طريق كيهيدي .. على درب الفارين من القحط

ثلاثاء, 2018-05-29 03:40

المكان منطقة "العقل" و"رقابها" جنوب مدينة بتلميت، الزمان سنوات الاربعينات من القرن العشرين، هي ليست سنوات بل هي سنون كسني يوسف أو أشد، قحط ماحق، جفاف يجتاح البلاد فيقتل العباد.. سبع شداد يبس فيها الزرع وجفَ الضرعُ.. المواشي تحولت إلى ذكريات متعفنة تُرعف الأنوف المرضى في بقايا جِيف تملأ أديم الأرض التي لم يعد أحد يصدق شعراءها الذين تغنوا بعوسجها وبشامها ذات زمان مخضر.

 شمس تقترب أميالا فتحرق ـ  ربع إلى نصف إلى أجساد عارية بالكامل ـ  حرقا وقليل ما هم من يصمد في تلك البيداء القاحلة.

 لم يعد حديث المشاة ـ حتى لا نقول الركبان ـ إلا عن وفيات متكررة لمختلف الأعمار بسبب الجوع والجوع فقط في تلك المنطقة من كوكب الأرض الملتهب يومئذ في حرب كونية تمتد ساحتها  من "هوريشيما" اليابانية إلى "ميونيخ" الألمانية.

الحديث هنا في هذه المنطقة من الأرض  عن مرضى الجفاف وشهداء القحط وأيتام الكارثة فيا حسرتى على أم لغلامين يتيمين قتلها الجوع في رحلة معاناة عنوانها البحث عن ما يسد رمق فلذتي كبدها، ماتت في نفس اليوم القائظ دون وداع، دون وصية دون قبلة أخيرة،  خرج النجل الأكبر يبحث عنها بعد أن شد وثاق شقيقه الأصغر في جذع شجرة يبحث عن والدته الوحيدة.. عبثا يستغيث في تلك البيداء القاحلة .. أماه .. أماه .. أماه .. أخيرا أمك ملقاة في بقايا غابات من الطلح اليابس تتوسد جذع شجرة.. وحيد ذلك الطفل لا يدري أي الأمرين أدهى أهو الجوع أم فقدان الأم أم تلك الايام النحسات وما يصاحبها من آلام..

حديث آخر عن رجل غلبه الحياء فهو يستحي أن يدخل خيام الحي في النهار لأنه أصبح عاريا بالكامل لا لباس يباع في هذه الأرض ولا مواشي تستخرج منها الجلود، فيلجأ إلى بعض الجيف المتعفنة عله  يجد قشرة يستر بها عورته، لكنه يخفق مرات ومرات فالجثث كلها عظام نخرة.

وفي مجتمع يغلبه الحياء والتدين تبقى العذارى في أخدارهن محتشمات متلحفات بلباس التقوى والتقوى فقط فهن يحاولن الابتعاد عن الأنظار في النهار حتى لا يكشفن ولا تدري المرأة المسنة كيف تتقاسم ملحفتها العتيقة مع ما تبقى من بناتها..

في خضم تلك اللمشاهد وفي تلك الصحراء القاحلة وفي ذلك الفضاء المفعم بالحسرة على من قضوا نحبهم قرر ما تبقى من رجال الحي الهجرة بتلك الأجساد العارية إلى هنالك على ضفة النهر، هنالك في مرفأ كيهيدي وحيث يعيش بعض التجار الصامدين الذين ضمنوا أن لا يموت في ظلهم أحد من الجوع والقحط.. لكن هيهات!! من يستطيع أن يصل  تلك الارض؟ أهي الأجساد العارية التي أنهكها القحط؟ أم ما تبقى من الجمال الهازلة؟ وكيف تعبر تلك الصحراء القاحلة؟؟

 

يتواصل..

 

مختار بابتاح

اقرأ أيضا