رسالة مفتوحة
السيد رئيس الجمهورية،
بهذه الكلمات، ما كانت الشجاعة لتنقصكم عندما ذكرتم أن الرق "جريمة ضد الإنسانية". وبصدق، شرحتم للذين يأخذون على الغرب نصيبه من المسؤولية أن "المتاجرة بالبشر في ليبيا تعرض لها أفارقة على يد أفارقة".
إنكم تستعدون للمجيء إلى موريتانيا حيث الرق، السائد والسحيق، يظل فعلة يمارسها أفارقة ضد أفارقة آخرين. سوف تلتقون برجل دولة كان شاهدا على محاولة تطهير عرقي ضد السكان السود ما بين 1986-1991. ومعه سوف تتحدثان عن التحديات القائمة في وجه السلام والتنمية في جميع أنحاء منطقة الساحل والصحراء.
مكافحة الإرهاب ستكون أولوية محادثاتكم. بيد أن الرق، والعنصرية تجاه السود، والتطرف الديني أمور تشكل، في موريتانيا، واجهة لنفس الظلم.
تواصل الآفة القديمة قدم التاريخ، والمتمثلة في استغلال يد عاملة مقهورة، صياغة ذاكرةِ وحاضر ذويّ. فقبل الاستعمار بزمن بعيد، وُلد الملايين من مواطنيّ تحت نير هذه الآفة، وما يزالون يتعرضون لها حتى اليوم. يتعلق الأمر بخزي محلي كان نتاج تاريخنا وتعبيرا عن لا إنسانية فجة لا تربطها أية علاقة سببية بالامبريالية.
الحراطين، الأقل شأنا من غيرهم والمستغلون منذ النشأة، هم الطبقة المنبوذة الخادمة التي تم بناء موريتانيا من عرق جبينها. وبذريعة عرقية، كانوا يخضعون للبيع والتشويه الجسدي، كما كانوا و مازالوا يُرغمون على أن يبقوا حبيسي أعمال غير لائقة، مع أنهم يُمنحون هدية ويُفصل بعضهم عن بعض بفعل التركة. إن الفقه المنظم لحياة العبيد فينا، المدعو "المذهب المالكي"، أو "الشريعة"، يشيع استخدام هذه اللحوم الموزعة بالتقسيط إلى درجة قوْننة تفاصيل الاغتصاب ومضاجعة النساء القاصرات أحيانا.
لقد كانت محاولة التطهير العرقي ما بين 1986-1991 تستهدف إبادة، وإلا تهجير الأعراق المكونة من الساكنة الأوائل المنحدرين جميعهم من أصول افريقية أمثال الولوف والبمباره والسونينكي والناطقين بالبولارية. وتمخضت تلك التجربة الدموية عن عشرات آلاف المُرَحّلين واللاجئين، وعن نهب صاحَبَه عنف، وعن تتفيه للتعذيب، واغتيالات جماعية، واختفاءات قسرية، ومصادرة المواشي والأراضي، والطرد الجماعي من مختلف قطاعات الوظيفة العمومية وقوى الجيش والأمن. وبموازاة مع ذلك، وبين عشية وضحاها، سُلـّمت الدولة للقبائل، وبلغ التخريب ذروته مع انهيار المدرسة والحرب الإلزامية على تعليم اللغات الأجنبية. ومن تلك اللحظة، انغرست موريتانيا، الجاثمة على ركبتيها، في أتون الغلوّ والبؤس.
هذه الفظائع، المنسوبة للدولة، خلقت شقاقا بنيويا وتنافرا داخل المجتمع ذي المصير المشترك وبين المكونات المنحدرة من جنوب الصحراء والمجتمع العربي-الصنهاجي. ولم يتم أبدا أي إصلاح للعطب بحجم الخسارة. وبدلا من المصالحة، أصبح الانفلات من العقوبة سيد الموقف، وأضحت المطالبة بنشر الحقيقة، المؤجلة باستمرار، مرادفة للجريمة. فباستثناء الرئيس المدني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، المخلوع سنة 2009 بُعيد انقلاب قاده حارس أمنه الشخصي، الحاكم حاليا، فقد بلور الإنكارُ والتستر حقيقة الإجماع على ضرورة إسكات الجريمة. إن شرعية نظام الهيمنة القائم تتجذر في هذا الصمت المؤسِّس. ولا يبتغي الانجراف الحالي لموريتانيا نحو الوهابية المفرطة أية أهداف غير التمييز تحت حجاب المقدس بغية نشره أكثر. وهنا، تستخدم السيطرة التاريخية أقصى احتياطاتها من المكر.
في شهر مايو 2018، سطرت اللجنة الأممية للقضاء على التمييز العرقي، الملتئمة بجنيف، في سجلها إعادة إنتاج التفاوتات المرتبطة بشجرات النسب وديمومة انعكاساتها على نطاق واسع. وشددت التوصيات على نصيب تساهل المحاكم بشأن المتابعات القضائية النادرة ضد مرتكبي الممارسات الاسترقاقية. لا حاجة في أن نبحث بعيدا عن مصدر ذلك التراخي، ففي يوم 3 مايو 2016 أعلن رئيس الدولة خلال خطاب ألقاه بمدينة النعمه أن: "أعداد الحراطين كبيرة، وأنهم يلدون الكثير من الأطفال، ولا شيء يمكن فعله لهم في مثل هذه الظروف". وهكذا فإن سياسة الحكومة تبحث عن الشطب، اجتماعيا، على الحراطين والمكونات الإفريقية الموريتانية لأن تخيّل تضاعفهم الديمغرافي يزيد لحامة الأسياد القدماء ضمن تضامن مَرَدّه الذعر.
