أظنّ أنّني معنِيٌ بقولِ شيء عن محمدّو. ليس أكثر من أيّ أحد حتماً؛ ولكن بالتأكيد أكثَر من الكثيرين. فقد عملت معه مدّة العام الماضي للتحضير لمحاورته في "مؤتمر منظمة الدراسات الإفريقيّة"، المنعقِد في أتلانتا في ديسمبر 2018. تعيّن علينا التواصل طوال العام بالسكايب وبالإيميل وبالبحث في مساهماته وتواريخه وسياقاتها وإرسال الأسئلة وإثارة النقاط. كنتُ قد دوّنت قبل ذلك عن محمّدو وحلولِه مثالاً عالمياً من الصحراء على السلام والتسامُح، وذلك بعد أنْ قرأتُ عمله وشاهَدتُ مساهماته في المجال العام.
ولكن معرِفتي به عن قُرب أتاحت لي رؤيَةَ آفاقٍ جديدة كنتُ فقط أتخيّلها قبل لقائه. محمدّو ذكي، يمتلك قلباً رحيماً، ولم تنزع منه المِحن قدرته الخلاّبة على الطُرفة. إنّه يعيش الظرف الإنساني كإنسان. يُسامِح ويمرَح ولكنّه يُلاحِظ ويُسجِّل. محمدّو ليس مجرّد حالة على حلول المظلوم في عواصِف الاختلال والظلم المحلِّي والدولي، بل هو مثقّف عمومي وشاهِد على التحوّلات. وهو قادِرٌ على المساهمة في النقاش العمومي ليس فقط كصاحِب تجربة عالميّة؛ بل كناقِد وكاجتماعي. ولذا فإنّ محاورتي معه إلى جانب أخريات متخصِّصات في موريتانيا (أن ماكدوغال وأرين بيترغرو) ومتخصِّص في إفريقيا (بنجامين لورنس) لم تقتصِر فقط على اللحظة الغوانتاميّة بل على الجانب التاريخي المتثمّل في التحوّلات العامة في موريتانيا في الثمانينيات. كما دائماً، كان محمّدو قادِراً على تحفيز وتعبئة الجمهور وتوليد الأسئلة فيه.
أعتقِد أنّ نضالَه من أجل استكمال حريّتِه هو مثالٌ آخر على راهِنيتِه. إنّه مثال على التسامُح ولكنّه لا يُفرِّطُ في حقوقه. ليس فقط لأنّه يحتاجُها؛ بل لأنّها هي هو. لقد أثيرَت مؤخّراً تخوّفات منه. أعتقِد أنّها بلا سند. وفوق كلّ ذلك أعتقِد أنّه سيكون إضافة نوعيّة للحوار العالمي. فلقد قيل إنّ الإسلام دين الرحمة، لا التسامُح، الذي نُسِب للمسيحيّة. أعتقِد أنّه إضافة جديدة للأمثلة العالمية للتسامُح الإٍسلامي. إنّه يشتغِل من داخل القراءة الإسلامية ليعقوب ويوسف وأيوب، وفوق كلّ ذلك مثال "الطلقاء" المُحمّدي. الحوار العالمي يحتاجُه.
أنا أضمن محمّدو. وأنا أعرِف هذا زمناً صعباً؛ والمُسرِف فيه من يضمنُ على التاريخ. ولكنّه أيضاً زمن الناس. البخيل من لا يضمنُ على الله؛ وولد الصلاّحي قدّمَ جميع الضمانات وجميع الأوراق الثبوتيّة. أنا به زعيم. اعصبوها برأسي وأطلِقوا جواز سفرِه.
يتواصل النضال!