الشروق ميديا ـ نواكشوط : (خاص) أسئلة كثيرة ومحيرة وعلامات استفهام تتزايد بشكل متلاحق منذ أشهر عن صفحة مثيرة للجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، وبوابة ألكترونية شغلت مرتادي التواصل الاجتماعي بغرابتها من حيث الشكل والمضمون والهدف تسمى "الروية la vision" وتطرح هذه الصفحة الغامضة أكثر من سؤال حول من يقف وراءها؟ وما هي أهدافها المعلنة وغير المعلنة؟ وما هو خطها التحريري؟ وهل فعلا تدار من خارج البلاد خاصة أنها تتمتع بوسائل إنتاج تنافس كل وسائل الإعلام المرئية الرسمية وغير الرسمية !؟
صفحة "الرؤية" تنشر الأخبار اليومية في قصاصات على شكل "موشن جرافيك" كما تقوم بتصوير وإنتاج بعض الوثائقيات والبرامج التلفزيونية بجودة عالية استطاعت من خلالها ان تحصل على 80 ألف متابع على صفحتها في الفيس بوك.
وفي قمة الاتحاد الافريقي تألقت هذه الصفحة ونقلت وقائع القمة أولا بأول من خلال فنيين بارعين في التصوير و"غرافيكس".
وفي برنامج "قوافي المديح" خلال رمضان الماضي تمت متابعته على اليوتيوب والفيس بوك واتويتر بالآلاف واستضافت كبار فحول الشعراء الفصيحين واللهجيين أمثال محمـد الامين ولد أحمد دي وباته بنت البراء وحسني ولد شاش.
وهكذا استطاعت هذه الصفحة الغريبة في أشهر معدودة أن تتحول إلى اهتمام الكثير من المدونين، ومساءلتهم عن ما وراء أكمتها، من اتهام بعضهم لها بأنها تدار من خارج موريتانيا، إلى قائل إن جهات معارضة تقف وراءها وتحاول التمويه من خلال عروض خجولة لإنجازات الرئيس محمد ود عبد العزيز في مقابل تلميع وإبراز بعض شخصيات النظام العسكرية والمدنية كبديل عن الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
وبأسلوب الإثارة المصاحب لدقة الصورة استطاعت هذه الصفحة أن تجذب المشاهدين إليها، وأخيرا أضحت هذه الصفحة تواكب حالة الطقس يوميا على مستوى التراب الوطني، كما تنشر جدولة الطيران في مطار أم التونسيي.
ورغم هذا التطور المتسارع لهذه الصفحة إلا أن الفضول الصحفي لدى إعلاميينا وقف عاجزا عن كشف حقيقة هذا اللغز الغامض المسمى "الرؤية".
الشروق ميديا استقصت حقيقة هذا اللغز واستطاعت أن تكشف مزيدا من المعلومات عن هذه الصفحة وعن طاقمها وعن بعض أهدافها.
إدارة مثيرة وخط تحرير ملتبس..
صفحة الرؤية على منصات التواصل تبدو في ظاهرها موالية للنظام وأحيانا ملتبسة في الخط التحريري، لكن في خلفيات الفيديوهات المنشورة وفي قراءة متأنية تبدو معارضة لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز لحساب جهات داخلية وخارجية، فكل الإنجازات التي تتظاهر بإخراجها تكون خجولة ومتحفظة جدا، ومن الأغرب أن حديثها عن الجيش الوطني الذي هو مؤسسة جمهورية ومحل إجماع لكل الموريتانيين كان الفيديو خجولا جدا لم تتحدث فيه الصفحة عن بطولات خلدها الجيش عبر تاريخه بدء بحرب الصحراء ومرورا بأزمة السنغال وانتهاء بحروبه الباسلة التي خاضتها قواتنا الوطنية في الشمال المالي وهزمت الإرهاب في عقر داره في معركتي "حاسي سيدي" وغابة "وغادو" هذه البطولات التي خلدها شهداء الجيش بدمائهم الزكية لخصتها "الرؤية" بجملة خجولة هي "مكنت الجاهزية من تجنيب البلاد تاثيرات الأوضاع المضطربة في المنطقة..".
وفي هذا المقام نتذكر تدوينة لمدير "الرؤية" :
الجيش ما زال يمارس السياسة هنا، فلا معنى لاعتباره خارجا عنها، ولا معنى لعدم وجود رؤية للعلاقة معه والحوار معه من أجل مرحلة انتقالية.."
