كانت عتاق الخيل في موريتانيا مصدرا للفخر ورمزا للقوة وتجسيدا للسلطة، كانت تعدو في سهول الحوض وتيرس ضَبحا، وتوري بسنابكها حجارة أودية آدرار وتگانت والعصابة قَدْحا، وتغير في مرابع البراكنة والترارزة وفوتا صُبْحا، وتثير هنا وهناك وهنالك نقعا. كانت عناية الموريتانيين بخيولهم كبيرةً وكان مُلاكُ الخيل إذا حل يوم 29 سبتمبر من كل سنة يفصلون لجام الفرس، وهو الحديدةُ تُوضع في فم الحصان، يفصلونه عن القماط الرأسي وعن حزام الحنجرة الجلدييْن، ولا يلجم الفرس حتى نهاية شهر أكتوبر، وهي فترة نقاهة لا بد للخيل منها حتى لا ترهق أبدانها وتزهق أرواحها. وكانوا يسقون خيلهم لبن الإبل بشكل خاص، ويحلونه أحيانا، لأنه يخفف وزنها ويُدر أبوالها وينقي دمها. وكانوا يختارون لغذائها بعض أنواع الدخن مثل: مُتْري (الدخن الصغير وهو "Browntop Millet" بالإنجليزية، ومن أنوع الذرة يختارون الرُّحَيَّة (دخن الإصبع، كما يسمى "Finger Millet"). كل ذلك من حرصهم عليها.
ومنذ عهود قديمة صار الفرس في موريتانيا أبرز عنصر في الحياة العسكرية، وأهم أداة لتحقيق النصر في الحرب، لذلك جاء ذكره كثيرا في النصوص التاريخية وارتبط أكثر من غيره من الحيوانات بالأدب الملحمي "التهيدين". كما أخذ الحصان مكانته في الثقافة المحلية عموما مرتبطا بقيم الفروسية والنبل، وصار امتلاكه تجسيدا لتلك القيم. إلا أنه ومع دخول الاستعمار الفرنسي لبلادنا تراجع حضور الحصان في الحياة الاجتماعية، بل وقلت أعداده بشكل لافت. وآخر إحصاء اطلعت عليه متعلقٍ بعدد الخيل في موريتانيا يعود إلى سنة 1977 ويذكر أن عددها 16 ألف رأس، وكنا حينها في المرتبة التاسعة عشرة في إفريقيا من حيث تعداد الخيل.
أسعار الخيل الموريتانية وتاريخ استعمالها
كانت الخيل تباع في هذه البلاد بأسعار غالية جدا، وقل من يقدر على شراء فرس حرة كلها إذ فيها ما يقوم بمائة ناقة، والأكثر أن يبيع أحدهم رُبُعَ فرس أو ثُمُنَها مع رسنها، أي بشرط أن تبقى عند المشتري حتى يكون لها من النسل ما يحمل القسمة كما جاء في الوسيط. وإذا بلغ ذلك النسل ثلاثا يأخذ أحد المتبايعين الأم وصغرى بناتها والآخر الكبيرتين أو ما اصطلحا عليه كما يقول ابن حامدن.
كتب التاجر والمستشار الفرنسي برينو دي بومغورج (Pruneau de Pommegorge) منتصف القرن الثامن عشر في كتابه "وصف أرض السودان" (Description de la Nigritie) أن خيل الموريتانيين هي أحسن خيل رآها في حياته، وتحدث عن اعتنائهم بتربيتها وحفظهم أنسابها وأصولها وحرصهم على عدم مزاوجتها مع خيل غير أصيلة لئلا تفقد نقاوتها وعراقتها. وكانوا يبيعونها بأثمان غالية، وقد نقل هذا المستكشف والمستشار نفسه حالة شاهدها في هذا الشأن في 1752. كما تحدث عن ترويض الموريتانيين لخيلهم ومهارتهم في الاستعراض، وكيف أنهم خيالة بامتياز. وفي ثمانينيات القرن الثامن عشر كان سعر الحصان العربي في موريتانيا في حدود 50 "بيصة من النيلة"، أي 50 قطعة من القماش الأسود الشهير في تلك الفترة.
