كنت فى السابق متابعا نهما لبرامج قناة الجزيرة وخاصة برنامج الإتجاه المعاكس. كنت يومها أعتبر الجزيرة صوتا عربيا حرا ينقل الحدث بكل مهنية وحياد إضافة إلى إصطفافه مع القضايا القومية العربية .هز ذلك الصوت المتمرد والهارب من الأغلال المدورة على أعناق القنوات الفضائية العربية الأخرى كياني فاستقبلته بالأحضان مثلي كمثل كثير من أبناء جلدتي فى ذلك الحين لما يمثله فى نظر الجميع من إنفتاح إيجابي وحرية فى الرأي وبعد عن الوصاية السلطوية المقيتة المفروضة على المنشآت الإعلامية فى العالم العربى أنا ذاك.
لكنني مع مرور الوقت إكتشفت أن اليوم شبيه بأمس وأن الطيور على أشكالها تقع وأن ذلك الصوت لم يكن صقيلا رخيما وإنما كانت به خشونة تنبعث من خلف القناع المثبت علي الوجه الحقيقي للجزيرة والذى أخفاه ردحا من الزمن ولكن الجزيرة كشفت عنه لاحقا أيام الربيع العربي وبدأت قسماته تتضح يوما بعد يوم
_ليته خصني برؤية وجه
زال عن كل من رآه الشقاء _
نعم بانت الجزيرة على حقيقتها تلك الأيام وساعدت برامجها كثيرا فى تسريع وتيرة العنف وكأنها تتغذى منه رغم زعمها السابق بالحياد المطلق . وخاصة برنامج الإتجاه المعاكس الذى يستضيف ضيفين إثنين ليس بينهما خلاف كبير فى الظاهر حيث أنهما يتصافحان ويتبادلان التحايا أوان دخولهما الإستيديو رغم تباين وجهات نظرهما طبعا إلا أن الصحفي فيصل القاسم بتجربته الرائدة فى تأجيج الصراع وصب الزيت على النار والقدرة الفائقة على الشيطنة يحولهما فى لمح البصر إلى عدوين لدودين يتربص كل منهما الدوائر بصاحبه ويمر الوقت سريعا وهما يتصارخان ملئ حبالهما الصوتية دون إستنتاج أية فكرة صائبة من أحدهما لأنهما باختصار تملكهما الغضب ذلك الوقت وتبعثرت الفكر فى رؤوسهما حتى أنهما فى بعض الأحيان يعمدان للعراك بالأيدي .ومع ذلك وعندما يصلان إلى ذلك الحضيض من السقوط يقوم فيصل القاسم بدور المهدئ المصلح ناسيا أو متناسيا أن من إعتاد السير فى موكب الشياطين لا يمكنه ان يحلق فى سرب الملائكة .
لذلك نحن الموريتانيون لسنا بحاجة إلى تصدير خلافاتنا الشخصية للجزيرة وتسخينها هناك وبسترتها. فالجزيرة لن تنفعنا بشيء بل ستضرنا وتوسع الهوة بيننا وتصب زيتها المشؤوم على نارنا ونحن فى غنا عن هذا .
لماذا لا نقارع الحجة بالحجة هنا فى خيمتنا أو عريشنا أو إحدى قنواتنا الوطنية بهدوء وروية نتبادل الفكر والآراء على وقع طقطقة كؤوس الشاي المعتق بعيدا عن ضجيج الجزيرة وطنينها فالأمر أمرنا والخلاف خلافنا ( ويموت السارك ماحظرت العزبه ) ( واللي ادخل بين لخوت يظايكو اعليه )