أن تحتضن عاصمة المليون شاعر مهرجانا للشعر العربي فذلك أمر أصبح من الروتيني في بلاد لا تقدم نفسها للعالم إلا أنها وعاء للكلمة المنظومة والمنثورة، وأن ينظم اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين 12 مهرجانا شعريا فتلك حصيلة قليلة في حق اتحاد عمره يزيد على ثلاثين سنة باعتباره امتدادا لرابطة الأقلام الموريتانيين.
ما يستحق التعليق على هذا المهرجان ليس نقدا لقصيدة عصماء من ملاحم محمد الحافظ ولغته الجذلة الجذابة، ولا لوحات فنية رسمتها "ريشة فن" ولد عبد القادر أيام عز شبابه في مربد بغداد، ما يستحق النقد حقا هو طريقة المهرجان وماذا يميز هذه النسخة عن سابقاتها؟ وهل يمثل اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين كل الأدباء وكل الشعراء الموريتانيين على اختلاف لغاتهم وأعراقهم؟.
أما عن هذه النسخة فمن الأمانة أن نقول إنها استطاعت أن تستضيف عدة شعراء جدد كبار من بينهم الشاعر المصري أحمد بخيت، كما أن الوزارة ـ وكما يقول القائمون على الاتحاد ـ إنها كانت متعاونة كثيرا بعد أن شهدت علاقاتها بالاتحاد فتورا كبيرا خلال السنوات الماضية.
في المقابل يسجل على هذه النسخة أنها لم تقدم جديدا يذكر في المضمون والشكل، لا جديد في هذه النسخة إذا اشتثنينا أسماء بعض الشعراء، نفس الروتين: شعراء يستضافون من بعض الجنسيات العربية لإلقاء إنتاجهم، لا مسابقات في الشعر، لا سهرات فنية، ولا دواوين يتم التوقيع عليها على هامش النسخة، افتتاح رسمي يصاحبه إرباك في الكلمات وتكلّف في الخطابات جعل أحد قادة الاتحاد يتتعتع مرات على المنصة بحضرة الرسميين.
هذا عن الافتتاح أما سهرة الختام فطبعتها الارتجالية التي بدأت بتقديم وجبة الفطور وقت العشاء وهو يخالف الأعراف في هذه المهرجانات، أما الجمهور فغلبه النعاس والتثاؤب قبل أن يأتي الشاعر المصري الكبير أحمد بخيت في إحدى روائعه ليجذب الجمهور الذي يغالبه النعاس "لارا":
نها "لارا" التي تشبهُ "لارا"
شهقةُ "التوليب" في خدِّ العذارَى
أعلنتْ للنهرِ عنْ "حنَّائها"
يا صبايا الماءِ كسِّرنْ الجرارا
ذاتَ ليلٍ ما أراقتْ شَعْرَها
في "سَمَرقَند" انتشينا في " بُخارَى"
يوم "طروادة"لمْ تَهبط ْعلى
قمة "الأوليمبِ"فاشتقنا النهارا
وبين مدح صدام حسين ورثاء بغداد استطاع الشاعر سيدي ولد أمجاد جذب الجمهور إنشاءً وإنشادًا وسط تصفيق من قبل الجماهير المتثائبة.
مدير الربط فاضل محمد فاضل وعلى غير عادته طبعته الارتجالية في السهرة الختامية حيث قام بنداء الشاعرين أحمدو ولد عبد القادر والشاعر محمد ولد الطالب وهما غائبين فهل كان يعلم ذلك ويريد انتباه الجمهور؟ أم أنه يظنهما حاضرين فعلا؟ .
ختاما على رئيس الاتحاد وأمينه العام وجميع أعضائه أن يعلموا أن مؤسستهم مظلة لجميع الأدباء والكتاب الموريتانيين وليسوا اتحادا للناطقين بالعربية والحسانية فقط، نعم على رئيس الاتحاد و"حامل جائزتي شنقيط" الذي قضى جل حياته يبحث في التقارب بين ثقافات الشعوب وهو الباحث في الحضارات وحواراتها أن يدرك أنه يقود مؤسسة من المفترض أن يجد فيها كل شاعر وكاتب موريتاني ذاته، وهو يدرك قبل غيره أنه في المجتمع البولاري نسخة من الشاعر عبد الله السالم ولد المعلى، وفي المجتمع الصونوكي طبعة منقحة من محمد ولد الطالب، ومن يدري ان في المجتمع الوولفي نسخة ضائعة من "مدينة الرياح".
+مختار بابتاح / صحفي موريتاني