وفي بداية القرن العشرين كان سعر الفرس الواحد ستون ناقة معها أولادها كما ذكر الرائد فريرجان في كتابه عن موريتانيا، إذ أخذ الفرنسيون ثلاثة خيول من خيل أمير إدوعيش بكار بن اسويد أحمد عند استشهاده مقاوما في إبريل 1905م وتم تقويم الفرس الواحد منها بستين ناقة معها فصلانها.
وقد ازدهرت تربية الخيل في المدن القديمة فارتبط اسم مدينة ودان –كما يقول أبو العباس ولد أبرهام- لدى شعب الولوف الإفريقي بالخيل الجيدة، فأصبحوا يقولون "فاس وادان" للخيل العربية الجيدة، و"فاس" تعني الفرس في الولفية. ثم إن شنقيط نفسها معناها عيون الخيل؛ يقول سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي (توفي 1818م) في رسالته "صحيحة النقل" شنقيط معناها عيون الخيل، ونقل عنه هذا التفسير سيدي أحمد بن الأمين العلوي في كتابه الوسيط. ولم يقل لا سيدي عبد الله ولا ابن الأمين في أي لغة تعني كلمة شنقيط هذا المعنى. ولو رجعنا إلى كلام أزناگه الذي يعود إليه أغلب أسماء الأماكن الموريتانية لوجدنا أن عيون الخيل يقابلها (تضْ إن إشّنْ) وفي موريتانيا وفي آدرار بشكل خاص مكان يطلق عليه (تضشين) وتبعد عن شنقيط الحالية أكثر من مائة كيلومتر.
ومن أكثر السلع رواجا في إمبراطورية غانا التي كان مهدها بموريتانيا في القرن العاشر والحادي عشر الميلاديين: القمح والخيل. ويذكر البكري أن امبراطور غانا، وكانت عاصمته كمبي صالح (60 كلم إلى الجنوب من تنبدغة بالحوض الشرقي) كان عندما يريد لقاء شعبه يستقبلهم وقد قرب من سكنه عشرة أفراس مزينة بالقماش المذهب. أما فرس الإمبراطور الخاص فتعلق عليها قطعة من الذهب الخالص كما ذكر الإدريسي.
وكانت القبائل الصنهاجية هم من أدخل الخيل والنحاس والحديد إلى هذه البلاد، ويلاحظ ذلك بوضوح في رسوم العربات التي تجرها الأحصنة والموجودة في الكهوف والمغارات في آدرار والعصابة وتگانت والساقية الحمراء وغيرها، وقد تم استقدامها إلى المجال الموريتاني في أوائل الألفية الأولى قبل الميلاد. والواقع أن أكثرية رسومات الخيل في موريتانيا تظهرها مرتبطة بالعربات. وهذه العربات كانت عربات حجرية صممت لأغراض قتالية أو للصيد وستنتشر في عموم الصحراء مع فترة 700 سنة قبل الميلاد.
وكان المرابطون أثناء فتوحاتهم في بلادنا وفي إفريقيا يقاتلون على الخيل كما قال البكري، ولذلك تم لهم التفوق على القبائل الإفريقية، وكانت الخيول الإفريقية قصيرة وضعيفة البنية وبالتالي فهي غير قوية عسكريا في مقابل الخيل البربرية والخيول العربية التي كانت تستقدم من الشمال.
ويصف الجغرافي أبو عبيد البكري الروح المعنوية العالية عند المرابطين، ومميزات أسلوبهم القتالي والتكتيكي، كالدقة في التنظيم والثبات في القتال؛ والغاية من رفع الراية هي البدء والانطلاق في المعركة قائلا: "ولهم في قتالهم شدة وجلد ليس لغيرهم. وهم يختارون الموت على الانهزام ولا يحفظ لهم فرار من زحف، وهم يقاتلون على الخيل والنجب، وأكثر قتالهم رجالة صفوفاً بأيدي الصف الأول القنا الطوال للمداعسة والطعان وما يليه من الصفوف بأيديهم المزاريق يحمل الرجل الواحد منها عدة يزرقها فلا يكاد يخطئ ولا يشوى لهم. ولهم رَجُل قد قدموه أمام الصف بيده الراية. فهم يقفون ما وقفت منتصبة، وإن أمالها إلى الأرض جلسوا جميعاً فكانوا أثبت من الهضاب. ومن فر أمامهم لم يتبعوه. وهم يقتلون الكلاب لا يستصحبون منها شيئاً".
