي حيويًا. ومن شأن انسحاب كامل لـ"أفريكوم" من هذا الجزء من العالم أن يبعث برسالة خاطئة، في وقت زادت فيه فرنسا مستوى حضورها إلى 5100 جندي، بينما تعمل بشكل متزايد وبطريقة متكاملة مع الحلفاء الأفارقة والأوروبيين، والذين يزداد أيضًا عدد المنخرطين منهم. وكما قال قائد الأركان الفرنسي الجنرال لوكوينتر أمام الجمعية الوطنية الفرنسية: "إذا اضطررنا إلى الاستغناء (عن الأمريكيين)، فسوف نفعل ذلك. ولكن في الوقت الذي تبذل فيه فرنسا جهودًا كبيرة وتسعى للضغط على شركائها وحلفائها الأوروبيين، فإن الانسحاب الأمريكي سيكون إشارة سياسية سلبية جدا".

وتحرز الولايات المتحدة ثلاث مزايا استراتيجية رئيسية على الأقل من تدابير الدعم الحالية:

 

1. الحرب المشتركة ضد الإرهاب: حيث إن وجودنا المشترك لا يمنع فقط المزيد من الجهاديين من القدوم من الشرق الأوسط لتعزيز "داعش" في الصحراء الكبرى، بل يساعد أيضاً على تقويض قدرتهم على التواصل. ونظرًا لأن العدو في هذا الجزء من العالم يستخدم بشكل أساسي الطائرات المسيرة في الغالب للدعاية، تنشط قوات بارخان وحكومات مجموعة الخمس في الساحل بشكل كبير في مواجهة هذا الظهور الإعلامي والقدرة على التجنيد اللذين يهدفان إلى ارتكاب المزيد من الأعمال الإرهابية ليس في أفريقيا فقط، بل أيضًا في الولايات المتحدة وأوروبا.

2. كما يعمل الجيش الأمريكي بشكل وثيق مع قيادة بارخان ولديه إمكانية الاستفادة من خبرة فرنسا في المنطقة التي تعود إلى قرون خلت، وهذه المعرفة تستوعب بشكل متزايد أبعادًا تتعلق بالأنشطة الروسية، وفي المقام الأول بالأنشطة الصينية في هذا الجزء من العالم. والاستخبارات البشرية والمعرفة العميقة لدى الفرنسيين تكملان إلى حد بعيد جدًا المعلومات التي يتوفر عليها الأمريكيون عن طريق اعتراض الإشارات وصور الأقمار الصناعية... وقبل وباء كوفيد-19، كان هناك اجتماع مع أفريكوم ينعقد مرة شهريًا لتبادل المعلومات الاستخبارية. ويشير كارسي إلى أن " بارخان تشكل أيضًا منصة مثالية لرصد جنوب ليبيا من حيث الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع"، وبالتالي يمكن استخدام التدخل الأمريكي وسيلة لممارسة النفوذ في حالات الطوارئ مستقبلًا.

3. إضافة إلى ذلك فمع الانسحاب من أفغانستان (وإلى حد ما من العراق وسوريا)، توفر بارخان فرصة للحفاظ المهارات المكتسبة من خلال العمل معًا في مناطق العمليات تلك، بهدف الاستمرار في تحسين قدرات العمل المشترك فيما بيننا والاستعداد معًا للمستقبل.

 

ويقول كارسي إن المعركة ضد الإرهابيين تضمنت مؤخرًا طفرة كبيرة في عمليات الحلفاء التي وضعت حدًا لهجمات أصبحت خلال العام الماضي منتظمة شهريًا، ضد كل من القوات الأفريقية وقوات بارخان. إلا أنه يبقى ضروريًا التأكد من عدم ظهور التهديد مجددًا، وذلك بينما تستمر خطط جيوش دول الساحل لتعزيز قدراتها وتوسيع نطاق المسؤوليات التي تضطلع بها في المنطقة. ويجب ألّا تذهب سُدى تضحيات الجنود الأمريكيين وحلفائهم. ومن ثم يحرص كارسي والجيش الفرنسي على التأكد من أن وفاة الجنود الأمريكيين الذين وقعوا في كمين خارج بلدة "تونغو تونغو" في النيجر عام 2017 لن يمر دون عقاب. "فالجناة معروفون وملاحقتهم مستمرة، والمعدات التي سرقها الإرهابيون من القوات الأمريكية حينها، والتي يعتبرونها مجرد "طلاسم"، سوف تُسترد حالما يكون ذلك ممكنًا وتعاد إلى الولايات المتحدة عبر السفراء. فتلك قضية كرامة وإخلاص وتأكيد للإرهابيين أنهم لن ينتصروا".

الكاتبة ميريَل ديلابورت – موقع "بريكينج ديفانس"

ترجمة وتحرير: الشروق ميديا

للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا

 

اقرأ أيضا