قال الشيخ رحمه الله: "من أكثر ما لا أرغب في التوقف عنده التدقيق في مسيرة الأحزاب والشخصيات في الحياة العامة، إلا من باب الاعتبار بالتاريخ، وفهم بعض دوافع المواقف والمواقع، لأن الحياة العامة والمواقف فيها رهينة التطورات الذهنية، للأشخاص والمجموعات، ورهينة بما يرسمه الشخص أو المؤسسة لنفسه من أهداف.
ومن مجافاة العدل والإنصاف محاسبة الناس على أهداف لم يرسموها لأنفسهم، وافتراض فهم معين لمواقفهم، أو مواقعهم، ثم محاسبتهم على عدم الانسجام مع هذا الفهم، أو عدم الاستمرار في الانسجام معه طول الحياة وعرضها.
وحتى مع أخذ تغير الظروف في الاعتبار، ومحاولة الاقتراب من الموضوعية فإن فهمنا لسلوك الآخرين، هيئات وأحزابا، وأشخاصا، يظل قاصرا، ولذلك فنحن مطالبون بكثير من التنسيب والتحوط، وعدم المجازفة بالأحكام العامة" انتهي الاستشهاد.
حين أتحدث عن ترشيح السيد سيدي محمد ولد بوبكر أو غيره، فإن هذا المنطق هو الذي يحكمني، وتصوري لمرشح المعارضة (وخاصة تواصل، الذي ما زلت أفضل النظر إليه منفردا، ولا أستسيغ عملية الدمج الموقفي التي لم يُتشبث بها إلا عندما صارت على حسابه) أنه يجب أن يحقق واحدا من اثنين:
إما تجميع القاعدة، وتنصيع الخطاب، أو اختراق في صفوف الدولة العميقة يظهر انقسامها، ويهز صورة المتحكمين فيها. ولا أظن أحدا يختلف معي في أن السيد المحترم الوزير الأول السابق سيدي محمد ولد بوبكر لا يحقق أيا من الشرطين أعلاه.
وليس من موقف شخصي تجاه الرئيس سيدي محمد ولد بوبكر إلا الاحترام وتقدير المسيرة، وتوقير الكبير، والتمني بالتوفيق، ورأيي فيه مرشحا للرئاسة هو أسطره هنا.
فكرتي بشأن المرشح الفرصة التي يبدو أنها سببت وما زالت تسبب لبسا في الفهم، وقلقا لدى بعض الأصدقاء، لا علاقة لها بموقفي الرافض للأنظمة العسكرية، إنها ضمن مقاربة أتبناها لمغالبة النخب السعكرية المتحكمة، وملخصها أن هذه النخب لن تسلم القياد عبر صناديق الاقتراع، وأن المخرج الوحيد أمام قوى التغيير التي تتسم بشيء من الاستراتيجية هو الدخول في نقاش عن قرب يحدد قواعد اللعبة، ويطمئن هذه النخب، ويفتح في نفس الوقت نوفذ في جدار رفضها. وفق قاعدة "غلاف الحلوى على الدواء المر".
وأعتقد أن أفضل وقت لمثل هذا الدخول، وفرض الشروط يكون في الحالات التي تشعر فيها هذه النخب بالحاجة إلى من يسندها، وترى فيه أنها بحاجة إلى غيرها، تسويقا في الشارع، أو منحا للشرعية، أو تقوية للجبهة في صراعاتها الداخلية.
وما أقترحه ليس لفرد أو مجموعة أفراد، وإنما لقوة متماسكة واضحة الرؤية، مؤمنة بهدفها، تملك أدوات رقابتها الداخلية التي تحميها من الانحراف الكامل، وتقومها عند الميل الجزئي.
وأعتقد أن الكتلة السياسية الحالية المشكلة للمعارضة تمتلك بعض مقومات هذه الكتلة، ولديها فرص الآن في ظل ظروف الانتقال التي تمر بها القوى الصلبة، وقد جربت هذه النخبة المدنية سياسة الابتعاد والحفاظ على النصاعة، فاقترحت، وأقترح عليها أن تجرب سياسة الاقتراب، والحوار المباشر، والاحتكاك القريب، وليس أسهل عليها، وهي كتلة محترمة غير ظنينة في الوطنية، ولا غريبة على النضال من أن تعود أدراجها وتعلن للرأي العام أنها جربت طريقا جديدا، وبرهنت به أنها لا تريد إلا مصلحة الوطن، وقد تأكدت أن هذا الطريق غير موصل، وأنه لا ينفع مع هذه النخب المتحكمة إلا المنازلة، وساعتها سيكون صوتها مسموعا، وخطابها أكثر منطقية..
بهذا المعنى يكون غزواني فرصة وطنية ليس بشخصه، وإنما بالمرحلة التي يأتي فيها، والظروف المحيطة بمقدمه.
وأما قراءة ما يكتب بمنطق المتحفز للقفز من السفينة، أو الذي يجمع ملابسة في انتظار اعتدال المقعد ليجلس عليه، فتلك قراءة لا تلزم إلا صاحبها، وما يعرف في نفسه لا يدله إلا على نفسه.
أنا صاحب رأي سياسي أقوله، ولا أتحسس جيبا قبل الكتابة، ولا أبحث مزاجا عاما قبل الإدلاء بما أعتقد، فلست صاحب منصب أوصلتني إليه جماهير أوهمتها بقدرتي على التغيير، ولا صاحب منصب أحافظ عليه ببقاء جزء من الرأي العام يبعث إلي الإعجابات! أنا صاحب قلم، ونظر، ووطن هجرته خوفا من أن آكل بقلمي، أو يسد مرق السلطان، أو شعث الجماهير ناظري.
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى
محمد عبد الله ولد أحبيب / كاتب صحفى مقيم فى قطر