مساء الأربعاء الماضى كنت أهاتف مستثمرا كبيرا، وتطرقت المكالمة إلى العديد من القضايا الجارية. وجهة نظره أنه لا بد من دعم عملية الإصلاح الاقتصادى التى يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسى بكل الطرق حتى نتمكن من عبور «عنق الزجاجة» الذى نتحدث عن ضرورة عبوره منذ عشرات السنين لكننا نفشل دائما.
هذا الخبير المرموق، لديه استثمارات ضخمة وبالتالى فهو لا يتحدث من جانب نظرى فقط، بل من خبرة عملية حقيقية.
وجهة نظره لخصها لى بقوله: «الوضع الاقتصادى فى مصر يشبه مجموعة أشخاص كانوا يجلسون على مقهى، طوال سنوات. هم لا يدفعون ثمن الطلبات الكثيرة التى يشربونها، يوميا. الرئيس أو نظامه كان آخر من جلس على المقهى، ثم اكتشف أنه مطالب بسداد ثمن كل المشاريب التى تناولها الزبائن منذ عام 1981 أو ربما منذ عام 1970، ولدي البعض منذ عام 1952».
الحل الأسهل والمريح جدا بالنسبة للسيسى من وجهة نظر هذا الخبير الاقتصادى أن يستمر فى الجلوس على المقهى، ويطلب المزيد من المشاريب هو ومن معه من الزبائن، من دون أن يدفعوا الحساب، كما فعل كل من سبقوه.
هذا الحل كان سيوفر للسيسى استمرار الرضا الشعبى الواسع جدا، لكنه فى النهاية سوف يؤدى إلى إغلاق المقهى بأكمله خلال أسابيع أو شهور أو سنوات قليلة.
فى تقدير هذا الخبير الاقتصادى البارز ــ الذى لف العالم شرقا
وغربا ــ فإن ما فعله السيسى كان حتميا ولا بديل عنه.
هو شرح لى الموضوع بمثال آخر مختلف.
قال لى: الأمر يشبه أسرة دخلها الشامل الشهرى ألفان من الجنيهات، لكنها تنفق أكثر من ثلاثة آلاف جنيه.
فى الفترة الماضية كانت هذه الأسرة تعوض الفارق بين الدخل والإنفاق، ببيع ذهب الزوجة، ثم بيع كل ما يمكن بيعه من ممتلكات، وفك الودائع التى كان مفترضا أن تساهم فى تعليم الأولاد وزواج البنات، وعندما انتهت المدخرات بدأت الاسرة فى الاقتراض من بعض الاقارب الأغنياء، أو بعض الجيران الطيبين، أو من أصدقاء فى العمل، وأخيرا بدأت تجرب الاقتراض من البنوك.
الأسرة استنفذت كل الطرق والوسائل التى كانت توفر بها الألف جنيه، الفارق بين الدخل والانفاق. ذات ليلة جلس الزوج والزوجة، وحولهما الأولاد وتناقشوا فى كل الاقتراحات للاقتراض من مصادر جديدة، لكنهم اكتشفوا أن البنوك ترفض إقراضهم، بعد أن تراكمت المديونية وفوائدها، وتأخر السداد، كما أن الجيران والأصدقاء، لم يعد لديهم المزيد من الفوائض ليقوموا بإقراضهم.
انتهت جلسة الأسرة من دون نتيجة، وتكرر الأمر فى الليالى التالية. لكن فى الجلسة الأخيرة طرح الأب حلا يتمثل فى ضرورة أن تجرب الأسرة أن تتوقف عن الاستدانة، وتعيش بدخلها فقط. تململت الزوجة، واعترض الأولاد. لكنهم فى النهاية لم يكن لديهم أى بديل حقيقى، خصوصا أن بعض الدائنين، قد هدد بالذهاب إلى المحكمة، لمقاضاة الوالد الذى عجز عن تسديد الديون، والحجز على الشقة والآثاث.
فى الليلة التالية بدأ الأب فى محاولة إقناع ابنه بالتوقف عن استنزافه ماليا للذهاب إلى الكافيهات والمقاهى، وكذلك ضرورة التوقف عن التدخين، والأم نجحت فى إقناع ابنتها بالتوقف عن «الفشخرة الكدابة» وضرورة أن يجرب الولد والبنت البحث عن عمل خلال الإجازة الصيفية.
انتهت الحكاية، ووافقت الخبير الاقتصادى على مغزاها، لكنى قلت له إن أهم عنصر لكى تستمر الاسرة فى هذا الطريق الصعب، أن تتقشف الحكومة وتكون مثلا وقدوة لبقية المواطنين وتحارب الفساد بلا هوادة، وأن يقتنع الناس أن سياسات الحكومة الاقتصادية هى الافضل، وان تكون الأولويات واضحة وهى إصلاح التعليم والصحة والجهاز الادارى وتوفير أكبر قدر من فرص العمل. إذا حدث ذلك فإن الجميع سوف يتحمل التضحية، لأنه يعلم أنه سيجنى الثمن فى المستقبل له ولأولاده فى المستقبل.