بحضور الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، رئيس مركز الشارقة الإعلامي، انطلقت مساء أمس الأول (الإثنين) في مركز إكسبو الشارقة، أولى جلسات المجلس الرمضاني لمركز الشارقة الإعلامي التي تقام هذا العام تحت شعار "في ثقافة الحوار"، ويسعى من خلالها المركز إلى توفير مساحة لتبادل الحوار الثقافي والفكري في مواضيع متنوعة ترسخ لثقافة التسامح واحترام الآخر.
وشارك في الجلسة الأولى التي أقيمت تحت عنوان"حوار الأديان" كلٌ من المطران الدكتور عطا الله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس الشريف، و الدكتور العربي كشاط، عميد ومؤسس مسجد الدعوة في باريس، ومختار إحسان عزيز، مدير مركز دراسات العالم الإسلامي ورئيس المنتدى العربي الأوروبي لتنمية الحوار وأدارها الباحث والمفكر د. محمد الكبيسي.
وأكد الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي أن فعاليات مجلس مركز الشارقة الإعلامي لهذا العام تسعى إلى تعزيز ثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر، في إطار النهج الذي تتبعه إمارة الشارقة في نشر رسالة الحوار والتعايش والسلام، معرباً عن أمله في أن تشكل الجلسات بمجملها إضافة إلى ما تقدمه إمارة الشارقة من مبادرات تسهم في إثراء الحياة الثقافية والمعرفية في دولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة.
وحضر الجلسة الرمضانية كل من سعادة أسامة سمرة، مدير مركز الشارقة الإعلامي، وسعادة مروان بن جاسم السركال، المدير التنفيذي لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير "شروق"، وسعادة هشام المظلوم مدير إدارة الفنون في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، وعدد من الشخصيات الثقافية والفكرية والإعلامية وأعضاء السلك الدبلوماسي.
وتناول مختار إحسان عزيز في بداية الجلسة، موضوع الحوار من الجانب النظري، والإشكالات التي تعترض سبل إرسائه بين الديانات والطوائف والشعوب. وأكد أن الإسلام يؤمن بوحدة الرسالات السماوية، باعتبار أن لها مصدراً واحداً، ولذلك فإن الاختلاف في الدين هو أمر واقع بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وعلينا الاعتراف والتعامل معه باعتباره أمراً إنسانياً، وتذليل الصعوبات والعقبات التي تعترض الحوار بين الديانات والشعوب التي تتشاطر الأرض والوطن والهوية.
وقال عزيز إن المسلم ليس مكلّفاً بمحاسبة الناس على عقائدهم، ولكن عليه توصيل رسالة الإسلام إلى الآخر من خلال الحوار والنقاش الهادىء، من غير إكراه ولا إجبار. وأشار إلى أن مصطلحيّ دار الحرب ودار السلام ليس لهما أصلٌ في الشريعة الإسلامية، وإنما هما مصطلحان اجتهدهما الفقهاء في مرحلة معينة من التاريخ الإسلامي للدلالة على بلاد خارج حدود العالم الإسلامي وليس بينها وبين المسلمين عهد أو ميثاق.
وحول نوعية الحوار المطلوب بين الإسلام والديانات الأخرى، أكد مختار إحسان عزيز أن الحوار المثمر والإيجابي يجب ألا يتناول العقائد، لأن التجربة التاريخية المعاصرة أثبتت أن حوار العقائد يثير الفتن، خاصة بين أبناء البلد الواحد، ولا يوجد أي نتائج له سوى استمرار الشقاق والخلاف وتشويه القيم والمبادىء الحضارية التي يحملها الدين الإسلامي بشكل خاص، نظراً لحملات التشويه السلبية التي تواجه هذا الدين. مشيداً بالمبادرات التي تقوم بها دولة الإمارات العربية المتحدة في إظهار الصورة الإيجابية للإسلام.
وأشاد المطران الدكتور عطا الله حنا في مستهل مشاركته بالدور الذي تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة وإمارة الشارقة في تقديم رسالة حضارية للعالم، من خلال دعمها للجهود الداعية إلى نبذ العنف وإرساء دعائم السلام والمحبة، ونصرة القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وأكد أن الشعب الفلسطيني يستذكر دائماً مساندة دولة الإمارات، حكومة وشعباً، لحقوقه المشروعة، معتبراً هذا الدعم جزءاً من قيم الإخاء ونصرة المظلوم التي تنشرها الإمارات في مختلف أنحاء العالم.
وأكد حنا أن العلاقة بين المسلمين والمسحيين في فلسطين بشكل خاص، وفي العالم العربي عموماً، ليست علاقة حوار فحسب، بل هي علاقة أخوة تربط بين من يعيشون على الأرض الواحدة، وينتسبون إلى أمة واحدة، ويعيشون ظروف المعاناة ذاتها، ويناضلون معاً من أجل الحرية. وأشار إلى أن أصحاب الديانات التوحيدية تجمعهم الكثير من نقاط الالتقاء التي تشمل العديد من القيم الإنسانية والحضارية، وبالتالي فإن هذه الديانات إذا ما تفاعلت وتعاونت فيما بينها على قاعدة الإيمان بالله الواحد، فإن هذا التعاون سيثمر الكثير من الإنجازات التي ستستفيد منها الإنسانية كلها.
