مع أن هامش المفاجأة والغرابة محدود جدا في أفق انتظار من خبر هذه البلاد وتطورات الشأن العام فيها لما يناهز ربع قرن ،فقد حملت تجربتي في الأسبوعين الأخيرين مفاجآت وغرائب بعضها يسر ويثلج الصدر ، ويؤكد حقيقة قرب انبلاج فجر الحرية ومنها المؤسف المحزن المحفز على مزيد من الجهد والكدح.
سأكون ناكر جميل وعديم ذوق إن حدثتكم عن أي تفاصيل في متن التجربة قبل أن أشهدكم أولا على حمد الله وشكره بمالطف وتكرم وتفضل وأحسن وستر، ثم أشكر للموريتانيين والموريتانيات من كل المكونات والتوجهات والجهات وقوفهم الاستثنائي مع قيم الحرية والعدل والإنصاف وتضامنهم الإنساني النبيل مع ضحايا الاستهداف بسبب القيام بواجب الإسهام في مقاومة سياسات وممارسات الحيف والتطفيف.
أصدقكم- وهنا مفتتح الحديث عن هامش المفاجآت -أنه برغم ما أزعم من وعي عندي بحجم نمو الشعور بضرورة تجاوز التباينات الثنائية لصالح التباينات الجوهرية فقد سعدت كثيرا لما تم من تضامن واسع جسد هذه الحقيقة وقدم في وقت بالغ الأهمية رسالة غير مشفرة خلاصتها أن جسور ثقة نمت وصلبت بين أجيال تفرقها أشياء عديدة ولكن يجمعها ما تدرك أنه الأهم ، ألا وهو السير بخطى واثقة للقطيعة مع عهود الظلم والغبن والاحتقار والاستعباد والعنصرية والتهميش،
لقد نثر المئات من المحامين المثقفين، الكتاب، الإعلاميين المدونين، الحقوقيين الساسة المواطنين البسطاء الصادقين المناضلين هنا في هذا الفضاء وفي فضاءات أخرى نصوصا تبسط حلمنا المشترك بواقع مختلف، وتعبر- وهذه أهم- عن المسافة التي عبرنا معا لتجاوز حواجز الخوف وخطوط الوهم وجدر القطيعة.
وددت لو أن العقليات التي يصدر عنها من يحكمنا وصلها قبس من الأنوار التحررية التي تخترق سدف الظلم والظلام في الفضاء المحيط لكن الطريقة التي تم بها الاختطاف، والظروف التي كان فيها الاحتجاز، والظلال البينة لروح الثأر والانتقام في كل الحكاية لم تفسح لهذه الأمنية طريقا فالواضح أن الهوة سحيقة بين درجات وعي النخب المناضلة من أجل الحرية ودركات " وعي" من يحكم !
تقتضي الموضوعية هنا الاعتراف أن مؤشرات ومبشرات ممكنة الرصد والملاحظة في من سوى صاحب قرار " الطفي" والخطف والمنع في المستويات القضائية والتنفيذية وحتى الأمنية.
إن إدمان قرع أبواب الحرية الذي واظبت عليه أجيال، وقدمت وتقدم من أجله الأجيال تضحيات مثمر لا محالة ولوجا شامخا لغد يريده المراهنون -خسرانا - على الطغيان بعيدا ونريده نحن ،بل نراه قريبا، وعلى بركة الله نستأنف المسير على دروب إقامة العدل.