الفيديو المتعلق بالجيش جاء منافسة لتقرير شامل وكامل أعدته التلفزة الموريتانية عن نشأة وتطور الجيش الموريتاني والعمليات النوعية التي خاضها في معاقل الإرهاب وكيف تطور خلال عقد من الزمن إلى جيش مهاب في المنطقة تخشاه كل الحركات المتطرفة في منطقة الساحل القاحلة..
وسواء كانت تقف وراء هذه الصفحة جهات أجنبية كما يقول بعض المدونين أو تقف وراءها جهات ذات ولاءات متعددة إلا أن طاقمها ـ بعد تحرٍ كبير ـ اتضح أنه يتألف من:
ـ المدير عبد الفتاح ولد حبيب وهو المدير المساعد لوكالة تشغيل الشباب وهو اسم معروف في الأوساط الشبابية وتعرفه حركة "25 فبراير" ويعرفه رفاقه في "الشباب أنتم الأمل" إلا أن أحدا لم يعرفه في الاوساط الإعلامية وليست له تجربة في أي من الصحف المعروفة ولا القنوات المستقلة لكن تسلل للإعلام عبر هذه البوابة المثيرة.
ـ مجلس إدارة "الرؤية" مكون من صحفي يراسل وكالة أنباء أجنبية بنواكشوط ومديرة مؤسسة إعلامية مستقلة ومستشار في رئاسة الجمهورية.
تقوم الصفحة اللغز بإعطاء رواتب مغرية للطواقم الفنية التي تشرف على الإنتاج كما تقوم الصفحة بإعطاء بعض الإكراميات لصحفيين آخرين ربما كان ذلك السبب في إسكاتهم عن تفاصيل مثيرة للصفحة.
منافسة التلفزيون وتصفية الحسابات ..
تحاول "الرؤية" اللغز جاهدة منافسة التلفزيون الموريتاني من خلال إعداد برامج ذات جودة عالية مثل "تغطيات القمة الافريقية" والتي تزامنت مع هجوم كبير لتغطية التلفزيون الرسمي لوقائع القمة.
وخلال إضراب الأطباء الماضي كانت "الرؤية" منبرا للأطباء المضربين نكاية في الجهات الحكومية، وقاطع الأطباء السهرات الرمضانية في التلفزة الموريتانية فكانت "الرؤية" المثيرة متنفسا لهم، وشكلت لهم بديلا عن التلفزيون الرسمي، وهو ما يجسد استغلال خلاف وتصفية حسابات لدى مدير "الرؤية" عبد الفتاح ولد حبيب ضد مديرة التلفزة الموريتانية الدكتورة خيره بنت شيخاني وشقيقتها توتو بنت شيخاني. هذه الأخيرة التي كانت سببا في دخول المدير المثير عبد الفتاح للميدان السياسي لكنه في الأخير تنكر لها نهائيا بعد أن فتحت له ابواب القصر والمناصب فلم يعد يرضى بأقل من إقصائها من المشهد الإعلامي والسياسي .
"الرؤية" تحاول بإمكاناتها الوافرة واكتتابها لفنيين كبار أن تكون تلفزيونا منافسا للتلفزيون الرسمي انتقاما من إدارة التلفزيون وما حققته في السنوات الأخيرة من نجاح في الإعلام والسياسة.
من يمول الرؤية؟
تتحدث المصادر الخاصة للشروق ميديا عن بداية انطلاقة "الرؤية" حيث عملت عليها طواقم مصرية مكونة فنيا وبتمويل دولة عربية شقيقة قامت برعاية نواة المشروع والإنتاج وبرواتب مغرية لكل العمال المصريين والموريتانيين.
لكن سرعان ما قام عبد الفتاح بالاستيلاء على المشروع وإقصاء الجهات المؤسسة ليتولى هو بنفسه إدارة المشروع الفعلية وبربط شبكة علاقات مع الممولين وأطرف أخرى مثيرة في الساحة الموريتانية.
وأغرب ما في هذا الموضوع لقاء حصل أخيرا في مدينة الدار البيضاء المغربية بين عبد الفتاح وشخص محسوب على رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو.
وفي ظل تقلبات هذه "المؤسسة الصفحة" وما وقع في إدارتها من خلافات وما نجح فيه عبد الفتاح من الاستحواذ عليه واستخدامها لأغراضه الخاصة والعائلية، فإلى أين ستتجه بوصلة الصفحة الغامضة؟ ومتى سيعلن عنها كمؤسسة إعلامية موريتانية وفقا لقوانين ونظم المؤسسات الإعلامية العاملة في البلد؟