عكرت رياح ما بعد الربيع العربي شبه الهدوء الذي بدأ يظهر نسيبا في الشمال المالي ، الذي سرعان ما تحول إلى نقطة ساخنة تلتقي فيها مصالح أكثر الجماعات و الدول تناقضا و اختلافا، وقد كان سقوط القذافي -و ما رافقه من سيل للسلاح والمقاتلين نحو الجنوب- الإشارة الخضراء الأولى للتأزم حيث عاد المحاربون الأزواديون من أجل إعادة حلم الوطن (دولة أزواد ) و الذي رفضه أسلافهم أيام الاستعمار الفرنسي أواسط ستينيات القرن الماضي، كما تزامنت تحركات الحركة الوطنية الأزوادية مع ظهور الحركات المسلحة التي ترفع الراية الإسلامية المتناقضة مع الحركة الوطنية ذات التوجهات العلمانية.
إلا أن العامل الأبرز و الذي حرك عجلة التعقيد في الشمال المالي هو السقوط السريع للجيش المالي أمام الجماعات المسلحة إضافة إلى انقلاب سانوغو الذي عطل مؤسسات الدولة في باماكو فما بالك بالشمال ذي الشكاوى المتكررة من التهميش و المتهم حتى في انتمائه لمالي الوطن الأم.
تحول الشمال المالي بشكل مفاجئ إلى نقطة ساخنة اجتمع فيها كل الفاعلين بداية بالجماعات المسلحة التي أدت إلى ظهور عملية سيرفال التي تقول فرنسا إنها أنهت مهمتها، و مع ذلك بقي المد المسلح على حاله بل و ازداد تعقيدا، كما أن فرنسا نفسها دفعت بعملية برخان و التي ما زالت تدير المشهد العسكري ، إلا أنها زادت من شراسة الجماعات الجهادية بل و أعطتها مبررات أكثر لهذه الحرب التي بدأت تأخذ صيغة المقدس و رفع الاحتلال ، الذي ازداد بعملية آفريكوم .
جرح الشمال المالي بدأ يقلق الدول المحيطة أكثر فأكثر فتحركت دول الساحل الحديثة المنشأ إلى بناء قوة عسكرية بدعم من فرنسا التي بدأت خسائرها العسكرية تزداد يوما بعد يوم، كما أن القوة العسكرية الجديدة وجدت لها ملجأ في دول الخليج و بعض الدول الساعية إلى كسب لها مكانة في المعترك الإفريقي النائم على أطنان الثروات الأولية .
شمال مالي لم يكن في يوم من الأيام أزمة محلية خالصة ، فموريتانيا و النيجر و غيرها من دول الجوار أكبر المتأثرين بهذا التوتر، حيث يوجد في موريتانيا مثلا آلاف اللاجئين و الذين يشكلون ضغطا على الموقف الموريتاني من الصراع، في حين تواجه المصالح الفرنسية في المنطقة تهديدا كبيرا بعد إعلانها هدفا مشروعا للحركات الجهادية و المسلحة .
في الظرف المحيط يبقى الرهان الحقيقي هو التحرك الرسمي من جمهورية مالي ، و لكن هذا البلد بحاجة إلى دعم دولي في جوانب التمويل و اللوجستيك بعيدا عن نزول القوات الأجنبية إلى الأراضي المالية و خاصة الشمال الذي يوجد فيه أكثر شعوب العالم تمردا و نخوة –وربما هذه هي الرسالة التي فهمت دول الساحل و تسعى الى تطبيقها.