كنت أنظر إلى جدتي المسنة بملحفتها السوداء وأقترب منها وألح عليها أن تحكي لي قصة أتسلى بها وأنا الطفل الذي يقاوم النعاس ويشعر برغبة شديدة في "العيش الميدوم"، لكن المواشي التي كانت تروح في كل مساء حافلة ضروعها بالألبان،
لم يأت حالبوها هذه الليلة، قلت وقد طلبت "العيش" مرات.. يا أماه أحك لي قصة الأرنب والسلحفاة أو الذئب والنعاج، فقالت الجدة: بل أحكي لك حكاية عن قصة العبيد الصحفيين؟
ـ وما قصة العبيد الصحفيين؟
جلست الجدة وتثاءبت قليلا ونظرت نظرة في النجوم ثم بدأت في سرد القصة:
يحكى يا بني أن قبيلة من القبائل التي تقطن ضفاف بحر الظلمات اشتهرت بكثرة الأرقاء كان تجلبهم إلى كل القبائل الأخرى فتبيعهم بثمن بخس، وبحجارة من الملح وربما بدراهم معدودات.
اجتمع أعيان القبيلة ووجهاؤها وحكماؤها لتسيير قافلة من العبيد إلى مناطق أخرى فأجمعوا أمرهم وقرروا الانطلاقة بالقافلة في الصباح، قال شيخ الحي لا بد من تصفيد كل العبيد بالسلاسل هذه الليلة حتى لا يفكروا في الهروب خاصة العبيد المتمردين أبو بكر دهماش والآبق مولاي بحيده والرقيق الحقير مختار بابتاح، هؤلاء يجب أن يصفدوا من الخلف ثم يتبعهم عبيد آخرون فيجعلون على بعير شرود، أما العبد الحقير عبد الله ولد سيدي فسيحزم مع رجل أحد الجمال السائرة في قطار القافلة حتى يذوق طعم كلامه ونصائحه ومن هو حتى ينصح أسياده؟ يا عجبا للعبيد يحاولون أن يفكروا وكأنهم بشر!!
وسارت العير تتخطى الشعاب باحثة عن مكان سوق نخاسة جديد سيخفف من ضغط العبيد على الحي حتى إذا ما بلغت العير أرضا مواتا وواديا غير ذي زرع قال أحد القوم وما هذه الأرض يا ترى؟ قال له أكبر القوم وهو خرّيت يعرف كل مجاهيل الأرض هذه سلسلة جبلية اسمها"موريتانيد" فذرفت دموع العبدين مختار زايدنا ومولاي بحيده، لقد تذكرا أياما خوالي عاشا فيها مع أحد الأسياد السابقين في سلسلة واحدة وقضيا شهورا وهم يرعون الغنم في شعاب ارض موات لا ماء بها ولا زرع وقاوما بمواشي الأسياد سنين كسني يوسف وبدا الخوف على وجوه القوم وظنوا أنهم سيباعون، سألت القافلة عن صاحب هذه الأرض فلم يجدوه وكان العبد ولد دهماش لم يتذكر هذه الأرض لأنه يحمل سيده على عنقه بعد أن تعب بعيره وتصبب عرقه وسمعت أصوات العبيد وهي تتسلق الجبال قالوا سنبيع مجموعة هنا أهمها العبد الداه يعقوب الذي قال سيده إنه مسالم وطائع جدا لكنه بحاجة إلى ثمنه.
ومرت القافلة ب"أزوكي" عاصمة "المرابطون" ورأت العبيد مخلصون لأسيادهم هنالك لدرجة أنهم يعبدون الله بالتقرب إليهم وإن ذكرت لهم الحرية يبكون ولا يتوقعون حياة بلا عبودية..
ثم انطلقت قافلة العبيد ثلاثة أيام بلياليها فإذا خيام بيض تتراءى وتتراقص على مد البصر إنها أرض "الساحل"، لقد استبشرت القافلة خيرا واشرأبت أعناق الأسياد خاصة سيد العبد مختار بابتاح ذلك العبد المتمرد الذي تحدث له ذات مرة عن بعض أحكام الصلاة وأخيرا يريد هذا العبد الحقير أن يعوض له عن خدمة سيده (قالها السيد وقد ضرب عبده عشرة أسواط وهو يجهش بالبكاء) سأبيع هذا العبد في الساحل سأتخلص منه ولو أعطوني خمسة دراهم لبعتهم إياه حتى يعلم أنني كنت أخدمه كثيرا، إن في الساحل أسيادا ـ كما في كل من حواليهم من الأحياء ـ لا يرحمون عبيدهم ولا يلتفتون إلى صرخاتهم يربطون أحدهم برقبة جمل شرود، وإذا عاد من السقاية في الزوال ينام على الرمضاء حتى يسيل كل عرقه، وقررت القافلة بيع مجموعة من العبيد يتقدمها : سيدي محمد اجيون ومختار بابتاح وعبد الله ولد سيدي وغيرهم من العبيد المسالمين.
ثم انطلقت العير باتجاه مدينة"شنقيط" علها أن تجد أثمانا في بقية عبيد القافلة حتى إذا ما وصلت مرتفعات "شنقيط" نزلت بها وساءلت أحد الرعاة كيف ستدخل القافلة هذه المدينة؟، هل ستدخلها على حين غفلة من أهلها حتى لا تقع معارك بين عبيد القافلة وعبيد شنقيط، أم سندخلها ضحوة، فنصحهم الراعي أن يدخلوها في وقت السحر حتى لا يتطاحن العبيد فيما بينهم وتقع ثورة عبيدية حاول العبد شيخاني أن يهمس في ما تبقى من أذن العبد بوبكر عن مدينة "شنقيط" وقد مر شيخان بها في رحلة بحث عن إبل الأسياد، لكن سيد شيخان صفعه صفعة أنسته القصة بالكامل.."
عفوا ... لقد نمت عن الجدة وهي تسرد بقية القصة ولم أستيقظ عليها إلى وهي تقول : وعادت القافلة وقد باعت كل العبيد بأثمان بخسة، وهرب من العبيد من هرب وعاش في الأصفاد من عاش لكنهم جميعا ظلوا في عبودية متواصلة حتى ماتوا جميعا..