وتطرق المطران عطاالله إلى العهدة العمرية التي تعتبر من أهم الوثائق في التاريخ الإسلامي والتي حدد من خلالها الخليفة عمر بن الخطاب نموذجاً فريداً في العلاقة بين الإسلام والأديان الأخرى، وقال في هذا الخصوص أن هذه الوثيقة ليست حدث تاريخياً يتغنى به المسيحيون في فلسطين فحسب، وإنما هي رسالة إنسانية في العدل والمحبة والتسامح، أسهمت في جعل العلاقة بين الإسلام والمسيحية بالمشرق العربي علاقة تستند إلى الحوار والتفاهم حول شؤون الحياة المختلفة، وليست حواراً عقائدياً يفتح الباب أمام جدل لا نهاية له.
ولفت حنا إلى حقيقة ينبغي أن يؤمن بها كل أتباع الديانات التوحيدية وهي أن الانتساب إلى دين معيّن لا يعني عدم التواصل مع الآخر، فالدين ليس حائطاً يحجب الإنسان عن أخيه، ولكنه جسر يربط الأخوة ببعضهم البعض، مطالباً المسيحيين والمسلمين في العالم العربي بضرورة التحلّي بالجرأة والقوة لتوضيح حقيقة ديانة كل طرف، ونبذ الممارسات الخاطئة التي يقوم بها بعض أتباع الديانتين لتشويه القيم الإنسانية الجميلة التي يقوم عليها الدين الإسلامي والدين المسيحي.
من ناحيته، قال الدكتور العربي كشاط أن هذه الجلسة التي تندرج ضمن قنوات تعزيز الحوار مع الآخر، تعتبر ثمرة من ثمار القيم الإسلامية النبيلة التي تتبعها إمارة الشارقة في ظل توجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهو ما جعل الحوار مع الآخر جزءاً من رسالة الشارقة ومنظومتها القيمية. وأكد أن هناك نموذجين من الثقافة يسودان العالم، على اختلاف أديانه وجنسياته، وهما الثقافة الحوارية التي تقرب الإنسان من أخيه، والثقافة التناحرية التي تعزز التناحر والفرقة بين الناس وبعضهم البعض.
واستعرض الدكتور كشاط بعضاً من الشروط المطلوبة للحوار بين الأشخاص والثقافات والأديان، ومن بينها التأدب بين أطراف الحوار، وتقبّل الرأي الآخر، وتوفير الأجواء المثالية لجعل الحوار مثمراً وبناءً. وأكد أن سورة البقرة تضمنت مثالاً على أسمى صور الحوار، بين الله سبحانه وتعالى والملائكة عليهم السلام، في صورة رمزية تؤكد أهمية الحوار بين الجميع وضرورة توفير الشروط اللازمة لمنح الطرف الآخر فرصة التعبير عن رأيه، حتى لو كنا نختلف معه.
وأشار الدكتور العربي كشاط إلى أنه من الخطأ التعامل مع العالم الغربي على أنه يمثل وجهة نظر واحدة كمبرر لتجنب الحوار معه، مؤكداً أن الغرب يضم تيارات مختلفة منها ما هو مؤيد وداعم للقضايا العربية والإسلامية، وهذه ينبغي مد يد التعاون والحوار معها لمصلحة العرب والمسلمين. مطالباً بالابتعاد عن الجدل في الحوار لأنه يؤدي إلى الخصومة الشديدة، وبأن لا يقتصر الحوار على الألفاظ وإنما يشمل الأفعال أيضاً مثل مساعدة الطرف الآخر، والوقوف إلى جانبه في الكوارث والمصائب، فهذا كله يدخل ضمن الحوار الضروري والمطلوب بين مختلف الناس.
وفي ختام الجلسة، أكد الدكتور محمد الكبيسي أن الإسلام كان دائماً دين الرحمة والتسامح والتعايش السلمي، كما أن جميع الأديان جاءت برسالة تكريم الناس على اختلافهم باعتبارهم خلق الله جميعاً. مشيراً إلى أن الإسلام حرّم الاعتداء على النفس البشرية وعلى حقوق الآخرين حتى لو كانوا أعداءً، وهو ما جعله ديناً منفتحاً في مجال الحوار مع مختلف الأديان والجنسيات. مضيفاً أن إحدى الثمار العظيمة للأديان السماوية هو وقوفها في وجه الظلم، ما يشكل نقطة إنطلاق للحوار المطلوب بشكل دائم ومستمر مع الآخر.
ومن المقرر أن تنطلق مساء اليوم (الأربعاء) الجلسة الثانية من جلسات مجلس الشارقة الرمضاني، والتي تقام بعد صلاة التراويح في مركز إكسبو الشارقة، حيث سيكون الشاعر الفلسطيني الدكتور تميم البرغوثي ضيف الجلسة التي تحمل عنوان "حوار القوافي"، ويديرها الإعلامي الكويتي الدكتور بركات الوقيان، وستتضمن الجلسة عدداً من المواضيع ذات الصلة بقضايا الشعر المعاصر، من بينها كيفية المحافظة على الإرث الشعري، وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الشعر، وأثر الاغتراب الثقافي في بناء القصيدة الشعرية