«النصرة» تمهد لكيان مواز لـ«داعش» شمال سوريا

ثلاثاء, 2014-12-16 08:21

ربط تنظيم «جبهة النصرة» أمس، الريف الجنوبي لمحافظة إدلب في شمال سوريا، بالريف الشمالي لمحافظة حماه، ووفر 800 مقاتل على الأقل للقتال في جبهات أخرى، بعد سيطرته على أهم معقلين لقوات الرئيس السوري بشار الأسد في ريف إدلب الجنوبي، هما معسكرا الحامدية ووادي الضيف، إضافة إلى 24 حاجزا آخر بريف معرة النعمان، بمشاركة مقاتلين متشددين موالين للتنظيم. وتأتي سيطرة «جبهة النصرة» على المعسكرين، بعد هجمات عنيفة شنتها بداية من مساء السبت الماضي، أسفرت فجر أمس عن السيطرة على الموقعين، تمهيدا لمحاصرة 4 قرى، هي الأخيرة الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية في الريف الجنوبي لمحافظة إدلب، وبينها قرية الفوعة التي تسكنها أغلبية شيعية، مما يشكل ضربة لمحاولات الجيش النظامي التقدم شمالا، وتهديدا لمدينة إدلب الخاضعة لسيطرته.

وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان سيطرة «جبهة النصرة» وتنظيم «جند الأقصى» وحركة «أحرار الشام»، على معسكر الحامدية بشكل كامل عقب اشتباكات عنيفة مع قوات النظام التي انسحبت باتجاه بلدتي بسيدا ومعرحطاط جنوبا. كما ذكر المرصد في بريد إلكتروني إن المهاجمين تمكنوا «من أسر 15 عنصرا من قوات النظام بينهم ضابط على الأقل»، في حين نفذ الطيران الحربي ما لا يقل عن 17 غارة على منطقة معسكري وادي الضيف والحامدية، وقصف الطيران المروحي بثلاثة براميل متفجرة على الأقل المنطقة ذاتها.

وأكد مصدر في «حزب الله» اللبناني الذي يقاتل إلى جانب الجيش السوري في عدة مناطق من سوريا في تصريح لصحافيين أمس، أن معسكر وادي الضيف سقط في أيدي «جبهة النصرة» وكتائب إسلامية أخرى بعد هجوم «شارك فيه أكثر من 3 آلاف مسلح».

وكانت «جبهة النصرة» أعلنت مساء السبت أن أكثر من 200 «انغماسي»، يتحضرون لـ«غزو» معسكر وادي الضيف، مشيرة إلى أن المعركة «بدأت بتحرير الحواجز النظامية». وقد تمكنت القوات المهاجمة من السيطرة على 24 حاجزا للقوات النظامية بريف معرة النعمان، في غضون 24 ساعة، قبل أن تتمكن من السيطرة على أكبر تجمعات القوات الحكومية بريف إدلب، الذي يعد موقعا مهمّا لقصف المناطق الأخرى؛ إذ يتضمن مرابض مدفعية وراجمات صواريخ.

وأفرجت «جبهة النصرة» عن صور لهجومها على المعسكر، بدا أنها تستخدم طائرات مسيرة من دون طيار، إضافة إلى الدبابات وصواريخ «تاو» الأميركية الموجهة والمضادة للدروع. وقالت مصادر المعارضة في شمال سوريا لـ«الشرق الأوسط» إن جبهة النصرة «سيطرت على تلك الصواريخ بعد هجماتها المتكررة خلال الشهرين الماضيين على فصائل الجيش السوري الحر المعتدلة والمدعومة أميركيا في شمال إدلب». وباتت «النصرة» تسيطر على قسم كبير من ريف إدلب، بعد طرد قوات المعارضة المعتدلة في شهر يونيو (حزيران) الماضي من الريف الغربي للمحافظة، وطرد قوات «جمال معروف» التابعة للجيش السوري الحر من الريف الجنوبي للمحافظة وريف معرة النعمان، أوائل الشهر الماضي.