صفات الخيل الموريتانية وأصولها
أعطى صاحب كتاب "امروگ الحرف"، وهو أقدم تأليف باللهجة الحسانية في هذه البلاد، وكنت قد عرفت به في مقالة لي سابقة، أعطى وصفا دقيقا للخيل الموريتانية العتيقة وغير العتيقة قائلا: "باب في الخيل: هذا زاملْ زينْ حُرْ من خيل تگانِتْ، بُوهْ حُرْ وأمُّ حرَّ، امْحيَّطْ اطويلْ واعريضْ، وحافرُ اكبيرْ گدْ اگدَحْ، وذنيْهْ امشكتْبَاتْ، سَابِگْ، كفْلُ اعريضْ وواسعْ، معگودْ ظهرُ، وگاشوشُ اكبيرْ، أرساغُ اطوالْ، ومهْرُودْ اخنَافرُ تگدِ دخلْ فيهم أيدكْ، أبيظْ ملْحَ".
وهذا تفصيح لهذا النص الحساني: "بَابٌ في الخيل: هذا حصان شَطبٌ جوادٌ من عتاق خيل تگانت، أبوه عتيق وأمه كذلك، نَهْدٌ طُولا وعَرْضا، حافره عظيم بحجم القدح، مقلمُ الأذنين، جموحٌ، ذو كفل عريض وواسع، ظهره مقوس، صدره واسع، ساعداه طويلان، ومنخراه متسعان ومتقدان يسعان اليدَ، أبيض كلون الملح".
ثم يصف الفرس قائلا: "افرسْ نفسَ تحتها غَظْوِ ازوينْ تبَّعْهَ مهر، اطويلَ مَلاَّليَّ، سابِگْ حتّه، من اسَبعِيَاتْ، احْرَاگفْهَ زينِينْ، اكفلهَ زينْ".
وتفصيح هذه الجملة هو: "فرس والدٌ أنجبت غَذَوِيًّا جميلا ويتبعُها مهْرٌ وهي طويلة مروضة، سريعة جدا من مربط السبعيات وحرقفتاها جميلتان وكفلها جميل".
وتعود أصول الخيل بموريتانيا إلى أصلين منها ما هو عربي يفترض أن أصله الحصان العربي السوري، ومنها ما هو بربري، وهو أصغر وأسرع من عتاق الخيل العربية، وقد وقع تزاوج بين العنصرين.
ويعرف عن الخيول البربرية (Cheval barbe) صبرها وعطفها على مالكها وقدرتها الفائقة على التحمل فضلا عن جراءتها المذهلة. أما الحصان العربي فسيد الخيول وصفاته الخلقية والخلقية مشهورة معروفة.
وهناك خيل هجينة تسمى "اشراكه" مفردها "شركي" وهي رديئة جدا، وقد يطلق عليها أحيانا اسم "آگْجُولْ" وتصغيره "آگجَيِّلْ". وفي كتاب امروگ الحرف: "آگْجُولْ اشوينْ، وآگجَيِّلْ آمورْ اسويبگ ماهُ شِ".
ولخيول موريتانيا العريقة أصول تسمى "مدارك" مفردها "مدرك"، ومنها الحمامات والغزالات والجريبات والدفينجات في تگانت والعصابة، وفي آدرار تسمى الخيل الگشريات وهي من نسل الغزالات، وفي الحوض مدارك خيل كثيرة ومتشعبة منها: الجديات والدفينجات والجريبيات ومن فروعها الحوات وأمات الظفيرات والمعنگات واكريكبات، وفي الترارزة: بينطات والسبعيات والكبيشات. وفي الساحل الزريگات وغيرها.
