الشيخ ولد سيدي عبد الله والكلمة الرومانسية (نص كلمة الافتتاح)

سبت, 2014-12-27 19:30

الكلمة التي ألقاها مدير النسخة العاشرة من مهرجان الأدباء والكتاب الموريتانيين الدكتور الشيخ ولد سيدي عبد الله مازجت بين الشعر والنثر، قطعت مسافة الشعر الطويلة الممتدة بين امرئ القيس ونزار قباني، أعادت إلى أذهان الحاضرين معنى الشعر، بحثت عن مصطلح جديد للكلمات، كانت تعرف مادة الشعر على طريقة جديدة..

وإلى نص الكلمة:

"الإخوة الأعزاء :

هاهي عشر سنوات من عمر الفرح تمضي ... عشر سنوات من التبتل في محراب الحرف .. من الصمت في حرم الجمال .. من النجوى في السحر والغسق والغزل في الاصيل ...

عشر سنوات من عمر الكلمة هي في حساب الابداع عشرة اوتار من سمفونية الذات حيث الالم والامل .. حيث الدموع تستحيل ماسا على خد الزمن ..

من منا من لم يركب صهوة الخيال في ديجور ليلة حالمة من ليالي الحياة .. ذلك الخيال الذي نرسم فيه لوحات من السعادة والحبور رغم ايماننا بأنها مجرد أمنيات واحيانا مجرد تحدّ للمستحيل ؟

من منا من لم يصنع من ذاته عالما من العشق والجنون واحيانا من العبقرية والجهبذة .. كل تلك الاحلام وتلك الاماني .. كل ذلك التبتل وذلك السراب اللامع في ظلام الليالي هو بداية الخيط نحو عالم الشعر والابداع ...

الشعر هو الثورة المشروعة على العقل .. هو تلك الشطحات المقتنعة بأن هناك همسا وعالما لا مرئيا لا يراه غير الممسوسين بشيطان الحرف .. غير اولئك الذي استخفهم الطرب فغشيتهم الرحمة ..

 

الإخوة الأعزاء :

 

حين وقفنا في السنة الماضية نفس الموقف .. نلوح لبعضنا تلويح وداع ونرمي حدائق الشعر والعشق والغزل بباقات من القبل البريئة ... حين فعلنا ذلك كانت القصيدة تبني للعالم مخدعه ... كانت تضع إكليلا من الشقائق على ضريح التحدي وسبع زنابق على جدارية الثورة والكبرياء .

كنا نهمس لبعضنا هل يكفي أن تكون القصيدة مجرد شاهد على الفراق .. على الألم الجاف .. ألم الحرمان ؟ ... فراق قيس وليلى .. روميو وجولييت .. ستيفن وماجدولين .. محمود مسومة وهي ؟

هل هذا هو دور الشعر .. كلنا همس في أذن الآخر وافترقنا .. وكان الشعر يجيب في أعماقنا عن سؤال آخر لم نطرحه .. عن أنات حائرة منذ البسوس وحتى يومنا هذا :

الشعر ليس حمامات نطيرها       نحو الفضاء ولا نايا وريح صبا

لكنه غضب طالت أظافره          ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا

 

أيها الأعزة :

في كل يوم نستيقظ .. نتحسس سرير الكلمة ..  بشرتها .. نقيس درجة حرارتها ومدى حنينها إلى البلاطات .. وحجم تنكرها لأخبية الفقراء وأكواخ المعدمين .. نلمسها فلا نجد غير التجاعيد والحبك الخشن .. الكلمة تشيخ تماما كوردة اللوتس .. تموت عندما لا تسمع غزلا .. كذلك تحن الحروف إلى تجربة زمن البراءة حين كانت لا تعرف طريقا إلى قواميس السياسة والتزلف والنفاق ...

أقول هذا الكلام واضحك على نفسي وعليكم بهذه اللغة الخشبية وأنا عائد من مقبرة الأحلام .. حيث دفنت كل الأحلام والأمنيات التي آمن بها العرب يوما وصدقها الضعفاء وأبناء الشوارع .

 

أيها الأحبة :

في هذا اليوم الذي سيسلمنا بعد أيام لعام جديد، حري بنا أن نجمع شتات الحرف أن نحتضن البوح الذي صاحبنا خلال سنيّ العمر الفارطة ونسأل :

ماهو الشعر ؟

هل ما زلنا نستطيع التعبير عن مشاعرنا .. عن الحب الصارخ فينا .. عن الألم المترع بكأس الغضب فينا .. عنا .. ؟

هل ما زال الشعر ذلك الكلام الموزون المقفى الدال على معنى؟

دعونا نتفق على تعريف للشعر ... دعونا نُنَقّيه من مواضيع النفاق الاجتماعي .. من الجشع .. من الخوف .. من نحت الجروح على خد الحقيقة والبراءة .

 

أيها الأحبة :

لا أريد أن تكون هذه الكلمة عزفا لسمفونية من القلق والضياع ..ولا تعبيرا عن مازوخية مفرطة .. هي -  يا سادتي – محاولة لتلمس الطريق المعتم نحو (القصيدة الحلم) .. القصيدة التي تصنع تمثالها من الثلج والنار والعقل والجنون.

 

 

أيها الأحبة:

أيها الساهمون في جمال الكلمات ... لنتعاهد على أن يظل الشعر سامقا وان نودع الثريا حكايا الولَه الموزون ... نتعاهد أن نحلّي قرص الشمس وجيدها بتعويذة الضاد حيث السحر والسكر والانتشاء .

هذه هي رسالتنا ... وهذا هو ميثاقنا الخالد .       

 

أيها الإخوة :

في هذه الذكرى العاشرة نستحضر ألقنا المغاربي ... نعيد كرة الحب القديم والخالد بين أقطارنا .. بين ربوعنا .. بين مياهنا وحنايانا ..

الأدب وأغنية الحلم المغاربي ... نريدها أغنية اتحاد ومحبة وسلام .. الشعر يستطيع أن يزرع البسمة في غابة الشفاه القاحلة ... فقط دعونا نسقيها بالعرق وليس بالعبرات .

 

 

أيها الأحبة :

من رحم المعاناة .. بل من رحم الحبور يولد الشعر .. عندما قتل كليب نطقت الجليلة شعرا .. (لا تصالح ولو منحوك الذهب)...

وحين انتصر الطرواديون كانت الإلياذة، وكان هوميروس يسقي قيثارته شعرا، وقبل إحراق روما كانت الرمايانا .. وفي الطريق إلى شطحات النورسي كانت الشاهنامة وجلجامش .. حتى الطوطميات ولدت في فناء الشعر.

هذا هو الشعر .. هذا هو السحر ..

غدا .. يوم جديد .. غداعام جديد .. غدا نبدأ التأريخ لميلاد نص جديد فلنحرص جميعا على ان لا يكون في الصباح حتى لا تسكت شهرازاد .. حتى لا تنتهي الحياة .

فلنعش طويلا ولنلتقي دائما .

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الشيخ ولد سيدي عبد الله مدير النسخة العاشرة من مهرجان اتحاد الكتاب والأدباء الموريتانيينن بتاريخ 27/12/2014

اقرأ أيضا