وفي السياق ذاته، ذكر المرصد السوري أن «طائرة مروحية هبطت بعد منتصف ليل الأحد - الاثنين في منطقة معسكر الحامدية (...) ونقلت عددا من الضباط والقادة في معسكر الحامدية قبل تمكن مقاتلي (جبهة النصرة) و(حركة أحرار الشام) الإسلامية وتنظيم (جند الأقصى) من استكمال سيطرتهم عليه» صباح أمس. وذكرت مواقع جهادية أن حركة «أحرار الشام» التي تعد أبرز الفصائل المشاركة بالهجوم، خسرت 15 مقاتلا، فيما خسرت «النصرة» عددا من مقاتليها لم يحدد بعد، بينهم 7 على الأقل من «المهاجرين».

وبهذه السيطرة على المعسكرين، تمكنت «جبهة النصرة» من ربط ريف إدلب الجنوبي بريف حماه الشمالي، وهي المعركة التي عملت عليها «النصرة» منذ الصيف الماضي، وفشلت بعد تمكن القوات الحكومية بقيادة العميد سهيل الحسن (الملقب بـ«النمر») من صد هجوم شارك فيه 1500 مقاتل من «النصرة»، وقاده زعيمها أبو محمد الجولاني. وعلى الأثر، أبعدت القوات النظامية قوات «النصرة» من مناطق بريف حماه.

وتسعى «النصرة» للسيطرة على كامل أرياف محافظة إدلب، وربطها بريف حماه الشمالي، لتكون المحافظة خاضعة لسيطرتها، ونقطة ارتكاز لها في شمال سوريا غرب مدينة حلب، في مواجهة تنظيم «داعش» الذي يسيطر على مناطق في شرق حلب.

ورأى رئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية» الدكتور هشام جابر، أن تنظيم «النصرة» «يحاول رسم خطوط تماس قبل تنفيذ خطة المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، ووقف العمليات العسكرية»، موضحا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «كل الأطراف تسعى لتحقيق مكاسب على الأرض قبل البدء بتنفيذ الخطة، وبينها (النصرة) وقوات النظام، نظرا لأن الخطة ستبدأ بحلب، وستمتد إلى جوارها»، مشددا على أنه «عند تنفيذ الخطة، تكون الفصائل المتحاربة قد سيطرت على أكبر مساحة من الأرض وتحتفظ بها، قبل الانتقال إلى تنفيذ البنود الأخرى من المسعى الدولي وهو الحل السياسي».

وقال جابر، وهو عميد متقاعد من الجيش اللبناني، إن تنظيم «داعش» لا يعطي إدلب أفضلية في الوقت الراهن، إضافة إلى أن ضربات التحالف «قوضت حركته ومنعته من التمدد إلى المنطقة في غرب حلب»، في حين «تسعى (النصرة) لتحقيق مكاسب على الأرض في الشمال، لتأسيس كيان مواز لكيان (داعش) في شمال سوريا، فيما تبقى مدينة حلب نقطة خطوط تماس بين التنظيمين، بعد تجميد القتال فيها». ولفت إلى أن جبهة النصرة «موجودة في جنوب سوريا والقلمون، وهما موقعان لا يسمحان لها بإعلان كيانها كون القلمون بات شبه خاضع لسيطرة النظام و(حزب الله)، أما الجنوب، فلا يمكن الاستراحة فيه لقربه من دمشق». وأشار إلى أن التمدد من الجنوب باتجاه العاصمة «شبه مستحيل، نظرا إلى القواعد العسكرية الكبيرة للنظام فيها، وبينها مقر الفيلق الأول الذي يعد درعا حصينا للنظام». وبعد السيطرة على وادي الضيف والحميدية، أعلنت «النصرة» على حسابها في «تويتر»، أن أميرها في المنطقة عبد الله المحيسني، كان أول الواصلين إلى المعسكر. كما أعلنت أن «الخط بين حلب ومورك بات موصولا على أوتوستراد رئيسي وليس فرعيا»، و«مع محاصرة بلدة القرميد بشكل كامل، لم يبق للنظام في إدلب الريف الجنوبي إلا الفوعة وكفريا والقرميد»، وأن «توفير أكثر من 800 (مجاهد) كانوا مرابطين على المعسكرين سوف يساندون مناطق أخرى»، وأن «غنيمة كميات هائلة من النفط والذخائر والأسلحة المتطورة منها دبابات جيل ثالث (T72) موجودة في المعسكرات المحررة».

