تبحث المعارضة الوطنية منذ شهور عن مرشح موحد تلقي بثقلها خلفه لمواجهة مرشح الأغلبية محمد ولد الغزواني. طرحت أسماء كثيرة، وجرى الحديث عن خلافات عميقة حول مبدأ مرشح التوافق الأوحد، أو تعدد المرشحين... يعلم رجال المعارضة وقادتها أن دخولهم الاستحقاق بمرشحين متعددين يعني بكل بساطة فوز مرشح الأغلبية من الشوط الأول وزيادة تعميق الخلافات بين أحزاب المعارضة. لكن التوافق على مرشح أوحد يواجه عقبات على رأسها إصرار حزب الصواب على ترشيح بيرام، وغموض موقف تواصل كالعادة. في هذا الجو الضبابي المثقل بالاحتمالات والتوقعات من مصلحة المعارضة، ومن مصلحة موريتانيا الالتفاف حول شخصية وطنية تتمتع بالنزاهة والخبرة، والحنكة السياسية والبعد الاجتماعي، والموقع الجغرافي الذي يؤهله لأن يكون واسطة عقد بين مختلف ولايات الوطن... فمثل هذه الشخصية تستطيع الاستفادة من ظاهرة المغاضبين التي تعصف بالأغلبية عند كل استحقاق انتخابي، ما سيفرض على مرشحها خوض الشوط الثاني ضد مرشح المعارضة الذي سيهزمه حتما لأن الأغلبية تعودت الفوز في الشوط الأول وجرجرة مرشحها إلى الشوط الثاني سيضرب معنويات ناخبيها في العمق، ما يعزز نزوح المغاضبين في اتجاه المعارضة.
إن الشخصية القادرة على لعب هذا الدور الوطني لا يمكن أن تكون إلا الوزير الأول السابق سيدي محمد ولد ببكر لما يتمتع به مميزات وصفات من أهمها:
تجربة سياسية عميقة راكمها في ظروف، وفي ظل أحكام سياسية مختلفة.
خبرة وظيفية طويلة تعطيه رؤية شاملة لمجمل القضايا الوطنية السياسية والإدارية.
ممارسة دبلوماسية مرنته على العلاقات الدولية وأكسبته صداقات عالمية سيوظفها لخدمة بلاده وتعزيز مكانتها الدولية.
انتماؤه إلى ولاية لبراكنة المتميزة من بين ولايات الوطن بتوسطها الجغرافي، وتنوعها الديمغرافي، وتاريخها السياسي الذي واكب قيام الدولة الوطنية.
انتخابه رئيسا للجمهورية يمثل إنصافا لمجموعات اجتماعية كبيرة ظلت محرومة من هذا المنصب الوطني الذي تداولته ولايات الغرب والشرق والشمال، بينما حرمت منه هذه الولاية ذات التاريخ الاجتماعي والسياسي العريق.
يتمتع سيدي محمد ولد ببكر بشخصية جذابة عرفت كيف تترفع عن الصراعات السياسية الضيقة؛ فمنذ تقاعده التزم صمت الحكماء مشاركا الموريتانيين إجماعهم في حده الأدنى وتاركا الخوض في خلافاتهم.
كما يتمتع ولد ببكر باحترام المؤسسة العسكرية التي اختارته لقيادة حكومة المرحلة الانتقالية، ولا بد أنه احتفظ بصداقات مع كبار الضباط المتقاعدين الذين لم يفقدوا تأثيرهم السياسي ومكانتهم في المؤسسة العسكرية.
تأسيسا على هذه الحقائق، وغيرها فإن سيدي محمد ولد ببكر هو الخيار الأمثل لإجماع المعارضة على مرشح واحد قادر على المنافسة بشكل جدي. أما الذهاب إلى الاستحقاقات القادمة بمرشحين مختلفين فهو انتحار سياسي، سيدفع الوطن ثمنه غاليا، وربما أدى إلى تلاشي المعارضة كفاعل سياسي يمكن التعويل عليه في تحقيق تناوب سلمي على السلطة...
وكما يقول الكاتب الكبير ولد الفاظل فإن استحقاقات 2019 تمثل فرصة لا تعوض إذا أحسنت المعارضة استغلالها. ومن حسن استغلالها اختيار المرشح القادر على هزيمة مرشح الأغلبية ولا يلوح في أفق الطيف السياسي سوى سيدي محمد ولد ببكر، لما يتمتع به من مزايا... فهل تغلب المعارضة المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية والحزبية الضيقة وتقف وقفة رجل واحد خلف مرشح التوافق الوطني؟