ويقولون: "الجريبه ما تكذب" أي أنها تنبه راكبها لمصدر الخطر المباغت، حتى إنهم يستدلون أحيانا باتجاه نظرها إلى جهة العدو، بل ويصوبون بنادقهم لجهة نظرها ويطلقون فيصيبون الهدف اعتمادا على اتجاه نظر الخيل العتاق. ومن صفات عتاق الخيل الموريتانية أنها لا تدهس الفارس إذا وقع عن صهوتها.
ومن أبرز الأمراض التي تصيب الخيل في بلادنا: بَارُوشْ وهي ريح قاتلة للخيل تصيب الحصان برشح في الأنف وضيق في التنفس وآلام في الصدر، وعلاجه بطريقتين: تعريض الفرس للدخان مدة طويلة، أو السعوط بالدهن.
تقاليد فروسية
ذكر الرحالة الإنجليزي مونغو بارك في رحلته التي قادته إلى سلطنة أولاد امبارك في منطقة بالنعوم بباغنة أن أولاد امبارك من أمهر الخيالة فهم يركبون الخيل بلا خوف، وسروجُهم عالية من الأمام ومن الخلف مما يعطيهم مركبا آمنا. وتعرف خيالة أولاد امبارك بأنها قوة ضاربة وسريعة، وقد وصل جيشهم في ستينيات القرن الثامن عشر إلى سبعة آلاف وخمسمائة خيال ومثلها من المشاة، وهي أكبر قوة خيالة في تاريخ موريتانيا القديم، وهو ما جعل جيش أولاد امبارك أسطورة في منطقة الحوضين والعصابة، وفي باغنة وغيرها من مناطق مالي. وكان أولاد امبارك يولون عناية فائقة للخيل، ويتكرر إطعامها ثلاث أو أربع مرات في اليوم وفي المساء تسقى اللبن المحلى.
وكان السلطان اعْلِي بن أعمر بن هنونْ بن بهْدل الملقب بوسروال مقاتلا ماهرا وخيالا مداوما لركوب الخيل إلا إذا كان قاصدا الصلاة. وكان فرسه الأبيض ذو الذيل المصبوغة بالحناء جوادَ السلطنة، كما قال مونغو بارك حين زاره في مارس سنة 1796م.
وكانت لإمارة أولاد رزگ بمنطقة الترارزة والبراكنة وگورگول تقاليد فروسية مشهورة، فكان أميرهم القوي گدول ولد موسى يحمي منطقة شمامة مدة الخريف وأول الشتاء حتى تيبس أرضها لئلا يطأها إنسان أو حيوان خيفة أن تعثر خيله عند السباق بآثار الواطئين فيها.
وكان على الزوج عند قبائل التوكلور والولوف أن يحمل العروس على فرس ليلة الزفاف. وتعرف تلك العادة عند التوكلور بـ"دفتونغل" (Diftoungal)، وعند الولوف بـ"ورال جي" (Waral gi).
وصف الرحالة الفرنسي الضابط فينصان أمير آدرار أحمد ولد عيده نهاية أبريل سنة 1860م، فذكر من أوصافه أنه كان جسيما، عريض المنكبين، يناهز الستين سنة، لا يكِل عن العمل، كثير الركوب للخيل، مشهورا بالصيد والرماية والشجاعة.
وذكر سيدي بن الزين العلوي في كتاب النسب عند حديثه عن الأمير بكار ولد اسويد أحمد: "ومن سيادته أنه إلى موته لم ينتفع بثلاثة أشياء: لم ينتفع بآمْكُبُّلْ، ولم ينتفع بمهر بنت له، ولم ينتفع بالذكر من نسل خيله، إنما يجعل الثلاثة للفقراء والمساكين".