ويقع معسكر وادي الضيف شرق مدينة معرة النعمان الاستراتيجية التي استولى عليها مقاتلو المعارضة في 9 أكتوبر (تشرين الأول) 2012، بينما يقع الحامدية المحاذي لقرية الحامدية جنوب المدينة على طريق دمشق - حلب. وتسبب سيطرة المعارضة على معرة النعمان، في قطع طريق أساسي للإمداد بين دمشق وحلب، على القوات النظامية.

ويرى خبراء أن سقوط المعسكرين اليوم سيصعب على القوات النظامية استعادة معرة النعمان والتقدم نحو الشمال السوري من وسط البلاد، وتحديدا حماه، بينما ستفسح السيطرة عليهما الطريق أمام «جبهة النصرة»، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، لتوسيع نفوذها في هذه المنطقة التي تفرض سيطرتها عليها تدريجيا منذ أسابيع. كما أن خسارة المعسكرين قد تعبد الطريق، وفقا للخبراء، أمام «جبهة النصرة» والكتائب الإسلامية الأخرى للتقدم نحو مدينة إدلب الخاضعة لسيطرة النظام غربا، وحتى حماه جنوبا.

وكانت أبرز قوى المعارضة السورية المسلحة تحاصر معسكر وادي الضيف ومعسكر الحامدية منذ نحو عامين دون أن تتمكن من السيطرة عليهما، إلى أن هاجمتهما «جبهة النصرة» بمساندة حلفائها بعدما فرضت سيطرتها على مناطق محيطة به إثر معارك مع كتائب معارضة.

ويبلغ طول معسكر وادي الضيف 13 كيلومترا، بعرض 3 كيلومترات، ويرابض فيه نحو 1500 مقاتل من القوات النظامية. وأعلنت «النصرة» أنها شنت هجومها على المعسكر بـ2300 مقاتل، و800 انغماسي.

وجاء تقدم «النصرة» غداة تقدم القوات النظامية في حلب. وقالت مصادر المعارضة في حلب لـ«الشرق الأوسط» إن جبهة النصرة «سحبت مقاتلين من جبهات حلب باتجاه ريف إدلب، مما سهل تقدم قوات النظام في المدينة».

بدوره، رأى توماس بييريه، الخبير في الشؤون الإسلامية في جامعة أدنبره، أن القوات النظامية تحاول «التقدم نحو الشمال (...) وصولا إلى قواتها المتمركزة جنوب حلب»، إلا أن خسارتها هذين المعسكرين «ستدفعها إلى التخلي عن طموحاتها بالسيطرة على طريق طويل من حماه في الوسط إلى حلب شمالا». كما أن هذه الخسارة تمثل بحسب بييريه «هزيمة شخصية للضابط (العقيد) سهيل الحسن» الملقب «النمر»، الذي تصفه حسابات في شبكات التواصل الاجتماعي مؤيدة للنظام بأنه «الجندي المفضل» لدى الرئيس السوري الأسد، بعدما تمكن الجيش بقيادته من فتح الطريق المؤدي إلى حلب قبل نحو عام.

 

بيروت: نذير رضا الشرق الأوسط

اقرأ أيضا