تعتبر هذه البلاد نفسَها "عربية-اسلامية" بالرغم من أن أغلبية سكانها سود وأن تلك الأغلبية آخذة في الازدياد. ومن أجل غد متسم بالسلام، فإن الحيطة تقتضي من النخبة الحاكمة، في تقهقر، أن تنظم مجرى طموحات الكثيرين إلى المساواة بدلا من أن تسده. وسيكون ثمن مثل هذه الجراءة، المعاكسة لما علمتنا التجارب، باهظا.
هذه، سعادة الرئيس، نصيحة ثمينة تجاه نظيركم محمد ولد عبد العزيز.
كم مرة سُجننا، وقاسينا جسديا، وأحِلنا إلى الفيفاء، وتم تعريضنا لانتقام الدهماء، فقط لأننا نطالب بالحقوق الكلية في الحياة الحرة والكريمة على أرض أسلافنا؟!. روابطنا محرمة وأحزابنا منفية مجمدة باستمرار على هامش الانتخابات. الآلاف منا يتيهون في الزمن الاجتماعي دون وجه أو شخصية قانونية كما تذكر منظمة اهيومن رايت ووتش في تقريرها الصادر يوم 29 مارس 2018 عندما تقول بالحرف: "المسلسل الوطني للتقييد في الحالة المدنية بموريتانيا يمنع بعض الأطفال من التسجيل في المدارس العمومية والقيام بامتحانات وطنية إلزامية". لقد تحولت القياسات البيومترية إلى أداة لتهميش المكونات المشكلة للأكثرية بغية إعاقة ولوجها إلى بطاقات التعريف وبطاقات الناخب. الخبراء المستقلون وباقي مقرري مجموعات العمل الأممية يصفون، في تقاريرهم المعدة من 2005 إلى 2017، بلدا جعله تفاقم حجم الظلم عرضة للتفكك.
من جهة أخرى، نددت الأمم المتحدة باضطهاد المدون محمد الشيخ ولد امخيطير المسجون منذ 4 سنوات. فبعد اتهامه بالردة، (وهي موقف يعاقب عليه بالإعدام في القانون الجنائي) خففت إحدى المحاكم الحكم إلى سنتين من السجن آخذة توبته بعين الاعتبار. وكان عليه أن يحصل على حقوقه الأساسية لولا أن الجناح المحافظ في السلطة، بالتناغم مع الفصائل المقربة من الجهاديين ضمن النظام الحاكم، قرر أن يُبقيه مختطفا في انتظار جلسة الطعن أمام المحكمة العليا. والحقيقة أن المتهم السابق، المختطف اليوم في مكان مجهول، يواجه خطر الاغتيال. وكانت مجموعة العمل حول الاعتقالات التعسفية التابعة للأمم المتحدة قد طالبت بإطلاق سراحه منذ شهر ابريل 2017.
الأدهى من كل ذلك أن مجلس الوزراء قدم للبرلمان مشروع قانون يعاقب بالإعدام "كل من سبّ" أو استهزأ بما له علاقة بالدين دون إمكانية أن يُستتاب. وبفضل المزايدات مع المجموعات الظلامية، اختفت حالات التخفيف الأصيلة في الشريعة، من مجال القانون الموريتاني . وفي يوم 27 ابريل 2018 صوت النواب على النص القاتل للحرية و البدعة في الشريعة، سائرين بذلك عكس مسيرة المسلمين نحو البحث عن الحداثة والحقوق والوقاية من العنف.
ومعروف أن موريتانيا، العضو في مجموعة الـ5 بالساحل، تحارب المجموعات الجهادية خارج حدودها وتطبق برامجهم على أرضها. وثمة مدارس عِلم "إسلامي" لا تمارس عليها الدولة أية رقابة على المناهج التدريسية فتحولت بذلك إلى مراكز للتطرف يتعلم فيها آلاف الشبان كراهية الآخر، ودونية المرأة، والحق في القضاء على حرية الضمير والتنوع الثقافي. فبدلا من علوم تسلحهم في التنافس على الامتياز، ها هم يوجهون إلى المعركة وكلهم بغض للحقوق والمَسَرّات والآداب والعلوم وكل تمظهرات الحياة. فمن الماضي، جَعل لهم التعليم المتراجع نُزُلا وأملا. إنه يعلمهم أن يعتبروا ويفهموا وينقلوا العلاقة بالدنيا بنظرة واحدة: ألا وهي نظرة ما بعد القبور.
السيد الرئيس، إن كل نظام تحت نيره تتضخم وتتورّم كراهية الآخر ، وعدم الثقة في المعرفة، ورفض الاستحقاق الدنيوي، وابتغاء الموت، لن يساهم في احتواء الإرهاب. فالإرهاب يسبقه تلقين، كما أنه ينتج عن تربية على الأسوأ قبل الشروع في الفعل.
إذن، باسم العالم الحر، الملهم لانطلاقة المطالب الديمقراطية في بلاد الإسلام، ومن أجل الحضارة، والجنس البشري، وبلدكم العظيم، لا تتغاضوا، من فضلكم، عن الانحراف الذي يدمر ويُلبس ثوب الحداد ويقتل.
نواكشوط يوم 18/06/2018
بيرام الداه اعبيد
رئيس شبكة ايرا في العالم