وكان الكويري ولد مُحَمدات الزعيم الرحالي الشهير، وهو من أهل امبارك وكان دَيِّنًا جوادا بطلا مجدودا وهو صاحب السبعيات الخيل المشهورات في الترارزة، وهو جد أمينُو ولد محمد العبد ولد الكويري رئيس الرحاحلة.
وذكر أحمدو بابه بن بودرباله في كتابه "تاريخ حياة أهل بارك الله: أخلاقهم وعاداتهم" أن محمد بن محمود بن عبد الله بن بارك الله كان من سادات عصره وفضلائهم وكانت له خيل مشهورة نذرها لإصلاح ذات البين، وقد نجح في ذلك حيث كان يعطيها للأمراء والوجهاء عندما يسعى لإصلاح ذات بينهم، خاصة ما كان يقع في الترارزة وإينشيري. وحسب بعض المصادر فإن مدرك محمد بن محمود الباركي يسمى: آزويغات.
الخيل في الأدب والأمثال الشعبية
لما انتصر محمد بن امحمد شين انتصارات متتالية على المثاليث قال له أحد الشعراء مادحا فرسه في الظاهر والمقصود الأمير:
ياللي لا عدتِ موروثَ ۞ زين ازديفك في ذي البگع
ء زين ازميدك للمثلوث ۞ افتيْطْ ء كلكل والنگع
فقال له الأمير محمد: الأحسن أن تقول: " ياللي منْ لعد موروث".
ويعرف أعمر بن سدوم بن امحمد بن خونا الإدوعيشي بـ"فارس الخظراء" وب"فارس أم الرثم" وهي فرسه. وقد مدحه سدوم بن انجرتو بالتهيدينة المشهورة بأم الرثم ومطلعها:
وكتِن حنط اعلين حسان ۞ واعمل دخلنا خوتْ وابن عم
ويصف الشاعر محمد يگوى الفاضلي الديماني رحيل محصر أولاد أحمد بن دامان ذاكرا الخيل وكونها تتقدم الحي عند رحيله:
ضربوا الطبل للرحيل ثلاثا ۞ واستمروا يقوضون الأثاثا
ثم شدوا رحالهم فوق بزل ۞ من بنات الجديل لسن غراثا
قدموا الخيل واقتفتها المطايا ۞ صوب تنواكديل تهوي حثاثا
وإذا ضل أو تخلف بعض ۞ ضربوا الطبل للرحيل ثلاثا
وقد قال سيديا ولد هدار في الأمير سيدي أحمد ولد أحمد ولد عيدة:
غلظك گام اعليهْ ناعرْ ۞ عودانكْ ما گمت جاعر
مگط أمر اعظيمْ واعرْ ۞ طلعكْ منُّو ريبْ
كيفتْ ذَ مگط شاعرْ ۞ دخلكْ منو عيبْ
واعْدوكْ إلى جاوْ يردُ ۞ بطبولْ ءُ بجيوشْ يهْدُ
لاهِي عنكْ بيكْ يغدُ ۞ رجل بيك الهيبْ
تحكمْ لاجَ جيشْ لعدُ ۞ والمؤملْ غيبْ
ءُ تركب خوف إعود ثبتُ ۞ فوگْ احصانْ اجريبْ
واجريبِكْ إلى اركبتُ ۞ يمرگهَ لكذيبْ
ويقول أمير الترارزة اعلي ولد محمد لحبيب رحمه الله غِبَّ يوم أيدماتن 1879 مخاطبا فرسه وموريا عن نفسه وهو من الأدب الجيد:
يالحمْر رانكْ رگبْتِ ۞ شانكْ فامنينْ اتوحدْت
صعتِ واگصرتِ واكتلتِ ۞ لاعدوكْ ء لينْتِ حسانْ
ءلا گطْ العاديكْ الينتِ ۞ ءلا گطْ اطمعتِ فالغزيانْ
ءلا گطْ الفظْتِ واكذبْتِ ۞ ءلا گطْ اغدرْتِ حدْ افْمانْ
وكثيرا ما قيلت أشعار شعبية بين مناطق موريتانيا وإماراتها ويكون موضوعها الخيل، ومن أمثلته ما قاله بعض أهل آدرار وهو موجه إلى أمير الترارزة أعمر سالم بن محمد الحبيب:
ياعْمرْ سالمْ ياللي تلگاهْ ۞ گلولُ ذِ لا ينساهَ
معْط لفْرصْ شنْه معناهْ ۞ ءُ دورتْه شنه معناهَ
يكانُ من گلتْ ترهيبْ ۞ والل گلتن ذيكْ اكْذيْبْ
والل كثرتْ فالناسْ العيْبْ ۞ راعِ ذِ لا يتْعداهَ
ما راهَ مُحَمَّدْ لِحْبِيبِ ۞ واعْلِي ما راه، وِراه؟!
فقال شاعر الترارزة:
معناه گطْ اعْطيْتوه ۞ واگبله طيْتون بوه
فالخيْرْ ء طيتون خوه ۞ واعْطيْتوه ما درْناه
واتفاتن واحكمتوه ۞ واگصرْناكمْ واگلعْناه
لا حميْد لا طيتوه ۞ واملي لما ريْناه
ويعتبر الحفاظُ على الخيل شرفا والضَّنُّ بها مجدا فالمختار بن امحمد بن سيدي أحمد الدماني الشهير بمنيار كان ضنينا بفرسه الشهيرة "العناية" خصوصا وأن أمير الترارزة اعلي ول محمد الحبيب كان يريدها وضغط كثيرا من أجل أخذها وكان منيار رحمه الله يوصي إن مات قبلها بالتمادي على المحافظة عليها وإن ماتت قبله فقد أوصي بجرها شرقا لا غربا حيث يوجد محصر الأمير حتى لا تكون وهي جثة قريبة من فضاء الأمير. وقد هلكت "العناية" في حياة منيار فقال:
إلْ لعْنَايَ مَا گطْ اعطيتْ ۞ خايف من شِ يلحگْ سمعِ
لِعْنايَ والساحلْ ظنيتْ ۞ مُحَرَّمتيْ إلجمعِ
أما في الأمثال الشعبية فيقولون: "خَيْلَ مَا اتردْ خَيْلْ مَاهِي أحْرَارْ" أي أن عتاقة الخيل رهن بدفاعها لغيرها من الخيل يوم المعركة، ويضرب المثل في رد الفعل القوي الموازي والموازن للفعل.
ويضربون لما غلا ثمنه وارتفع سعره بالمثل: "ما ينشرَ بالخيل لحرايرْ" وللاستنفار والاستنهاض يقولون: "گعدٌ امعاكمْ أعراف الخيلْ"، وفي عدم الاعتراف بالجميل يقولون: "الزامل الِّ يوكلْ علافتُه".
ويقولون "خيلْ بُوزنِّيبَ البيظَ تغلب الكحلَ والكحلَ تغلبْ البيْظَ" أي خيل "بوزنيبَ"، وهو اسم شخص، البيضاء تغلب السوداء، والسوداء تغلب البيضاء، ويضرب للندين لا يَغلِبُ أحدُهما الآخرَ.
وقد استعمل هذا المثل وعربه الشاعر المؤرخ المختار بن حامد واصفا سيارة ديشيفو (Deux chevaux) لصديقه الأديب الدبلوماسي محمد فال ولد البناني رحم الله الجميع:
فَرَسَان عندَ خليلِنا البناني ۞ أو عندنا بعبارةِ الدَّيْمَاني
تَفديهما خيلٌ لوالدِ زينبٍ ۞ وفِدَاهُمَا خيلٌ علَى سَفَوَانِ
إشارة منه إلى المثل الشعبي "خيلْ بوزنيبَ"، وإلى أبيات الشاعر الحماسي:
رُويدَ بني شيبان بعضَ وعيدكم ۞ تُلاقوا غَداً خيلي على سَفَوان
تُلاقوا جياداً لا تحيد عن الوغى ۞ إذا ما غدت في المأزِقِ المتداني
سيدي أحمد ولد الأمير/ باحث موريتاني مقيم في قطر
انتهى